08/08/2022 - 18:16

عن العدوان و"حماس" ومزاج الناس

ليس من حقّ من لم يتحسَّس بندقيةً يوما، محاسبة من دفعوا ثمن حمل البندقية نيابة عن الأمة كلها في السنوات الأخيرة. وهذا ما يتطلب التواضع قليلا

عن العدوان و

(geety images)

العدوان على غزة قائم أصلا منذ سنوات طويلة، بما أن الحصار هو شكل من أشكال العدوان يشرف على تطبيقه وتنظيمه جيش الاحتلال. وبضمنه شنت إسرائيل في الأيام الماضية عدوانا لا يقل جبنا ووحشية عن أي عدوان عسكري سابق على القطاع المحاصَر.

والمقصود عينيًّا هذه المرة هو حركة الجهاد الإسلامي، في "عملية عسكرية" سمّتها إسرائيل "بزوغ الفجر"، وشنّها سلاح الجو الإسرائيلي عصر يوم الجمعة الماضي، واستهدف فيها بيوتا آمنة ومواقع حاضنة لحركة الجهاد وغير الجهاد في مناطق مختلفة من قطاع غزة، استشهد فيها 44 شهيدا من بينهم 15 طفلا و4 سيدات، فضلا عن مئات الجرحى.

وفيما رمت إسرائيل بنواياها ونيرانها إلى ضرب فصيل مُقاوم بعينه، فإن شرط ذلك هو النيل من حاضنته أولا وأخيرا، والحاضنة هي غزة كحالة رافضة ومناهضة، ونقطة ارتكاز لقول "لا" منذ ما بعد الانتفاضة الثانية. وإذا ما أرادت إسرائيل إثبات بأنها "عملية" ضد حركة الجهاد، فإن علينا التذكُّر بأنه عدوان على غزة كلها، التي تنوب عنّا وعن الأمة بفاتورة الدم واللحم.

ما الذي تحقَّق بالنسبة لإسرائيل؟

تعتبر قيادات جيش وأمن الدولة العبرية أن العدوان قد حقَّق أهدافه منذ اليوم الثاني للعدوان، إذ يعدّ الاحتلال تنفيذ العدوان هدفا بذاته، باعتباره "ضربةً استباقيّة" قام بها الجيش، منعا لعمليات عسكرية زعمت إسرائيل أن الجهاد الإسلامي كان يُخطِّط لتنفيذها، ضد أهداف عسكرية إسرائيلية في مستوطنات غلاف غزة.

كما يرى الاحتلال استهدافَ مواقع وحواضن لحركة الجهاد الإسلامي وتصفية بعض قيادييها في غزة، بمثابة هدف تحقَّق في استشهادهم من ناحية، وترميمها لقدرة وسُمْعة الجيش الإسرائيلي، وهيبته التي قوَّضتها معركة "سيف القدس" مع هبة الكرامة في أيار/ مايو سنة 2021 من ناحية أخرى. وهذا ما ستعمل حكومة لبيد الإسرائيلية الحالية على استثماره في الانتخابات القادمة، خصوصا أنها حكومة قيادة جديدة تقود لأول مرة "عملية عسكرية"، عدَّت أنها "كفؤ" لها.

ويُذكر أن الأحزاب والمعسكرات الصهيونية المتنافسة في إسرائيل، لا تخوض حروبا من أجل الانتخابات، بل تستثمر الأحزاب والمعسكرات الصهيونية الحروب والعمليات العسكرية في الانتخابات في سياق سؤال توفير "الأمن القومي" لإسرائيل.

إن جعل العدوان على مدار أيامه الثلاثة مقتصرا على استهداف حركة الجهاد الإسلامي، والاستفراد بها و"تحييد" باقي فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس عن ساحة الاشتباك هذه المرة، يبدو للإسرائيليين هدفا تم تحقيقه للوهلة الأولى، مما يُظهر حماس كحركة سلطوية قابلة للتحييد، وبالتالي الترويض، بعد تورّطها في إدارة شؤون قطاع غزة، ومسؤوليتها تجاه اليومي من إيقاع حياة الناس فيه.

