06/07/2021 - 11:52

منصور عباس وتجارة العبيد

كشف التصويت على تمديد قانون منع لم الشمل، لكل من كان واهما، أن منطق المساومة والتجارة في السياسة يؤدي، كما هو متوقع، إلى الحضيض.

منصور عباس وتجارة العبيد

من مؤتمر صحافي لعباس، حديثا (تصوير: فادي مصطفى)

كشف التصويت على تمديد قانون منع لم الشمل، اليوم الثلاثاء، لكل من كان واهمًا، أن منطق المساومة والتجارة في السياسة يؤدي، كما هو متوقع، إلى الحضيض. لقد صوّت النائبان منصور عباس ووليد طه إلى جانب القانون في حين امتنع نائبا القائمة العربية الموحدة الآخران عن التصويت. أما النواب العرب الثلاثة في الأحزاب الصهيونية، "العمل" و"ميرتس" (عيساوي فريج وغيداء ريناوي وابتسام مراعنة)، فقد صوتوا أيضًا مع العنصرية وانعدام الإنسانية. هذه وصمة عار على جبين كل هؤلاء النواب ودليل ساطع على الانتهازية بالسياسة وانعدام المبادئ والأخلاق.

لا حاجة للتذكير بأن هذا القانون هو عنصري بامتياز وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية واللجان التابعة للأمم المتحدة. ذلك أن هذا القانون يمنع المواطنين الفلسطينيين من الحياة مع شركاء حياتهم في وطنهم، وبذلك يتفوق النظام العنصري الإسرائيلي على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في شراسته؛ ذلك أن المحاكم في النظام الجنوب الأفريقي قامت بحماية حق السود في حياة عائلية لتمنع تشتت العائلة السوداء. أما محكمة الأبرتهايد الإسرائيلية العليا فقد صادقت على القانون مرتين، رغم الاعتراف أن الدوافع المركزية خلف سنّه هي ديمغرافية لا أمنية. ونظرًا لمعرفة المُشرّع الإسرائيلي بإشكالية القانون، فقد تمت صياغته على أنه مؤقت ويتطلب التجديد كل فترة، ولكن المؤقت أصبح دائمًا ومنذ عشرين عاما تقريبًا. لا حاجة للتذكير بكل ذلك لأن هؤلاء النواب العرب (ولا أقول الفلسطينيين) صوّتوا مع القانون رغم معرفتهم ذلك كله.

لا تنبع أهمية القانون فقط من مرارة نتائجه على العائلات التي يهدد أو يمنع استمراريتها، وليس فقط بسبب كونه يميّز بين المواطن العربي واليهودي (ذلك أن اليهودي يستطيع لمّ الشمل عن طريق قانون العودة من دون الحاجة لمسار قانون المواطنة)؛ تنبع أهمية القانون أيضًا لأنه ينسف نظرية منصور عباس البائسة التي باعها لجمهور عريض عندنا بالفصل بين القومي والمطلبي للتركيز على المطلبي. فهذا التوجه يقوم على النظر على النظام الإسرائيلي كأنه وحدتان منفصلتان في داخل وخارج حدود 1967، لكن قانون منع لم الشمل هو ليس قانونًا يؤثر على الخارج، بل هو يؤثر على حقوقنا نحن كمواطنين ويُبرز التطرف الذي وصل إليه الإجماع الصهيوني، من أقصى اليمين وحتى ميرتس، في هضم حقوقنا الأساسية (الحق في عائلة وحياة كريمة).

"إذا كان التيار المحافظ الحريص على قيم العائلة يصّوت مع تفكيك العائلة، فعلى ماذا يحافظ التيار المحافظ؟"

إذا كانت القائمة العربية الموحدة ضد "الشعارات"، كما قالت بدعايتها الانتخابية، فإنّ الحق في الحياة الكريمة مع شريك/ة الحياة هو ليس شعارًا بل حقيقة يومية تمسّ بآلاف العائلات. هل هذا مطلب يقل أهمية عن بعض الميزانيات للسلطات المحلية والشرطة؟ وإذا كانت القائمة الموحدة قد نجحت بخداع بعض الناس عن طريق التركيز على الأمور الاجتماعية والتحريض على المُختلف لكي تخفي نهجها السياسي البائس، فإن قانون لمّ الشمل هو قضية اجتماعية وسياسية بامتياز، لا انفصام بينهما.

