23/06/2022 - 18:00

المطلوب إسقاط "نهج التأثير" ومراجعة تجربة الكنيست

إن إسقاط هذا النهج ومجمل نهج "التأثير" الذي قاد إليه أيضا، وإعادة تصويب البوصلة وتصحيح المسار، أصبح ضرورة وطنيّة عُليا، ضمن مراجعة شاملة لتجربة النضال البرلمانيّ وكيفيّة الاستفادة منه من جهة، ودرء أخطاره من جهة ثانية

المطلوب إسقاط

(geety images)

أثبت سقوط ما عُرف إسرائيليًّا، بحكومة التغيير التي أعلن رأْساها بينيت ولبيد عن وفاتها رسميًّا، مطلع الأسبوع، بعد فشَل كل محاولات الإنعاش، أن شعار "لا لنتنياهو فقط" الذي جمع أطرافا حزبيّة متعدّدة ومتناقضة من "اليمين" و"اليسار الصهيونيّ" وحتّى العرب، لا يصلح لأن يكون برنامجا سياسيًّا تقوم عليه حكومة لفترة طويلة من الزمن، وأنّ القضايا الأيديولوجيّة والسياسيّة التي تقف القضيّة الفلسطينيّة في مركزها، رغم الإجماع الإسرائيليّ الظاهر حولها، ما تزال العامل الأساس في وحدة الساحة الإسرائيليّة وانقساماتها.

كما تبيّن أيضا، أنه لا يمكن إعادة العجلة الإسرائيليّة إلى الوراء، وأن الليكود وحلفاؤه بقواعدهم الاجتماعية من شرقيين وحريديين ومتدينين متطرفين، هم المؤهلون لقيادة إسرائيل الجديدة في هذه المرحلة، التي يمكن وصفها بأنها المرحلة الثانية في استكمال المشروع الاستيطانيّ الصهيونيّ، وتمدّده على كل أرض فلسطين.

الليكود وحلفاؤه، بعكس الآخرين الذين يتبنّون هذا المشروع أيضا، يمثّلون بتشكيلهم الاجتماعيّ المادة البشريّة الأساسيّة لهذا المشروع، الفئات التي تخلّفت في مرحلة التأسيس الأولى هي من تنهض أو تريد أن تنهض بقيادة المرحلة الثانية، بل هي تسعى للانفراد بهذه المهمّة "التاريخيّة" واحتكارها.

ائتلاف الليكود، الحريديّون والصهيونيّة الدينيّة، يشكّل حاضنة طبيعيّة يجري داخلها "تفريخ" ما يُسمّى بـ"الحردليم"، الذين يمثّلون المادة الأساسيّة للمشروع الاستيطانيّ الجديد، الذي لا يكتفي باستيطان الضفة الغربيّة، بل يمدّ أذرعه إلى قلب اللد والرملة ويافا وعكا وغيرها من المدن الفلسطينيّة التاريخيّة، وربّما هنا يكمن الفرق بين بينيت وبين سموتريتش رغم انتمائهما المشتَرَك للصهيونيّة الدينيّة، بأنّ الأخير يعي أهميّة هذه الحاضنة وضرورة تعميق علاقات أطرافها، لدفع مشروعه الاستيطانيّ.

هذا في حين يعطي المعسكر المقابل الأولويّة إلى ما بُني من دولة مؤسسات، شيّدت على نسَق ليبراليّ ديمقراطّي غربيّ، وهم لا يرون بنتنياهو فقط، بل بمركّبات المعسكر الذي يقوده خطرا على هذا "الموديل" الذي يبقي على إسرائيل جزءا من المعسكر الغربيّ و"قيمه"، ويحافظ بذلك على فوقيّة المستعمِر، علما بأنّه لا يتخلّى أيضا عن إتمام المرحلة الاستعماريّة الثانية في الضفة الغربيّة.