كما يُعدّ التوصُّل إلى وقف إطلاق النار، والذي يشدّد الاحتلال على امتنانه للوسيط المصري في إتمامه، لا بل والتذكير بما لا يخلو من تغريض مبطَّن لدور حركة حماس في "دعم وإنجاح" هذه الوساطة؛ "إنجازا"، لتكون الهدنة بشروط إسرائيل؛ "الهدوء مقابل الهدوء"، بدون أن يُشترط عليها اتخاذ أي خطوة عملية تجاه مسؤوليتها التاريخية عن حصار قطاع غزة، باستثناء المتعلِّق بحركة الجهاد الإسلامي وأسيرَيْها لدى الاحتلال، خليل عواودة وبسام السعدي، إذ تعهّد الوسيط المصري في بيانه تعهّدا فضفاضا في متابعة شؤونهما، بدون اشتراط واضح على الصهاينة لإطلاق سراحهما. هذه الصورة التي يداوم الخطاب الإعلامي الإسرائيلي على إنتاجها وحشوها في رؤوس أبناء مجتمعه، والمجتمع العربي عموما منذ صباح اليوم التالي لوقف إطلاق النار، ليبدو العدوان قد أنجز ما أراد إنجازه في توقيت محدود واستهداف محدَّد، نظّر من خلاله الصهاينة لقدرة وتفوُّق "سياسات دقة الكثافة النارية" المستخدَمة على أهالينا في قطاع غزة.

"حياد" حماس ومزاج الناس

تفاعل أبناء شعبنا والأمة العربية عموما عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع العدوان، وردّ المقاومة عليه، بما يؤكد كل مرة أكثر من سابقتها أن أمة داعمة للمقاومة، ومتحمسة لها، خيرٌ من أمة تفضّل القنوط والهدوء. غير أن التماهي مع إسرائيل في إنتاج صورة قدرتها على الاستفراد بفصيل بعينه وتحييد فصائل أو أذرع أخرى وعلى رأسها "القسّام" الجناح العسكري لحركة حماس؛ فيه استعجال يدلُّ على عَطَب نفسيّ وأخلاقيّ معا عند البعض، خصوصا لدى من وصل به الحدّ إلى إخراج حركة حماس والقسّام من دائرة فِعْل المقاومة.

من حقنا توقُّع التحاق كل فصائل المقاومة في غزة بفعل رد العدوان، حين يقع عليها. لكن ليس من حقّ من لم يتحسَّس بندقيةً يوما، محاسبة من دفعوا ثمن حمل البندقية نيابة عن الأمة كلها في السنوات الأخيرة. وهذا ما يتطلب التواضع قليلا كي نكون قادرين على تذكر التالي: أوّلا، يظلّ شأن المقاومة شأنا عسكريا، لا صلة لكثيرين منّا به. ثانيا، لا معلومات لدينا عن كيف أُديرت عملية الرد على العدوان الإسرائيلي ومقاومته، خصوصا في ظِلّ وجود "غرفة عمليات مشتركة" بين الفصائل، وبالتالي كيف لنا أن نعرف دور هذه الفصائل في مواجهة العدوان؟ ثالثا، من غير المعقول محاكمة فصيل مقاوم إلى حدّ التشكيك به وقد أخذ على عاتقة مواجهة إسرائيل في أربع حروب سابقة شُنَّت على قطاع غزة في بضع سنوات مؤخرا.

وأخيرا، علينا التذكُّر دائما، بأن دعم كثيرين منّا لمقاومة العدوان هو دعم مجاني، لا يترتب عليه أي كُلفة سوى تثاقل أناملنا فوق أزرار أجهزتنا، فلا يعقل إخضاع حسابات الدم واللحم والتي لا نريدها لأهلنا في غزة إلى هذا المستوى من الأهواء والمزاج وعبثية التصنيف والهياج. رحم الله شهداء غزة العزة أحرارا وأبرارا، ولذويهم الصبر والسلوان، وللجرحى الشفاء والأمن والأمان.

التعليقات