26/09/2019 - 10:02

موقف "القائمة المشتركة" من غانتس غير مبدئي

كتب رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي، أيمن عودة، مقالا نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أعلن فيه تأييده لتولّي بني غانتس رئاسة الوزراء الإسرائيلية.

موقف

أيمن عودة (أ ف ب)

كتب رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي، أيمن عودة، مقالا نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أعلن فيه تأييده لتولّي بني غانتس رئاسة الوزراء الإسرائيلية. وقد جاء هذا التأييد العجيب بالرغم من إقرار عودة نفسه بأن "السيد غانتس رفض الالتزام بمطالبنا السياسية المشروعة من أجل مستقبل مشترك". هذا وتشمل مطالب القائمة المشتركة الحدّ من العنف والجريمة والتمييز والإقصاء والفقر التي يعاني منها المجتمع العربي في أراضي 1948، إضافة إلى إلغاء "قانون القومية" الذي يشكّل سدًّا منيعا أمام تقرير مصير الفلسطينيين ويمهّد للضمّ القانوني لقسم من الضفة الغربية المحتلة.

فعلى الرغم من أن غانتس لم يقدّم شيئًا للناخبين العرب، وأن حزبه "كاحول لافان" يمثل المجمّع الأمني/​​ العسكري الصهيوني، يبدو أن عودة لا يزال يأمل خيرًا منه إذ كتب في مقاله: "باختيار التوصية بالسيد غانتس، أثبتنا أن التعاون بين الناس، عرباً ويهوداً، هو الإستراتيجية السياسية المبدئية الوحيدة التي ستؤدّي إلى مستقبل أفضل لنا جميعًا".

ما تخفيه لغة أيمن عودة "الوجدانية" هو أن خطوته أكثر ما يمكن أن تحقّقه هو أن تحول دون تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة قبل منافسه، لو حاز هذا الأخير على عدد أكبر من النوّاب الداعمين لتكليفه. غير أنه لو جرى تكليف نتنياهو لفشل حتماً في تشكيل حكومة خلال المهلة المحدّدة وهي 42 يومًا، لا سيما أنه فاز هذه المرّة بعدد من المقاعد هو أقلّ مما حصل عليه في الانتخابات السابقة التي عجز على إثرها في تشكيل حكومة تحظى بتأييد أكثرية في الكنيست. فلو نجحت خطوة عودة، لوفّرت على مؤسسة الحكم الصهيونية إطالة أزمتها ولسمحت بتكليف غانتس تشكيل الحكومة المقبلة بدون الانتظار 42 يوماً. هذا كل ما في الأمر. فهل يستحق مثل هذا الإنجاز السياسي العظيم تجنيد "شعر محمود درويش وقصص أجدادنا" التي استشهد بها عودة في نهاية مقاله؟

إن موقف عودة قد يُفرح الصهاينة الليبراليين في أسرة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذين يريدون التخلّص من نتنياهو بغية تجميل صورة إسرائيل في الخارج. لكنّه موقف غير مبدئي ومخالف للكرامة الفلسطينية في تأييده لقائد سابق للجيش الإسرائيلي أشرف على ارتكاب جرائم حرب في الأراضي المحتلة ودعا إلى ضمّها بفرض السيادة اليهودية الدائمة عليها.

التذرّع بحاجة الفلسطينيين في إسرائيل إلى وضع مطالبهم الوطنية المشروعة جانباً من أجل معالجة مشاكلهم الاجتماعية المحلّية، هو خلطٌ للأوراق السياسية

إن منظور عودة منظور برلماني ضيّق الأفق وخطابه عن المسؤولية السياسية يعكس انتهازية الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي طالما قلّل من أهمّية الصراع الوطني الحيوي بين الشعب الفلسطيني والاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وذلك باسم وعود سلام زائفة على غرار اتفاقية أوسلو، متناسياً أن الأخوّة بين الشعوب لا تتحقّق إلّا عندما تتوفّر بينها المساواة في الحقوق.

ولا يختلف خطاب أيمن عودة الحالي المناهض لنتنياهو عن خطاب الحزب الشيوعي المناهض لبن غوريون في الخمسينيات، عندما كان يختزل المشكلة بشخص بن غوريون، وليس بالصهيونية جوهرياً، ويعتبر أنه لا بدّ من طرد هذا الأخير من الحكم من أجل تعزيز الديمقراطية الإسرائيلية. وقد فشلت تلك السياسة فشلاً ذريعاً ولم تفلح في وقف التوسّع الاستعماري الصهيوني أو في منعه من شنّ المزيد من الحروب. وكذلك فإن إبعاد نتنياهو عن السلطة لن يوقف العدوانية الصهيونية ولا ممارساتها العنصرية إزاء الفلسطينيين.

ليس القصد هنا نبذ فكرة المشاركة في الانتخابات الإسرائيليّة من حيث المبدأ. فإن استخدام الكنيست الإسرائيلي كمنصّة للتنديد بالدولة الصهيونية والدفاع عن حقوق ومصالح الفلسطينيين أمرٌ مشروع. أما استخدام الكنيست للتماهي مع الأحزاب الصهيونية والتذيّل لها وتدمير الهوية الفلسطينية السياسية المستقلة، فهذا غير مشروع. ويعلم أيمن عودة بالتأكيد أن غانتس مجرم حرب، وأن حزب "كاحول لافان" يعجّ بالصهاينة المتطرّفين. لماذا إذاً آثر عدم الإصغاء لشركائه الوطنيين في القائمة الموحّدة، أعضاء "التجمع الوطني الديمقراطي" الذين عارضوا تأييد غانتس، وأدار ظهره لغالبية الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، ناهيكم عن فلسطينيي الشتات، من خلال تأييده للقائد السابق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي الذي افتخر خلال حملته الانتخابية في شهر نيسان/ أبريل الماضي بما أنجزه في "قتل الإرهابيين" في غزّة؟

أما التذرّع بحاجة الفلسطينيين في إسرائيل إلى وضع مطالبهم الوطنية المشروعة جانباً من أجل معالجة مشاكلهم الاجتماعية المحلّية، فهو خلطٌ للأوراق السياسية. والحال أن غانتس لم يشكر عودة على تأييده، ولن يقبل تولّي رئاسة الوزراء بالاستناد إلى أصوات فلسطينية في الكنيست، حتى ولو كانت أصوات نوّاب أمثال أيمن عودة. ويعلم الجميع أن أفيغدور ليبرمان، لا أيمن عودة، هو الذي سوف يقرّر مصير هذه الجولة من اللعبة السياسية الإسرائيلية، وأن المدّعي العام هو الذي سوف يقرّر ما إذا كان ينبغي السير قدماً في محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد، وبالتالي إنهاء حياته السياسية. وقد كان أجدر بالقائمة المشتركة أن تحصّن جمهور ناخبيها ضد التكتيكات اليائسة، وأن تهتم بتنظيم الصمود والنضال دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين.

*كاتب وأكاديمي من فلسطين

(نُشر أيضا في القدس العربي)

 

التعليقات