القول إننا "لا نريد شعارات بل نريد التأثير" هو تجسيد لمنطق التجارة في السياسة، وذلك لأنّ التأثير ليس فكرًا ولا نهجًا سياسيًا بحدّ ذاته، والتأثير من دون شعارات سياسية توجهه هو انتهازية محضة. كما أن المطالبة بالمساواة ليست مجرد "شعار"، فهي تؤثر على كل جوانب حياة المواطن من السكن إلى الأرض إلى التعليم إلى التعيينات إلى الميزانيات إلى الزواج. لا يستطيع هذا التيار إنكار الواقع، الآن، بعدما ازدادت المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والعالمية مثل "بتسيلم" و"هيومان رايتس واتش"، التي تقول بأننا نحن المواطنين نعيش تحت نظام أبرتهايد. وإذا كانوا يريدون أن يدفنوا رؤوسهم بالرمل ويستمروا بالتصرف كأن الأبرتهايد غير موجود، فإن هذا لا يدل على حكمة ولا براغماتية ولا رغبة بالتأثير الحقيقي، بل خضوع للدونية وخنوع للظلم واستسلام للواقع الاستعماري. ومن الوهم الاعتقاد أن بالإمكان تحقيق "إنجازات" حقيقية تحت مثل هذا النظام، ولذا يضطر هذا التيار إلى تلميع فتات الفتات لكي يبدو إنجازًا. ومن السخرية أنهم قد طالبوا بزيادة أعداد الشرطة الاستعمارية في مدننا وقرانا، الشرطة نفسها التي اقتحمت الأقصى وتُجلي سكان القدس الشرقية من سلوان والشيخ جرّاح من بيوتهم، وترافق عمليات هدم بيوتنا في النقب وغيرها، وتعامل المواطن الفلسطيني كعدو. وتعبيرًا عن تذويت الدونية عند المستعمَر، يصرّح النائب عباس على التلفزيون الإسرائيلي بأن مشكلة العنف في المدن العربية هي مشكلة "ثقافية وحضارية"، في الوقت الذي تتهم فيه الشرطة نفسها المخابرات (الشاباك) بحماية المجرمين الكبار لأنهم متعاونون وبالتالي منع الشرطة من لجم العنف. إن استمرار نهج هذا التيار الذي يقوده عباس بوضع أيديهم في أيدي الإجماع الصهيوني هو موافقة على أن يلعبوا دور ورقة التوت التي تغطي عورة هذا النظام العنصري.

ما هو منطق منصور عباس بالتصويت مع قانون تفكيك العائلات الفلسطينية؟ ففي الوقت الذي تزداد فيه إمكانية ملاحقة جنرالات مثل بيني غانتس على وجه التحديد من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بسبب اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رأينا في العامين الأخيرين أن قيادات القائمة المشتركة قامت بتبرير التوصية على غانتس. وفي الوقت الذي يزداد فيه وضوح الأبرتهايد واستشراسه، نرى أن تيارًا سياسيًا كاملًا يسعى إلى الاندماج من أجل الفتات تحت نظام أبرتهايد. وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير "بتسيلم" و"هيومان رايتس واتش" إلى وحدة النظام الإسرائيلي، يقوم تيار سياسي عندنا بإدارة ظهره لوحدة مصير الشعب الفلسطيني والتركيز على إنجازات محلية وهمية، ونشر الفتنة باسم التيار المحافظ على القيم. وفي الوقت الذي توضح فيه هذه التقارير لمن كان واهمًا وجود سقف بنيوي يميّز ضد المواطن الفلسطيني، ينهج هذا التيار نهجًا سياسيًا يتغاضى عن وجود هذا السقف، بل ويقبله ضمنيًا بإعراضه عن تحديه أو حتى عن تسميته.

