09/01/2022 - 18:24

عام من الضلال السياسيّ...

إن قول البعض، خصوصا بعض داعمي القائمة الموحدة: "شو خسرانين منجرّب"، فيه قصور سياسي، وتخلٍ عن ثوابت وطنية، وتفريط بحقوقنا السياسية لصالح الاستحقاقات المطلبية - المعيشية، ووهم خطاب "التأثير" غير الممكن في ظل صهيونية الدولة ويهوديتها

عام من الضلال السياسيّ...

عباس وبينيت (إعلام الكنيست)

في آخر أيام العام الماضي، أطلّ عضو الكنيست والنائب عن القائمة الموحدة (الإسلامية الجنوبية) المُمثلة في الإئتلاف الحكومي، مازن غنايم، معتذرا عن تصويته مع قانون "تمويل ودعم مركز إحياء تراث بن غوريون"، مبررا اعتذاره بأنه لم يكن يعلم بشأن ماذا كان يجري التصويت! فيما صوّت باقي نواب القائمة الموحدة مع علمهم بشأن ماذا صوتوا.

لم يكن هذا التصويت الأول الذي يدعم فيه أعضاء عرب -وبنسخة إسلامية هذه المرة- (الموحدة)، قوانين تمكّن من صهيونية الدولة ويهودية مؤسساتها، وبالأخص، تلك القوانين التي تجذّر القبضة الأمنية الإسرائيلية على المجتمع العربي في الداخل، مثل سنّ قانون يُتيح لجيش الاحتلال وقوى الأمن الداخلية باقتحام البيوت العربية، ومنح قوى الأمن المُقتحِمة، صلاحية تفتيش البيوت دون أمر من المحكمة، وذلك في سياق ما تدّعيه الحكومة بمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي.

كما دعمت الموحدة، عقب حادثة فرار أسرى سجن الجلبوع، بالتصويت مع قانونين متعلقين بمصلحة السجون، والتضييق على الأسرى وحقوقهم فيها، وتعزيز مصلحة السجون بجنود من الجيش الإسرائيلي، بموجب قانون خدمات الأمن.

كما لم تتوانَ الموحدة كذلك في التعطيل بالوقوف ضد قوانين حاول تمريرها النوّاب العرب في القائمة المشتركة، منها ما كان يصبّ في صالح تطوير البُنية الخدماتية للمجتمع العربي، مثل إقامة مستشفى حكومي في منطقة سخنين، الذي عارضته الموحدة وعطّله باقي أعضاء الحكومة. وقبله قانون تعويض أصحاب القطاع الخاص المتضريين من تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد، الذي حاول النوّاب العرب تمريره وتم إفشاله، وغيرها من مواقف بدت مستهجَنة غير مألوفة لبعض أبناء المجتمع العربي، من تيار عربي أصيل فيه، بات ممثلا لسياسات الحكومة كسلطة تنفيذية صانعة للسياسات الصهيونية وليس منفذة لها فقط.

لم تخلُ منصة الكنيست طوال العام الماضي من مشاهد المشّادات العربية - العربية إلى حدّ تعريب هذه المنصة، بعد أن صار للحكومة ممثلون عربا، يناكفون ويناكفهم النوّاب العرب (المعارضة)، في مواقف ظلّت دعوة ومدعاة للسخرية والتندّر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ على مدار العام.

على ذلك، لا بُدّ من قولٍ مفاده أنه لا يجب التغطية على وجود القائمة الموحدة في الحكومة، وأدائها في صهْينة السياسة، من خلال شتم الكنيست ووجودنا فيه عموما، خصوصا لدى بعض الذين دعموا الموحدة في الانتخابات الأخيرة، نكاية ببعض قوى القائمة المشتركة، ثمّ تفاجأوا من فجاجة منصور عباس وسياسة خلع البنطال التي بات يمثلها، وبالتالي بات الأسهل بالنسبة لهؤلاء بدلَ الاعتذار ومراجعة الذات، هو السب بالجملة على النوّاب العرب على مختلف أحزابهم وعلى وجودهم تحت قبة البرلمان، عِوضا عن تسمية "الولد باسمه"، وفي ذلك إما قصور أو تغريض، يعفي في كلا الحالين الموحدة (الإسلامية الجنوبية) ويموّه على أدائها المفضوح وغير المسبوق في العقود الأخيرة عند أي تيار لدى مجتمع عرب الداخل في صهينة السياسي.

هنالك فرق واضح كل الوضوح، بين نقد تجربة المشاركة السياسية في الكنيست، ودور هذه المشاركة في السنوات الأخيرة في بتر السياسي، وحصره تحت قبة البرلمان بشروط دولة إسرائيل، ثم خنق أي ممكنات سياسية لدى عرب الداخل خارج دائرة هذه القُبة، وبين زجر العمل البرلماني وشتم الكنيست للتغطية على تيار عربي - إسلامي مُمثل في حكومة دولة إسرائيل، وفي ائتلاف حكومي لا يقل صهيونيةً عن أي حكومة صهيونية سابقة.

