01/08/2022 - 19:22

الانتخابات القريبة... الوحدة في مواجهة الصّهيَنة

المشروع المسنود بإجماع وطنيّ هو الكفيل بأن يعيد الثّقة بالمشتركة لدى شرائح كبيرة ممّن عزفوا عن المشاركة السياسيّة أو الانتخابيّة، وتشكيل حاضنة شعبيّة ووطنيّة، حتّى من أولئك الذين يقاطعون انتخابات الكنيست، تمامًا كما حصل مع تأسيس المشتركة لأوّل مرة

الانتخابات القريبة... الوحدة في مواجهة الصّهيَنة

(Getty Images)

أمراض السياسة العربيّة كثيرة ومتعدّدة، وليست وليدة الانتخابات الأخيرة؛ فالنجوميّة والشعبويّة ليست ظواهر طارئة عليها، لكن عزّزتها وسائل التواصل الاجتماعيّ في السنوات الأخيرة وأبرَزَت قباحتها. كما أنّ تراجُع مكانة الأحزاب ليس أزمة طارئة، إذ إنها أزمة لها أسبابها الحزبيّة الداخليّة، وقد سرَّع تشكيل القائمة المشتركة في عام 2015 من وتيرة التراجُع، خصوصًا بعدما تنازلت الأحزاب طواعية عن تنظيمها ومؤسّساتها، واسترخت تحت مظلّة المشتركة الانتخابيّة على اعتبار أن القائمة "إرادة شعب"، وخروج الناس للتصويت بات تحصيلا حاصلا في ظِلّ الوحدة بين الأحزاب القائمة.

لكن في المقابل، رفعت المشتركة شعار "سنكون القوة/ الخيار الثالث" في حملاتها الانتخابيّة، أي الخيار الثالث بين معسكر الليكود ومعسكر "كاحول لافان" حينها، ليتبيّن أن هذا الوعد كان كاذبًا، إذ سرعان ما اصطفَّ قادتها حينها خلف خيار من خياريْن؛ غانتس – لبيد أو نتنياهو، بتوصيتهم على غانتس، ولم تطرح بديلا ثالثًا، وباتت ملحقة/ قوّة احتياط بما يُسمّى بمعسكر "اليمين – الوسط"، أو معسكر "أنطي بيبي".

إذا كانت المشتركة حينها "إرادة شعب"، أي تعبيرا عن الرغبة الشعبيّة بالوحدة بين الأحزاب العربيّة، فإنّ قيادتها استثمرت هذه الإرادة في الطريق الخطأ، وتحوّلت إلى ملحق لـ"كاحول لافان"، ومن ثمّ "ييش عتيد"، لتصبح "الموحَّدة" تطرح نفسها كأنّها حركة تجديديّة أو تصحيحيّة ترفض الارتهان مسبقًا لأيٍّ من المعسكرين الصهيونييْن مثل المشتركة.

هكذا تحوّلنا من جماعة قوميّة إلى جماعة لوبي

شهدت الأعوام القليلة الماضية تحوّلا خطيرًا في السياسة العربيّة عندنا، يفوق التوصية على بيني غانتس كما فعلت القائمة المشتركة؛ ولا يقلّ خطورة عن دخول حزب عربيّ لائتلاف حكوميّ صهيونيّ بشروط الإجماع الصهيونيّ، كما فعلت القائمة الموحَّدة ("الإسلاميّة الجنوبيّة").

إنّ هذا التحوّل قد هدَم الأُسُس الهامّة والضروريّة لنا كجماعة قوميّة، ومجتمع يعيش في واقع استعماريّ عنصريّ، يعادي الهويّة العربيّة، ويسعى إلى تشويهها. هذا التحوّل أضعَف وزَعْزَع وهمَّش كل مؤسّسة وطنيّة قوميّة جماعيّة، لم تتساوَق أو تتماشى مع إرادة جماعات أميركيّة صهيونيّة أرادت إدماج المواطنين العرب في الإجماع الصهيونيّ – وليس المواطنة المتساوية في دولة كلّ المواطنين – من خلال رفع نِسَب التصويت في الانتخابات البرلمانيّة، بهدف إسقاط بنيامين نتنياهو، ليس لعنصريّته، بل لما تراه خطرًا على الليبراليّة الصهيونيّة في إسرائيل تحديدًا.

