20/06/2019 - 17:29

"أنت من باعَ الأرض": وقاحة المُطبّعين في لوم الفلسطينيين

أثار تقرير لقناة العربية السعودية قبل أيام، غضبَ الفلسطينيين، إذ حوّل التقرير الضحية إلى جلّاد وقاتل، والأمر لا يتوقّف عند هذه المحطّة، بل يتعداها إلى كُتّاب وصحفيين ومواقع إخبارية، محسوبة على بلدان خليجية بعينها. فبدل أن يقف الأشقاء العرب إلى

أثار تقرير لقناة العربية السعودية قبل أيام، غضبَ الفلسطينيين، إذ حوّل التقرير الضحية إلى جلّاد وقاتل، والأمر لا يتوقّف عند هذه المحطّة، بل يتعداها إلى كُتّاب وصحفيين ومواقع إخبارية، محسوبة على بلدان خليجية بعينها. فبدل أن يقف الأشقاء العرب إلى جانب الفلسطيني المُهدد ليل نهار، قتلًا وتجويعًا وتشريدًا، من قبل الصهاينة وحلفائهم خلف المحيط الأطلسي، يضيفُ البعض العربي سكّينه، لطعن شقيقه الصامد الصابر.

لم يكن الفلسطيني يومًا جلادًا لشقيقه العربي، ومواقفه تقولُ بأنّه مُحتمل ومُتقبّل ومُقدّر، لتبريرات شقيقه، ومتسامحٌ مع بعض أفعاله، إذ دائمًا ما برّر البعض العربي تخاذله أو تعاونه، مع المحتل الصهيوني والمستعمر الغربي بشكل عام، بأنّه مضطرٌ لفعلها، نتيجة المصالح.

لكنّ العربي، وفي خزيه الباطني من أفعاله، لا يقول بالاضطرار في ظاهر أقواله، بل يقوم بإلقاء تهمة الخيانة على الفلسطيني الضحية، مُتّهمًا إياه ببيع الأرض، وتفويت الفرص، وكأنّ العربي الشقيق، هو الذي يدفعُ الثمنَ عوضَ الفلسطيني، الذي يدفعُ دمًا ودموعًا وتشردًا دائمًا، في سبيل قضيته. تهمة بيع الأرض، تُهمة صهيونية، يتلقّفها عرب الردّة، مع أنها باطلة في جوهرها، وهناك مُغالاة في نشرها، فالفلسطيني وفق الإحصائيات الرسمية، منذ ما قبل عام 1948، باع بعضه أرضًا، ذلك أمرًا مؤكدًا، لكن بنسبة تُعادل 5٪؜ من مجموع ما سُرّب للصهاينة.

ومن فعلَ ذلك، فقد باعها لعربي، والأخير سرّبها للصهاينة، بينما العائلات الّتي باعتْ فعلًا، كانت من المالكين الإقطاعيين من عرب الجوار؛ مسيحيين ومسلمين. وفي الحقيقة، البيع وفق القانون الفلسطيني الانتدابي آنذاك، أو أي قانون محلّي للتملّك في أي بلد أو في القانون الدولي، لا يؤسس لكيان سياسي لمالك الأرض الأجنبي الغريب، إذ لو كان الأمر كذلك، لمُنع التملّك للأجانب في كل دول العالم، ولمّا كان حق التملك ضمن قوانين تشجيع الاستثمار، هذا التدليس الصهيوني انطلى على العرب، وأصبح تملّك أرض، يعنى التنازل عن سيادتها ووطنيتها، وتحويلها إلى مالك ذي سيادة سياسية، لو كان الأمر كذلك، لأصبح وسطُ لندن جزءًا من روسيا الاتحادية، وكذلك لأصبحت قُبرص، وغيرها من البلدان الّتي تمنح الأجنبي الجنسية إذا اشترى أرضًا أو عقارًا.

إذًا، القضية عكسية، الأجنبي الغريب إذا اشترى أرضًا، يُصبح مواطنًا في البلد لا العكس، وإذا عُدنا لقرار التقسيم، فقد قُسمتْ فلسطين، هكذا كان اسمها، لتصبح جُزئين: جزء  منها دولة عربية، والآخر دولة يهودية، وذلك بالعودة إلى قرار 1/181. أمّا إنشاء دولة باسم إسرائيل، لا يهودا أو فلسطين اليهودية، فقد جاء بناءً على الكراهية الّتي كانت تُمثّلها كلمة يهود، فيهود في الوعي الأوروبي، ووقعها السيء على الأذن المسيحية الغربية، كقتلة للمسيح، أو للصفات السيئة الّتي كانوا يوصفون بها، سواء كانت تلك الأوصاف حقيقة أو مُلفّقة.