إن وجود نوّاب في الكنيست يمثلون المجتمع العربي أمام حكّام الدولة العبرية، وتحديدا تمثيل لقضاياهم المطلبية واليومية؛ مشروط ببرنامج نضالي - سياسي، حاجة لا يمكن التغاضي عنها. ولكن الخطاب الذي ضجّ في السنوات الأخيرة بشعارات "دخول اللعبة"، و"بيضة القبّان"، و"التأثير"، قد ذهب بنا وفي شكل السياسي لدينا، إلى حيث يقف اليوم منصور عباس وموحّدته. وعلينا أن نُذكّر ونتذكر، أن لا شكل لتغيير نتنياهو والتخلص منه سوى الشكل الذي نحن عليه اليوم!

إن ما جرى في العام المنصرم تحت قبة الكنيست ومن على منصته، صحيح أنه حصيلة ما راكمته القوى السياسية العربية المشاركة في الكنيست على مدار سنوات. غير أن تحولات على مستوى الخطاب والممارسة، قد طرأت على قاموس مجتمع الداخل السياسي خلال العام الماضي، بما لم نسمعه أو نشهده من قبل، لناحية أسْرَلة الخطاب السياسي، فالذي قاله عباس وصوّت ورفاقه عليه، على مدار عام 2021، بالكاد كان يجرؤ على قوله أو أن يصوّت عليه، أي نائب عربي خدم في جيش "الدفاع" مُمَثل في حزب صهيوني على مدار عقود مضت.

عرب الحكومة يؤسرلون معارضيهم

قبل أيام في مناكفة من سلسلة مناكفات عرب حكومة إسرائيل مع معارضتها على منصة الكنيست، وهذه المرة كانت النائب عن القائمة المشتركة، عايدة توما - سليمان من تنطعت لمنصور الذي ناكفها متهكما بتعبير من العامية الفلسطينية: "مالكوا مثل القابرين" في إشارة إلى "غيظ" نوّاب المشتركة من خصومهم في القائمة الموحدة، فكان من جملة ما ردت عليه النائب توما - سليمان قولها له: "لولا نضالنا سبعين عاما، ما كان لك أن تكون هنا"!

تعتبر توما أن وجودنا في الكنيست هو امتياز ناجز عن نضال، فيما يُفترض أن يكون وجود العرب فيه أداة من أدوات نضالهم المدني، لا امتيازا، وهذا ما يبين لنا أن وجود عرب في الحكومة يخلق عربا معارضين للحكومة أكثر مما هم معارضون للمنظومة ذاتها، مما يجعل معظم مركباتنا الحزبية العربية في الكنيست تقف في دائرة الأسرلة.

إن وجود عرب ممثلين عن المجتمع العربي في الكنيست ضمن برنامج سياسي - نضالي على حقوقنا المدنية - الجماعية كأهل البلاد وأصحاب الأرض، في مواجهة صهيونية الدولة ويهوديتها هذا شيء، بينما وجودنا كمعارضة للحكومة هو شي آخر تماما. لأن معارضة أي حكومة غير عن مواجهة المنظومة، فالمنظومة الصهيونية بنشأتها ككيان استعماري، ثم تحوّلها إلى نظام فصل عنصري "أبارتهايد"، هي ما يجعل مواطنة العرب غير ممكنة فيها، لناحية حقوقهم المدنية والمطلبية. وبالتالي، فإن مطلب المساواة في الحقوق غير ممكن للعرب إلا في وضعه كبرنامج سياسي - نضالي مناقض ومناهض للمنظومة.

فيما يُعدّ وضع سؤال المساواة ضمن أفق صهيونية الدولة ذاته، كما هو حاليا في أداء منصور عباس وموحدته؛ طريقا مختصرا، و"الطرق المختصرة" تؤدي للأسرلة لا للمساواة والمواطنة الكاملة في الحقوق.

عودة إلى منصور عباس في خطابه وسلوكه، فإن حالته هي مناسبة لفهم ماذا يعني أن تكون ضمن ائتلاف حكومي في دولة صهيونية تُعرّف نفسها كدولة اليهود، وهو التعريف الذي باتت مهمة منصور عباس تطبيعه مع القاموس السياسي لدى عرب الداخل، من خلال تصريحاته على مدار العام الماضي، إذ صرّح عباس غير مرة، بأن إسرائيل هي دولة يهودية، وعلينا كعرب التصالح سياسيا مع ذلك، على مستوى الواقع والوقائع.

في الأخير

إن وجود عرب في الحكومة، يعني تمثيلها هي، لا تمثيل العرب، فمنصور عباس في تصريحاته وممارساته يمثل الحكومة بالطبع، لأنه منها. فالائتلاف الحكومي يقوم على الالتزام ببرنامج حكومي والتقيّد به، والمعارضة من داخله غير ممكنة، لأن الحكومة هي سلطة تنفيذية لا تشريعية التي يُتاح فيها هامش للمعارضة. بالتالي، إنّ ما تقوم به القائمة الموحدة وعلى رأسها عباس، طبيعيّ، بينما من غير الطبيعي، وجود تيار عربي في حكومات دولة إسرائيل كدولة يهودية.

في الأخير، إن قول البعض، خصوصا بعض داعمي القائمة الموحدة: "شو خسرانين منجرّب"، فيه قصور سياسي، وتخلٍ عن ثوابت وطنية، وتفريط بحقوقنا السياسية لصالح الاستحقاقات المطلبية - المعيشية، ووهم خطاب "التأثير" غير الممكن في ظل صهيونية الدولة ويهوديتها.

التعليقات