17/12/2020 - 20:11

هناك من يريد إسقاط القضية الوطنية من أجندتنا السياسية

لا ينقسم مجتمعنا إلى يمين ويسار يلتحقا بنظيريهما في المجتمع الإسرائيلي، بل ما زال ينقسم في الانتخابات بين من هو مع الأحزاب الوطنية ومن هو مع الأحزاب الصهيونية

هناك من يريد إسقاط القضية الوطنية من أجندتنا السياسية

لا نمتلك ترف التنازع، ويبدو أن النقاش الدائر بين أطراف القائمة المشتركة و"يلهب" منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد ذي صلة بالواقع الانتخابي المتشكل في الساحة الإسرائيلية، في ظل اضمحلال معسكر اليسار - الوسط الذي قاده بيني غانتس وأوصت عليه المشتركة في الانتخابات الماضية، وانتقال الريادة على منافسة بنيامين نتنياهو إلى زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت و/أو عضو الكنيست المنشق عن الليكود غدعون ساعر.

وإذا لم نرد الأخذ برأي "اليساري" إيتان كابل، وهو وزير وعضو كنيست سابق من حزب العمل، الذي يقول إن نتنياهو يصبح "جبهة" إذا ما قورن ببينيت، ويصبح "تجمع" إذا ما قورن بساعر، وإن "الاثنين، بعكس نتنياهو، يعتنقان أيديولوجية يمينية صلبة تفضي إلى الضم والأبرتهايد"، يمكننا الأخذ برأي يسرائيل هرئيل، أحد رموز اليمين الاستيطاني، الذي يقول إنه لأول مرة منذ زمن بعيد يصبح تغيير الرجل المتنكر بلباس اليمين، نتنياهو، برجل يمين حقيقي مثل بينيت أو ساعر إمكانية واقعية.

وتشير التقديرات إلى أن اليمين سيحصل في الكنيست المقبلة على أكثر من 80 نائبًا، وأن نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة من دون دعم من ساعر أو بينيت، وأن بإمكانهما معًا تشكيل حكومة برئاسة أحدهما واستبدال نتنياهو، وبذلك يجري تحقيق "نبوءة" أن اليمين فقط هو القادر، كما يقول هرئيل، حتى عندما يتعلق الأمر بإسقاط نتنياهو.

في غضون ذلك، يقف "اليسار" الذي تحول منذ زمن إلى "كلمة سيئة"، وصار في السنتين الأخيرتين بمساعدة لبيد يسار- وسط، في ظل تآكله هو الآخر منزويًا خجلا وصاغرًا مع 18 نائباً في يوم جيد و16 في يوم عادي، مثلما يقول كابل، لأنهم لم يحتسبوا العرب معهم حتى عندما لاحت لهم الفرصة، معسكر صغير ومهزوم حتى قبل أن تبدأ المعركة.

والحال كذلك، لا نعرف إذا كان تمسك القائمة المشتركة بالشعار الخاطئ المتعلق بإسقاط نتنياهو بأي ثمن، سيفضي هذه المرة إلى التوصية على ساعر أو حتى بينيت، وربما سيقود أحدهما أو كليهما لحكومة نتنياهو السادسة، خصوصًا وأن استمرار السجال الدائر مع منصور عباس، يشي بأن الأحزاب العربية ما زالت تعيش في حلم "الكتلة المانعة" من تسعينيات القرن الماضي.

يجب التمييز بين المرغوب والموجود والتعامل مع الواقع المتغير، مع إدراكنا أن الواقع الإسرائيلي يتغير للأسوأ، وإذا كانت انتخابات التسعينيات دارت بين يمين ويسار صهيوني، والانتخابات الأخيرة دارت بين يسار- وسط ويمين صهيوني، فإن الانتخابات المقبلة ستدور على ما يبدو بين يمين صهيوني ويمين صهيوني.

وكان علينا إدراك أن انشغال السياسة الإسرائيلية بمسألة فساد نتنياهو ونظافة اليد وما يسمى المؤسسات الديمقراطية للدولة، إنما هي أجندة جاءت لتحل محل الأجندة السياسية المتعلقة بالاحتلال والاستيطان والانسحاب والدولة الفلسطينية، وأنه حيثما غابت هذه الأجندة عن ميدان الانتخابات، أصبح لا فوارق جوهرية بين الفرقاء المتنازعين فيها، والتي تلتقي حول إجماع سياسي صهيوني واحد.

وحين نقول إن "إصلاح" مؤسسات دولة إسرائيل والحفاظ على ديمقراطيتها الإثنية وقضائها الذي يشرعن الاحتلال والاستيطان، وعلى نظافة الحكم فيها، ليس من مسؤوليتنا، نعني أن أولويتنا الوطنية تنصب في مسألة كنس الاحتلال واقتلاع الاستيطان والعودة والدولة الفلسطينية، وتحصيل حقوقنا الوطنية والمدنية، وأن المفاضلة بين حزب صهيوني وآخر أو قائد إسرائيلي وآخر محكومة بموقفه من هذه القضايا وليس بفساده أو نظافته، ولو كان الأمر كذلك لاخترنا بينيت.

كما أن إسقاط هذه القضايا من أجندة الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة لا يعني تحييدها عن أجندة أحزابنا، كما يحاول البعض، إن كان من خلال تغليف القضايا الديمقراطية ونظافة الحكم بأغلفة سياسية وطنية، أو من خلال تغليب القضايا المدنية بدعوى أنها حارقة ومصيرية، والتقليل من أهمية القضايا الوطنية عبر وصف الانشغال بالقضية الفلسطينية بأنه "شعارات" و"جعجعات سياسية".

قضيتنا الوطنية هي ما يوحدنا، وهي التي تحتل صدارة أعمالنا وأجندتنا السياسية، وهي ما زالت قادرة على إزاحة الكثير من القضايا الاجتماعية والمدنية الأخرى إلى الزاوية، لأننا لا نمتلك الترف الذي يمتلكه المجتمع الإسرائيلي في التنازع على قضايا مثل قضية المثليين، التي طفت على السطح مؤخرًا وسعى البعض الى استثمارها لتعميق الفرقة.

لا ينقسم مجتمعنا إلى يمين ويسار يلتحقا بنظيريهما في المجتمع الإسرائيلي، بل ما زال ينقسم في الانتخابات بين من هو مع الأحزاب الوطنية ومن هو مع الأحزاب الصهيونية، وتآكل هذا المعسكر الأخير يجعلنا موحدين سياسيًا حول قضايانا الوطنية، ولن تنجح محاولات إحلال القضايا الاجتماعية الخلافية عنوةً محل القضايا الوطنية الموحدة، حتى لو أراد طرفا الخلاف في المشتركة ذلك، وكل لمصلحته، لأنه حتى لو كانت المشتركة ليست "آخر الدنيا" بل هي مجرد قائمة انتخابية، فإن الحديث في هذا السياق يدور عن قواسم مشتركة يقوم عليها بنياننا الوطني.

التعليقات