01/11/2018 - 10:57

"بلوكّات" انتخابية..

تحتاج انتخابات المجالس البلدية في الداخل الفلسطيني إلى أكثر من دراسة، حول الإسقاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تسبّبها، فهي مركبة أكثر بكثير من أن نسميها انتخابات بلدية كما يفهم منها في الوسط اليهودي مثلا

تحتاج انتخابات المجالس البلدية في الداخل الفلسطيني إلى أكثر من دراسة، حول الإسقاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تسبّبها، فهي مركبة أكثر بكثير من أن نسميها انتخابات بلدية كما يفهم منها في المجتمع اليهودي مثلا. في البلدات اليهودية تعكس هذه الانتخابات مزاج الشارع السياسي والرؤية الاجتماعية من يمين ويسار ووسط ومُحافظ ومتدين ومتعصب قومي وليبرالي وغيرها، محاسبات على مواقف سياسية وعلى إنجازات، وهذا يجري بلا مبالاة كبيرة، حيث لا تصل نسبة الاقتراع عند اليهود في المدن الكبرى إلى نصف أعداد أصحاب حق الاقتراع، لكنها تصل عندنا أكثر من تسعين في المئة، وتتحول إلى صراع شرس على السلطة، كثيرا ما يصل إلى العنف والاقتتال بين أقرب الناس لبعضهم البعض، وقد يؤدي إلى قطيعة قد تستمر أشهر وسنوات.

في نظرة سريعة إلى قرانا ومدننا، نرى أن الانتخابات باتت تعني الصفقات التي تجري مع ممثلي الكتل العائلية، فهي صاحبة الهيمنة والقرار الحاسم، وهي التي تقرر الرئيس وأكثرية الأعضاء، والذي يفوز هو ذلك الذي نجح بإبرام أكبر عدد من الصفقات مع الكتل "بلوكات".

لا مكان هنا لفكر أو برامج عمل أو نهج إلا بنسبة طفيفة، فـ"البرامج" التي تكتب وتنشر وتوزّع في مظاهرة كبيرة لا تقرأ، وعادة ما تكون البرامج الحقيقية وعدًا لهذا "البلوك" أو لذاك، برئاسة قسم ما في المجلس البلدي، أو في إدارة مدرسة، أو مؤسّسة تابعة، أو وعدًا بمناقصة حول عمل ما تعود على أحد الأشخاص المركزيين في "البلوك" بالربح المادّي.

ما يلفت النظر بالفعل، هو استفحال ظاهرة الوظيفة والمناقصة الموعودة التي ممكن أن تحرّك اتجاه أصوات "البلوك" العائلي بأكلمه أو معظمه من مكان إلى آخر خلال ساعات، فقد تكون وجهة "البلوك" إلى مرشح ما (+) سواء في الرئاسة أو العضوية، وفجأة ينقلب "البلوك" بمائة وثمانين درجة إلى مرشح آخر، وأكثر من هذا، يمكن تقسيمه إلى مجموعات، بيت فلان يصوّت للقائمة الفلانية (-)، وأنتم تصوتون للقائمة (+)، صفقة مقابل صفقة، دون أي علاقة لبرامج عمل أو دعايات انتخابية أو أيديولوجيات، ويتبين أن "البلوك" قد تزحزح وتحالف مع اتجاه آخر عُرضت عليه وظيفة كبيرة مقابل الدعم، ومن هنا جاء مصطلح "الخيانة" في انتخاباتنا المحلية، لأن ما جرى غير المتفق عليه، وهو ما لا نراه ولا نسمعه في الوسط اليهودي لأن كل شيء واضح ومعلن، ولا توجد "خيانات".

القربى والدم تحولت إلى سلعة في سوق الأصوات، هكذا فإن معظم من يدلون بأصواتهم لهذا أو ذاك باتوا يتساءلون: ماذا سنربح أولا كعائلة من هذا المرشح؟ ثم ماذا الذي سيفيدني هذا لأقرب الناس مني؟ ثم ما الذي سأستفيد منه بشكل شخصي؟ حتى أننا بتنا نلمس الخلافات في البيت الواحد، إذ نرى أحدهم قد زعل لأنه لم يحصل على ما وُعِد به منذ جولة سابقة، ولا يهمّه بأن والده أو شقيقه حصل على مراده، فهو يريد حصّته الشخصية.

الناخب لا يأخذ البرامج الانتخابية على محمل الجد، وقلائل هم أولئك الذين يقرأونها ويمحّصون فيها، ولا يتابعها إلا أولئك الذين لهم نوايا انتخابية قادمة.

في هذه الجولة تحالفات بين الجبهة والتجمع في بعض المواقع لدعم مرشح واحد، وفي مواقع أخرى رأيناهم متضادين.

بناء على ما سلف، فإننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى روح الانتماء الجماعي التي تآكلت وضعفت، ليس فقط من خلال أحزاب وحركات ممثلة في الكنيست، فهناك حركات شبابية ونسائية محلّية في كل بلدة ممكن لها أن تسهم وتلعب دورًا إيجابيا، ليس لأجل الأحزاب والحركات، وإنما لأجل إنقاذ مجتمعنا كله الآخذ بالتحلل والتهتك وراء الخلاص الاقتصادي الفردي، الأمر الذي يعني تهميش قضاياه الوطنية وهمومه الجماعية ووضعها جانبا، نحن بحاجة إلى جبهة إنقاذ لمجتمعنا لوقف التدهور إلى الهاوية التي ينحدر إليها بسرعة رهيبة، بسبب شخصنة السياسة والعمل البلدي، وتحوّله إلى يد الانتهازيين والمنتفعين على حساب الصالح العام، والخطر هو في تحوّل كل قضايانا إلى نسخ مشابهة لما يجري في المجالس البلدية، مبنية على الشخصنة، واعتبار المصلحة الفردية المادية فوق كل اعتبار.

اقرأ/ي أيضًا | فضائحنا الوطنية...

التعليقات