16/10/2018 - 18:56

يا رب تمرق على خير...

"يا رب تمرق على خير"، دعاء قلق نسمعه كثيرا في هذه الأيام، ويزداد كلما اقترب يوم الانتخابات للمجالس البلدية في الثلاثين من الشهر الجاري.

يا رب تمرق على خير...

"يا رب تمرق على خير"، دعاء قَلِقٌ نسمعه كثيرا في هذه الأيام، ويزداد كلما اقترب يوم الانتخابات للمجالس البلدية في الثلاثين من الشهر الجاري.

مهما حاولنا الابتعاد عن حالة الترقّب والقلق التي تخيّم على قرانا ومدننا، فلن نستطيع الابتعاد كثيرًا، فالانتخابات المحلية التي تبدأ على "نار هادئة"، وبتوقيع مواثيق شرف بين المرشحين، وبكلام كثير عن حرية الناخب واحترامه، لا تلبث أن ترتفع ألسنة لهيبها، وقد تصل إلى درجة الغليان في بعض الأماكن، وحتى إلى الانفجار الذي يسبب وقوع إصابات وخسائر مادية كبيرة، والأهم هو الجروح والندوب في العلاقات بين الناس، التي تحتاج إلى وقت طويل كي تندمل.

الحقيقة أنها لو كانت القضية قضية خدمة للبلد التي يرفع شعارها الجميع، لما كان هناك داعٍ لكل هذا التوتر والعصبية والتشنّج، كذلك لا داعي للمصاريف الهائلة التي تزهق على الحملات الانتخابية، خصوصًا من قبل مرشحي الرئاسة الذين يبذلون هم ومن حولهم الغالي والنفيس في إعلانات ضخمة تصل درجة الابتذال.

الجميع يقول إنه يحترم الرأي الآخر، فلماذا تُطلُّ المشاكل برأسها هنا وهناك، لتصل إلى درجة العنف الذي يكاد يوصل إلى ضحايا وكوارث؟!

يومًا بعد يوم في هذه الانتخابات، نُلاحظ تهميشًا لقضايانا الكبيرة والأساسية، فهي شبه غائبة عن البرامج الانتخابية كأننا في بلد مستقل، وكأننا غير مهدّدين لا بعنصرية ولا في تقزيم لغتنا، ولا بمنهجية تحويل قرانا ومدننا إلى مخيمات.

تخلو خطابات المرشحين من الواقع السياسي، وتتحول في معظمها إلى اتهامات متبادلة بين المرشحين وأنصارهم، وفي أحيان كثيرة يجري تدخل بذيء في الحياة الشخصية للأفراد.

في هذا يعود إلى تضخّم دور المجلس البلدي في الحياة الاقتصادية للناس، فهو الذي يمنح، وهو الذي يحرم، وهو الذي يُعدّل خرائط البناء وشق الطرق والمناطق الخضراء بما يخدم مصلحة هذا ويضرّ ذاك، وهو الذي يمنح العطاءات للمقاولين، لكن ليس هذا فقط، فسبب المشكلة الأساسي هو غياب الشفافية والرقابة حول ما يدور في معظم مجالسنا البلدية العربية، الأمر الذي يؤدي إلى شعور بالمرارة لدى جانب كبير من الناس، لعدم إنصافهم سواء من خلال التوظيفات أو مناقصات العمل أو التمييز ضدهم في صياغة خرائط البناء.

أخي المواطن في كل مكان من قرانا ومدننا العربية، لا بد من الترفّع عن الإساءات، والتذكر بأننا سوف نندم على كل كلمة سيئة قد نكتبها في المواقع الإلكترونية وننشرها أو نطلقها في مكان عام.

واجبنا الوطني ومسؤوليتنا تجاه بلداننا أن نتريث قبل الحديث، وبالذات في لحظات الغضب، وليس من الحكمة أن نرد على الاستفزاز باستفزاز، بل من الممكن أن نرد بطرق حضارية، وأن نضع في نصب أعيننا الخروج من الانتخابات بدون خصومات وعداوات، في النهاية كلنا أنساب وجيران وأبناء بلد واحد، ومشاكلنا الحقيقية أكبر بكثير من المجالس المحلية.

نريد الأفضل في إدارة مجالسنا، ولكن يجب أن نفعل هذا بالحكمة والتعقل دون الوصول إلى الصدام.

أنت تحب مرشّحك، كذلك غيرك يحب مرشّحه، ومثلما ترى بمرشحك أنه الأفضل، فغيرك يرى بمرشحه الأفضلية، ولهذا لا تستهتر بهذا أو ذاك، لأن النتيجة قد تكون خصومة طويلة الأمد.

تَذكّر أن بلدانا عربية كثيرة جرت فيها خصومات أدت إلى جراح لم تندمل لسنين طويلة. تذكّر أن المشكلة مهما كبرت وتعقدت، في النهاية سوف نلعق جراحنا ونعود معا للبحث عن حل، ونصطلح لإعادة الحياة إلى طبيعتها، لا تكن محراكا للشر والفتنة، ولا تكن مبادرا للاستفزاز ولا ترد على المستفز باستفزاز مثله، فعدم الرد لا يعني الضعف، بل يدل على الوعي والنضج والترفع عن السخافة والسطحية.

زرْعُ الكراهية والبغضاء سيرتد على الجميع بما في ذلك على من يبثها ولن يسلم أحدٌ من شرها.

تذكروا أن تصرفاتكم اليوم، سوف تنعكس على أبنائكم وعلى مستقبلهم. تذكروا أن هناك سلطة هي أساس البلاء الذي نحن فيه من ضيق في المسطحات وصراع على المناطق الخضراء وعلى النقص في مشاريع الإسكان، وحتى صراعنا على المجلس المحلي سببه انعدام المناطق الصناعية في بلداننا التي تستوعب العمال والموظفين.

تذكروا أننا جزء من شعب يعاني من الاحتلال ولا يمكن فصل القضايا عن بعضها البعض.

تذكروا أن أمننا هو مسؤوليتنا أولا، قبل أن يكون مسؤولية السلطة التي لا يهمها العنف المستشري في مجتمعنا، وعلينا ألا نمنحها جائزة بممارسة العنف ضد بعضنا البعض.

تذكروا أن المتنافسين ليسوا أعداء، بل جميعهم أبناء الجميع، وتذكّروا أن تتقبلوا النتيجة مهما كانت غير مرضية، كذلك أن لا نبطر إذا كنا من الفائزين، كي يمر هذا اليوم على خير.

 

التعليقات