إسرائيل أو دولة الصهاينة، لم تنشأ لأنّ أحدًا ما -عربيًا أو فلسطينيًا- باعَ أرضًا، بل لأنّ الصهيونية المسيحية، والصهيونية اليهودية، اجتمعتا على هذا الهدف، وهو ضرب وحدة العرب وإرباكهم، ومنع التنمية والازدهار لبلدانهم، من خلال أيديولوجيا غلافها أمني استراتيجي، وباطنها ديني حضاري ثقافي، ومع أنّ هذه بديهيات، إلّا أنّ بعض المتصهينين العرب، وفي تبريرهم لتخاذل حكّامهم، يلقون التّهمة على الفلسطيني؛ كي يبرّئوا أنفسهم، أمام شعوبهم، وأمام مقصلة التّاريخ الّتي لا ترحم.

لم ينتكس الفلسطينيُ يومًا عن العروبة، فهي امتداده ودرعه، وكانت المسيحية والإسلام برمزيتهما؛ الأقصى والقيامة، هما رسالته الإنسانية في التآخي بين الأديان، حيث يُبرزهما في كلِّ مناسبة. لا يستطيعُ بعض العرب المُتخمون بالنفط والغاز والمال، إلّا أن يستجيبوا لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية، فالمحميات القديمة ما زالت بحاجة إلى حماية، رغم السلاح المُكدّس بمئات المليارات، وطلبات الحماية، وتحالفات عبر الحدود. ما زالت سمة تنطبقُ على الكبير والصغير؛ أي على السعودية مثلما هي البحرين، بينما يستطيع الفلسطيني الرفض، وهذه ليست جديدة عليه، فتبقى صرخة غسان كنفاني أحد أهم رموز الثقافة الفلسطينية "ثوروا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة"، حيةً بتردد صداها عبر الزمان والمكان.

رفضُ الفلسطيني للخنوع، واحدة من سماته، تتكرر مرات ومرات، في محطاتٍ شتى من عمر القضية والمأساة الفلسطينية، والرفض ليس عادة أو طبيعة أو تضييع فرص، كما يحلو للبعض العربي المتخاذل وصفه، بل إن الفطرة السليمة تقول: "قد يغصبونك بالقوة على أمر فيه ضيم، لكن طالما لديك إرادة وعزيمة واستعداد للمقاومة، قاوم".

أسهل أدوات الفلسطيني لرد الظلم هي رفضه، يصرُّ بعض العرب القول، إنهم يذهبون إلى مؤتمرات التطبيع والإذعان؛ لمساعدة الشعب الفلسطيني، وهم يعلمون يقينًا أنّ ذلك كذبٌ، فهم يذهبون لأنهم لا يقوون مقاومة الولايات المتحدة، يعلمون أنّ كرسي الحكم، باتَ أهم من المُقدّس، ومن الشرف، والانتماء والأمن القومي، لذلك جاءت الصرخة الفلسطينية للذاهبين إلى ورشة المنامة التّطبيعية، على لسان صائب عريقات: "قولوا أنكم لا تستطيعون مواجهة الضغوط الأمريكية، لكن لا تقولوا أنكم تذهبون من أجل فلسطين وشعبها"، قولوا الحقيقة ولا تتلحفوا بالقضية، قولوا إنّ الفلسطيني العاري من أي سلاح، إلّا انتمائه لأرض وطنه، أشجع منكم جميعًا، وأقدر على المقاومة، رغم ما لديكم من مال وسلاح، قولوا أو اصمتوا، فالصمت عند الحاجة موقف. اصمتوا بذلك، لكن لا تشحذوا سيوفكم، وتضعوها على رقبة الفلسطيني خدمةً للصهيوني الغاصب، أمريكيًا كان أو إسرائيليًا، فهذه درجة ترتقي إلى الخيانة العُظمى، تخاذلوا واستتروا، لكن لا تهاجموا الفلسطيني، الذي مازال منذ 71 عامًا، يُدافع عن أسواركم ومقدساتكم، رغم طعناتكم المتكررة له في الظهر.

الصفقة في الأساس، محورها ليس فلسطينيًّا-صهيونيًّا، بل خليجيًّا-صهيونيًّا.. فلسطين والمبادرة العربية الخاصة بالسلام، كانتا العائق، للتطبيع الرسمي، ومنذ ترامب قُلبت البنود، بل تمّ قلب عباراتها حتّى، وما مؤتمر البحرين، إلّا البداية الرسمية لتجاوزهما، لذلك "ترويكا ترامب"، غير معنية بالحضور الفلسطيني من عدمه إن لم يحصل، المهم أموال الخليج، وقبول كيان الصهاينة كدولة طبيعية في المنطقة. سينضمُ لهذا التطبيع، آخرون من العرب والمسلمين، هل ستنتهي هنا القضية؟ بالطبع لا، ما يحصل الآن، إزالة غشاوة الوهم، عن أنّ هناك تسوية ممكنة مع كيان غاصب، أهدافه دينية استراتيجية وأمنية.

التعليقات