03/10/2018 - 18:15

هل رسبنا في اختبار الديمقراطية؟

ما زلنا نشعر بالخزي والعار عند خسارة مرشحنا، وينتاب الرجال شعورٌ بالعار أمام خسارتهم إذ يشعرون بمساس في ذكوريتهم، وخصوصًا إذا كان الفائز أرعن لا يكتفي باحتفال بسيط بفوزه، وراح يقيم الأفراح والليالي الملاح وأنصاره يطلقون المفرقعات بلا حدود احتفاء

هل رسبنا في اختبار الديمقراطية؟

ما حدث في كفر مندا ليلة الثلاثاء والأربعاء مثير للأسف، هذه المواجهات بالمفرقات التي تسببت بالأضرار والإصابات ليست الأولى من نوعها، ونأمل أن تكون الأخيرة في هذه الجولة الانتخابية، وأن تمر على خير في كل بلداتنا.

ما حدث يشير إلى أننا ما زلنا عاجزين عن تقبّل قرار الناخب في الانتخابات البلدية، وإلى أننا نريد الاستئثار بالسلطة ومنع غيرنا من وصولها ولو بالتهديد والوعيد وحتى بالقوة، ولا أتهم طرفًا دون الآخر، وليس في كفر مندا فقط، إذ يبدو لي أننا "كلنا في الهواء سواء"، مع تفاوت طفيف بين طرف وآخر، وبين بلدة وأخرى.

هذا التوتر يتعلق إلى حد كبير بمرشح الرئاسة نفسه، وبمدى وعيه، ومدى تحمّله للمسؤولية الوطنية والإنسانية وتغليبها على أنانيته، وقدرته في السيطرة على جمهوره، وحثّه على ممارسة حقه الانتخابي بروح عصرية متسامحة، وتقبّل النتيجة مهما كانت، وخوض المنافسة الانتخابية باحترام متبادل، وتذويت قيمة بأن من يحترم الآخر يحترم نفسه، وبأن الترشح للوصول إلى رئاسة البلدية هو حق للجميع وليس حكرًا على أحد.

في نهاية الأمر، التنافس هو على تقديم خدمات للسكان، فعلام الوصول إلى العنف إذا كنتم صادقين؟

عندما تكون خطابات هذا المرشح أو ذاك ناريّة وكأنه ذاهب إلى معركة، ويستخدم عبارات قتالية في خطبه تشعل الغرائز، ويحوّل المنافسة الانتخابية إلى صراع على كرامة كل فرد وفرد من تحالفه العائلي، وصراع على العزة مقابل المذلة والمهانة، وتحويل المنافسة إلى إطلاق شعارات قتالية مثل "هيهات منا الذّلة"، "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط خيل"، ثم نجعل من المنافسين شياطين وكفرة و"دواعش"، حينئذ من الطبيعي انفجار طوشة هنا أو أخرى هناك، بسبب نظرة أو كلمة مستفزة، فالشبان المعبّأون المتأهبون قابلون للانفجار مثل براميل النفط والغاز. 

في المقابل، فإن الخطاب الهادئ الرزين الذي يتحدث عن إنجازات ومشاريع في العمل البلدي أو عن إخفاقات، أو عن برامج عمل يطمح المرشح إلى تقديمها في حال وصوله، ومخاطبة العقل، ومن دون تعابير حربية قتالية، وتقديم وثائق بما يتحدث عنه، وإعلان المرشح نفسه أمام جمهوره، بأنه يفضّل السلم الأهلي على كرسي البلدية، ولا يريد من جمهوره سوى أن يحكم على البرامج وعلى العمل والمؤهلات، ويشدّد على أننا أبناء بلد واحد وعائلة واحدة، وأن هناك من يتربص بنا جميعًا، وهو الذي خلق ويخلق أزماتنا، وأن قطرة دم من أي شاب سواء من عائلة مؤيدة أو معارضة، أغلى عنده من كرسي البلدية؛ حينئذ سنشهد هبوطا في التّوترات، ولن نشهد صدامات، وسيكون يوم الانتخابات عرسًا ديمقراطيا بالفعل. 

الخطاب الهادئ لا يعني تنازل المرشح من خارج المجلس عن حقه بطلب وثائق تتعلق في العمل البلدي، وخصوصًا تلك الأعمال التي صُرفت فيها الملايين، فهذه أملاك عامة وليست أموال الرئيس الممارس لوظيفته، وليس من حق أحد إخفاء طرق صرفها عن الجمهور، لأن الجميع يدفعون الضرائب، سواء للبلدية أو للحكومة أو بصورة غير مباشرة لـ"مفعال هبايس"! وهي تعود إلى البلد وليس إلى شخص الرئيس أو حاشيته، طلب إظهار الوثائق حق، وإذا رفض الرئيس في الوظيفة إظهارها، تُسجّل نقطة في غير صالحه.           
لطالما انتقدنا جميعنا بلا استثناء غياب الديمقراطية والشفافية في العالم العربي، وأتحدث عن جميع أطياف شعبنا بعائلاته وأحزابه، كتبنا الكثير من المقالات وعلى "فيسبوك"، وسخرنا من غياب هذا الاختراع السحري الذي يسمى ديمقراطية، واحترام الرأي الآخر والمختلف؛ دائما تَغَنينا وقلنا لإخواننا العرب لماذا لا تتعلمون الديمقراطية من الإسرائيليين أو الغرب؟ حيث يختلف الرجل مع زوجته في الرأي، وفي كثير من الأحيان يصوّت كل واحد منهما باتجاه مختلف عن الآخر سواء في انتخابات الكنيست أو البلدية، فهل تعلمنا نحن العرب في داخل مناطق 48 الديمقراطية؟ 

في معظم قرانا ما زلنا نعتبر من يخرج عن إجماع العائلة خائنًا، وخصوصًا إذا كان المرشح الرئاسي من العائلة وقرّر أحدهم أن لا يصوّت له لسبب معين، قد يكون السبب شخصيًا، وقد يكون غير مقتنع بمؤهلات مرشح عائلته فيوصف بأوصاف مهينة وظالمة. وفي المقابل، فإننا نعتبر من يترك العائلة الأخرى ويقرر التصويت لمرشحنا الرئاسي بطلا يستحق الاحترام، وهذا إثبات على خلل في تفكيرنا ونهجنا.

نحن نناقش كم مرة التقينا بهذا المرشح في الشارع ورفع يده محييًا، أو كم مرة جلسنا معه في مقهى أو في عرس، نناقش معاملته الشخصية وابتسامته، وهندامه، وتواضعه، نناقش أموره الشخصية، ولا نناقش قدراته على إدارة برامج ومخططات تكلّف عشرات الملايين، وتتعلق بمصير أجيال قادمة، وقد تكون فرص أو أخطاء لا يمكن إصلاحها. 

ما زلنا نشعر بالخزي والعار عند خسارة مرشحنا، وينتاب الرجال شعورٌ بالعار أمام خسارتهم إذ يشعرون بمساس في ذكوريتهم، وخصوصًا إذا كان الفائز أرعن لا يكتفي باحتفال بسيط بفوزه، وراح يقيم الأفراح والليالي الملاح وأنصاره يطلقون المفرقعات بلا حدود احتفاء بفوزه.

التعليقات