دخول العرب على خطّ الانقسام لترجيح كفّة طرف بشكل "ذكي" في عهد حكومة رابين 92 من خلال الجسم المانع، وبذريعة دفْع "العمليّة السلميّة" مع الفلسطينيين، وبشكل "اعتباطيّ" ( القائمة العربية الموحّدة) من خلال اتفاق ائتلافيّ في عهد حكومة بينيت - لبيد، كانت مكاسبه في الأولى أكثر من أضراره، لأنه حدث في مرحلة انعطافة إسرائيليّة نتجت عن ظروف معيّنة باتجاه الحقّ الفلسطينيّ، وبالتالي عزّز هذا التوجه ومكّنه إسرائيليًّا، ودعم التوجّه الفلسطينيّ الرسميّ المقابل، وحقَّق بعض الحقوق اليوميّة للفلسطينيين في الداخل.

بينما كانت أضراره في الثانية أكبر من مكاسبه، لأنه جاء في ظروف انعطافة إسرائيليّة نحو اليمين، وإجماع صهيونيّ على التنكُّر للحقّ الفلسطينيّ، وعزّز هذا التوجُّه، ولأنّ دخول الائتلاف الحكوميّ،(بعكس الدعم من الخارج) جعَل أصحاب هذا التوجّه أسرى وشركاء لقرارات الحكومة التي يهيمن عليها اليمين، بما فيها القرارات والخطوات المعادية لشعبنا وأهلنا في غزة والقدس والنقب.

كما أن إسقاط القضيّة الوطنيّة والحقوق الجماعيّة بادّعاء الاهتمام بقضايانا اليوميّة والحياتيّة، والانضمام بالمقابل إلى حكومة احتلال شُغْلها الشاغل الحرب والقمع والاستيطان على أرضنا وضدّ شعبنا في كلّ مكان، لا يمكن أن يفسّر سوى أنه مقايَضة على هذه الحقوق مقابل ثمَن بخْس، ولن يضعك في موقع الحياد بقدر ما يعني الانتقال من الخندق الوطنيّ إلى الخندق المعادي له، فعدا عن المسؤوليّة القانونيّة التي تجعل أي طرف في الائتلاف الحكوميّ شريكا في أيّ فعل تقوم به هذه الحكومة وأذرعها الأمنيّة والعسكريّة، ابتداءً من قصف غزة واقتحام الأقصى، وانتهاءً بـتجريف وتحريش أراضي النقب، هناك ما هو أكثر "إحراجا" يتمثّل بالتصويت المباشر على قوانين الأبرتهايد على غرار قانون المواطَنة وقانون سحب القانون الإسرائيليّ على المستوطنات، التي لا يمكن أن ترتفع عليها سوى أيدي من باعوا ضمائرهم وأنفسهم، فكيف إذا ما استنتجوا أنهم لم يقبضوا حتى ذاك الثمن البخس؟

وباختصار، أن تكون في حكومة "العدو"، طالما هو يعتبر حضورك في الضفة وغزة والجليل والنقب كذلك، يعني أن تبصم وتتحمّل مسؤوليّة قمع شعبك في كلّ هذه المواقع، وهذا يختلف عن أن تكون في كنيست "العدو"، ليس فقط لأنها هيئة تشريعيّة لا تتخذ القرارات التنفيذيّة المتعلّقة بقمع شعبك بشكل مباشر فقط، بل إنك تستطيع التصويت ضدّ القرارات أيضا، وبالرغم من ذلك، هناك كثيرون ممّن لا يستطيعون "هضْم" مثل هذا التواجُد.

من هنا، إنّ إسقاط هذا النهج ومجمل نهج "التأثير" الذي قاد إليه أيضا، وإعادة تصويب البوصلة وتصحيح المسار، أصبح ضرورة وطنيّة عُليا، ضمن مراجعة شاملة لتجربة النضال البرلمانيّ وكيفيّة الاستفادة منه من جهة، ودرء أخطاره من جهة ثانية، والتعامل معه كأسلوب نضال يمكن استعماله أو إهماله وفقا للمتغيرات، وربما قد آن أوان إهماله، وإعطاء الأولويّة لأساليب نضال أخرى.

اقرأ/ي أيضًا | "فشل التجربة"

التعليقات