ومما يزيد خطورة تجاهل السقف أن هذا التيار لا يقف على أرضية أيضًا لتمنع استمرار السقوط. لقد برّر منصور عباس التحالف مع اليمين ونتنياهو، ثم الدخول في تحالف لتشكيل حكومة يقودها أقطاب اليمين الذين يزايدون على نتنياهو من اليمين (نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان وغدعون ساعر، إضافة إلى استمرار غانتس وزير دفاع نتنياهو في منصبه في الحكومة الجديدة). وهذا التحالف يقود منصور عباس ورفاقه إلى المضي في غيّهم وضلالهم إلى أبعد الحدود، مثل التصويت أو الامتناع عن التصويت عن قانون جائر مثل هذا للحفاظ على الحكومة. صعوبة هذا الطريق واضحة في عدم قدرة النائب سعيد الخرومي على دعم الحكومة عند تشكيلها لعدم قدرة عباس، رغم شطارته وكونه "لسان الميزان" - "بيضة القبان" (كما يحلو له القول)، على إلغاء قانون الهدم الذي يهدم بيوت العرب ويهدد قرى كاملة بالنقب. ولم يستطع مازن غنايم وسعيد الخرومي التصويت على قانون منع لمّ الشمل. فإذا كانت شطارة عباس لا تمنع تدمير العائلات العربية وهدم بيوتها، فما فائدة الوعود الغامضة بملايين الشواقل على مدى عشر سنوات في حين أن الحكومة آيلة للسقوط في أي لحظة بسبب هشاشة ائتلافها؟ وإذا كان التيار المحافظ الحريص على قيم العائلة يصّوت مع تفكيك العائلة، فعلى ماذا يحافظ التيار المحافظ؟

مع توغل عباس وتياره في هذا النهج الخطير، الذي يجمع بين الرجعية الاجتماعية والانتهازية السياسية، علينا أن نسأل: هل هناك قاع للحضيض؟ هل هناك خط أحمر أو مبدأ يمكن أن يقف عنده منصور عباس؟ فمن سخرية القدر أن عباس أعلن عن نفسه كمن ابتدع نهجًا جديدًا في السياسة العربية في الداخل، وكمن اكتشف قوانين اللعبة السياسية كما لم يفعل من قبله أحد، ولكن حقيقة الأمر أن هذه العنجهية تخفي حقيقة أن ممارساته قديمة ومجرّبة ثبت فشلها منذ زمن طويل، وذلك لأنها لا تختلف عن ممارسات النواب العرب والمخاتير العرب في فترة الحكم العسكري في المساومة على تصريح للخروج من البلد تحت البسطار العسكري. إن تكرار منصور عباس في الأشهر الأخيرة على أنه مستعد للتفاوض مع اليسار واليمين الصهيوني (بل ويفضّل اليمين) بمثابة شعار "قابل للبيع"، والسؤال المتبقي هو ما الثمن. إن استمرار المساومات والمناورات حتى عندما يتعلق الأمر بقانون عنصري جائر مثل منع لمّ الشمل، يدل على أن منصور عباس سيبقى يساوم مهما ساءت أوضاعنا ومهما زادت شراسة العنصرية والاستعمار الإسرائيليين، ومهما بخس الثمن؛ ذلك أن النائبين عباس وطه صوّتا مع القانون رغم انعدام أي تغيير بالنص ومقابل وعود بالمصادقة على لم شمل 1600 عائلة من بين 45 ألف عائلة (أي 3 ونصف في المئة). وقد يقول أتباع عباس إن القانون كان سيحوز على الأغلبية في كل حال فلماذا لا نحصل على بعض الإنجازات لصالح 1600 عائلة؟ لكن هذا كلام مضلل. لا يوجد إنجاز هنا ليس فقط لأننا نتحدث عن 3 ونصف في المئة من العائلات فقط، ولكن لأن هذه الوعود لا تختلف كثيرًا عن الوضع القائم (لأن هناك لجنة للاستثناءات "الإنسانية" في هذا القانون اللاإنساني). كما أننا رأينا أن القانون لم يحصل على أغلبية بسبب مناورات معسكر نتنياهو وسقط مؤقتًا.

لذا سقط عباس وطه والقائمة الموحدة سقوطًا أخلاقيًا مدويًا دون أي مقابل، ويتحملون المسؤولية الأخلاقية الناجمة عن التصويت مع العنصرية والفصل العنصري والفوقية اليهودية. وإذا كانت في التاريخ عبر ومواعظ، فإن نهج عباس يبدو مشابهًا لتجار العبيد تحت أنظمة العبودية. لم تنته ظاهرة تجارة العبيد إلا بعد القضاء على ظاهرة العبودية.

التعليقات