منذ أن حقّقت القائمة المشتركة عددًا غير مسبوق من المقاعد للأحزاب العربيّة، والذي بلغ 15 مقعدًا برلمانيًّا، حوّلت قيادتها وتحديدًا النائب أيمن عودة، هذا "الإنجاز" إلى مشروع هدَّام عن قصد أو بدون قصد، وأرجِّح الاحتمال الأخير، إذ تحوَّلنا من جماعة قوميّة إلى جماعة ضغط (لوبي) مرتبطة بشكل وثيق بأجندات جماعات أميركيّة صهيونيّة وبتمويلها، لدرجة أنّ تأثيرها لم يتوقّف عند دعم حملات لرفع نسبة التصويت في الشارع العربيّ، بل أبعد من ذلك، إلى تورُّط "نُخَب" ومشتغِلين بالسياسة والمجتمع في هذه الأجندات الخارجيّة، التي رأت بالمصوّتين العرب، أدوات للتأثير في الإجماع الصهيونيّ من خلال إسقاط حكم نتنياهو، والاستثمار في مشاريع تعزز من ارتباط مصيرنا كجماعة قوميّة وكأفراد، بقواعد اللعبة الانتخابيّة الإسرائيليّة والإجماع الصهيونيّ، كما تجسَّد ذلك في ممارسات المشتركة في السنوات الأخيرة، وما يدور في فُلْكها من "نُخَب" و"مثقّفين" و"ناشطين" و"مشاريع" تعزِّز التبعيّة للاقتصاد والسوق الإسرائيلييْن، وتهميش أنّ مصيرنا كجماعة وأفراد، يرتبط أساسًا وبالضرورة بمصير الشعب الفلسطينيّ. هل خَلَقَت المشتركة بقيادتها الحاليّة أيّ محيط ثقافيّ حولها مثلا؟ هل من مؤسسات حقيقيّة، أكاديميّة أو حقوقيّة أو غيرها؟ لا شيء، خلافًا للأحزاب الوطنيّة مثل التجمّع والجبهة، والتي شكّلت فضاءً وطنيًّا ثقافيًّا وأكاديميًّا وصحافيًّا، وبنت المؤسسات حولها، وإنْ تراجَع دورها في العقد الأخير.

في الحقيقة، لم ينتُج عن ذلك كلّه أيّ مشاريع سياسيّة أو مجتمعيّة ناجحة، أو طويلة المدى، لأنها تخالِف الواقع الاستعماريّ في فلسطين، وتتجاهله عن قصد، فبعدما فشلت الليبراليّة الصهيونيّة في منع خسارتها للهيمنة على الإجماع الصهيونيّ، وتقلَّص تمثيلها السياسيّ وتراجَع حجم نُخَبها، لجأَت إلى "وكلاء محليين" لتنفيذ أجنداتها لنزع الطابع العنصريّ عن إسرائيل، والإبقاء على صورتها الليبراليّة، مثل الترويج لموظفين عرب في شركات الهايتك، أو تولّي عربيٍّ منصبَ وزير، أو إدارة شركة حكوميّة.

الجماعة بحاجة إلى إجماع وطنيّ

كلّ ما كُتب أعلاه لا يمنع التفكير بسؤال؛ كيف يمكن وما المطلوب لمواجهة نهج القائمة الموحَّدة الخطير والمتصَهْيِن، الذي همّه الأساسيّ ليس الإنجازات، وإنّما تقديم التنازلات أمام اليمين المتطرّف أمثال بن غفير وسموتريتش، بهدف الدخول لأيّ ائتلاف حكوميّ، لكي يبقى مشروعها على قيد الحياة. المهم هو الإضرار والإفساد الذي تُحدِثه هذه القائمة في السياسة العربيّة، والمجتمع، والهوية الوطنيّة. لا يُقارَن ما تسببّت به المشتركة بما تفعله الموحَّدة من تشويه وصَهْينة للوعي، وتنازُل عن الكرامة الجماعيّة والفرديّة. هذا الانحراف لا بُدّ من تصليحه، ليس باستيعاب الموحَّدة في المشتركة، فهي لا تريد ذلك أصلا، بل بتشكيل جبهة وطنيّة تستند إلى الإجماع الوطنيّ والثوابت الوطنيّة، وأن تكون خيارًا ثالثًا فعلا، بين المعسكرين الصهيونييْن، بحيث لا تكتفي بالوكالة أو بالمطالبة بالميزانيات، وبالوساطة بين الحكومة والمواطنين العرب، بل أن ترتقي إلى التمثيل السياسيّ الحقيقيّ الوطنيّ، بطرح مشروع سياسيّ وطنيّ جماعيّ وديمقراطيّ. وهذا المشروع لا يطرحه نجوم، ولا أصحاب الوساطة، بل الأحزاب الوطنيّة مثل التجمع والجبهة إلى جانب المؤسسات الوطنيّة الأخرى، إذ كان الطموح الأساسيّ، لتشكيل المشتركة هي أن تتحوّل إلى ذراع سياسيّة برلمانيّة للعرب، كجماعة قوميّة وجزء من الشعب الفلسطينيّ الذي يعيش تحت الاستعمار من البحر للنهر، وليس بديلا للأحزاب وللمؤسّسات الوطنيّة الجامعة مثل لجنة المتابعة، بل يجب أن تكون ذراعًا لها.

هذا المشروع المسنود بإجماع وطنيّ هو الكفيل بأن يعيد الثّقة بالمشتركة لدى شرائح كبيرة ممّن عزفوا عن المشاركة السياسيّة أو الانتخابيّة، وتشكيل حاضنة شعبيّة ووطنيّة، حتّى من أولئك الذين يقاطعون انتخابات الكنيست، تمامًا كما حصل مع تأسيس المشتركة لأوّل مرة في عام 2015.

القيادات الحاليّة للمشتركة غير قادرة على فِعل ذلك حتى الآن، فتفكيرها ينصبّ على وادٍ آخر، وبعض القيادات الحزبيّة لا تفكّر بتشكيل جبهة وطنيّة في مواجهة الصّهْيَنة، بل تبحث عن زيادة حصّتها البرلمانيّة والتمويليّة على حساب الوحدة والإجماع الوطنيّ، أي إنّ تفكيرها فئويّ، وهي في الحقيقة لا تصلُح لقيادة شعب إذا ما استمرّت بذلك. قد تصلح لقيادة حزب. لكن هذا لا يلغي ضرورة الضغط والسَّعي لتشكيل هذه الجبهة في إطار المشتركة، لأنّ الانتخابات المقبلة مصيريّة على شكْل مجتمعنا، وهويّتنا الوطنيّة، ومصيرنا ومكانتنا في وطننا. هذا لا يتطلّب لجنةَ وفاق أخرى، بل يتطلّب رؤية صادقة ووطنيّة وإستراتيجيّة. يتطلّب قيادات بحجم المرحلة، لا محاصَصة مقاعد، ولا التخويف من "بُعبع" بن غفير، وإنّما مشروعا سياسيًّا وطنيًّا جماعيًّا وديمقراطيًّا. وخوض الانتخابات أمام الموحّدة بقائمة ثنائيّة، سيحوّل المعركة إلى معركة فرْز ما بين علمانيّ ومتديّن، وبين محافظ و"ليبراليّ"، والمطلوب هو معركة فرْز وطنيّ من خلال جبهة وطنيّة جماعيّة. هذا امتحان للقيادات الحاليّة.

لم تعُد المشتركة "إرادة شعب"، ولم تكن يوما خيارا ثالثا... عليها أن تصبح كذلك في هذه الظّروف.

التعليقات