02/09/2022 - 14:46

القائمة المشتركة... النضوج المطلوب

يجب أن يحذَر التجمع من الوقوع في فخ المزايدات الداخلية، وألا يتأخر في حسم قراره، لأنّ ذلك سيمسّ بصورته ومصداقيته ومصداقية وشعبية قيادته، وكذلك على الجبهة الحذر من التمسك بالعنجهية العبثية، فالبساط يسحب من تحتيهما طالما تأخر الإعلان عن إعادة

القائمة المشتركة... النضوج المطلوب

(Getty Images)

تتحمّل كافة الأحزاب المركِّبة للقائمة المشتركة مسؤولية استمرارها أو تفكّكها، وذلك على عدة مستويات؛ أمام جمهورها الذي منحها نحو 200 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة؛ وعلى مصير الأحزاب نفسها، وتحديدًا الجبهة والتجمع؛ وعلى مصير التمثيل البرلماني العربي، واستمرار عزوف الناس عن التصويت، والعمل السياسي عمومًا.

ويبدو أن المشتركة وقعت بين فكَّيْن؛ عنجهية جبهوية أوصلت الحال إلى ما هو عليه، ومزايدات داخلية في التجمع وأزمة قيادة تؤجِّل الحسم والقرار، وكلّ خطواتها جاءت متأخرة، وللأزمة هذه أسبابها الموضوعية الداخلية في التجمع، وليست نتيجة الانضواء تحت المشتركة في السنوات الأخيرة، ولا نتيجة نهج التوصية على غانتس أو لبيد.

وحاول التجمع استعادة دوره وخطابه ومكانته في الأسابيع الأخيرة وطرح "تيار ثالث"، وهي خطوة صحيحة ولو أنها جاءت متأخرة، لكنها غير مدعمة بتجهيز البنية التحتية والأدوات والمقوّمات اللازمة لذلك. واعتبر كثيرون أن هذا التيار هو حاجة ماسّة وحيويّة لبقاء الحركة الوطنيّة عمومًا، وطرح حقيقيّ وجديّ، وآخرون اعتبروه مناورة لتحسين مكانة التجمع في المشتركة. الحقيقة في الوسط. هناك في التجمع من تعامَل مع هذه الرؤية والطرح بجدية متناهية وحاول تشكيل تحالف انتخابي وطني ولم يُوفَّق في ذلك؛ وهناك من أخذ بالطرح إلى حدِّ العبثيّة والاستعداد إلى "الانتحار" بتعبيرهم؛ وهناك من تعامل معها على أنها خطوة مهمّة وضروريّة، لكن التوقيت غير مناسب لانعدام المقوّمات الأساسيّة لها، لكنها حسّنت من مكانة التجمع وأعادت خطابه إلى الساحة، وبات محوريًّا، وستزيد من تأثير التجمع على خطاب المشتركة، وهم الأغلبية في تقديري في صفوف التجمع وأصدقائه.

هذا كله خلق حالة ارتباك في التجمع ولدى كافة مركبات المشتركة، وهو ما دفع الجبهة إلى التراجع عن إصرارها على المطالبة بأربعة مقاعد من أوّل ستة مقاعد في المشتركة، بعدما بيّنت لها استطلاعاتها الداخلية أن نسبة التصويت تتراجع بشكل مستمر، وأن خطر عدم عبورها نسبة الحسم -سواء خاضت الانتخابات بقائمة مستقلة أو بتحالف ثنائيّ- هو خطر قائم، خصوصًا إذا ما قرر التجمع خوض الانتخابات مستقلًّا، أو إذا ما قرر الانسحاب من الانتخابات.

في مقابل ذلك، يُصرّ التجمع في مفاوضاته مع الجبهة على أن تعلن وتلتزم خطيًّا بعدم التوصية على أيٍّ من المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة. وقد تفاعلت الجبهة مع هذا المطلب، وأصدرت بيانًا ووضعت فيه "شروطا تعجيزية" لأي توصية مقبلة على مرشح لرئاسة الحكومة. وبتقديري، إن هذا أقصى ما بمقدور الجبهة أن تقدّمه، لأنها أولًا تعتبر نفسها قائمة عربية – يهودية، وثانيا ملعبها هو الساحة السياسية الإسرائيلية، وتحديدا اليسار الإسرائيلي؛ فيما يرى التجمع نفسه جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية، ومشروعه تغيير النظام وليس تحسينه، أي دولة كل المواطنين، فيما تكتفي الجبهة بشعار حل دولتين لشعبين. لذا، ليس المطلوب أن يكون هناك تطابق تامّ في طروحات الأحزاب المُركِّبة للمشتركة، ولكن المهم أن تكون الاستنتاجات من تجارب المشتركة السابقة متقاربة ومتوافقة إلى حدٍّ كبير، وبتقديري إن التجمع والجبهة توصلا إلى الاستنتاجات ذاتها في ما يتعلق بالتوصية والدخول في لعبة المعسكرات الصهيونية، على الرغم من محاولات شيوعيين وجبهويين تبرير التوصيات السابقة وأدلجتها بأنها "تكتيك"، وليست أمرًا جوهريًّا.

والمهم ليس مسألة التوصية، بل خطاب المشتركة، وتحديدًا مرشّحها الأول وتهادُنه في مسألة تعريف إسرائيل كدولة يهودية، والصمت على تصريحات "أصحابه" في "حكومة التغيير" بهذا الشأن، وعلى رأسهم لبيد؛ وتجاهُل المشتركة في خطابها حتى اليوم، التقارير الدولية والإسرائيلية التي تصف إسرائيل بأنها نظام أبارتهايد. هذا أهم بكثير من موضوع التوصية، ومن شأنه أن يحدِّد الأرضية السياسية التي يجب أن تنطلق منها وتقف عليها القائمة المشتركة، بصفتها قائمة وحدوية تمثِّل مجموعة قومية تعيش تحت هذا النظام الذي يهيمن على حياة كل الفلسطينيين من البحر للنهر.

هذا هو النضوج المطلوب في الخطاب السياسي للمشتركة، مع إدراكنا أنها قائمة برلمانية في إسرائيل، وليست هيئة تمثيلية عُليا للعرب مثل لجنة المتابعة ولا منظمة التحرير، ولكن هذا النضوج ضروري وإلزامي لأنه يحدد الممارَسة والإستراتيجية للقائمة، ويحدِّد الخطاب السياسي العام للناس؛ فليس المطلوب تطابُق البرامج السياسية لأحزاب المشتركة حتى في موضوع التوصية. هذا هو دور "التيار الثالث" والحركة الوطنية في المرحلة المقبلة، ليس فقط تقديم الاستنتاجات عن التجربة السابقة، وإنما تهيئة الظروف لنضوج الخطاب السياسي من خلال إعادة بناء الحركة الوطنية وتجديدها والتخلص من أمراضها، فتبقى مسألة التوصية تحصيلا حاصلا، إذ إن المهم في هذه المرحلة يبقى الحفاظ على تمثيلٍ للحركة الوطنية - وهذا أمر مصيريّ بالنسبة للتجمع في الظرف الحالي دون تجهيزه خيارات أخرى - لمواجهة مشاريع الصهينة على مختلف أشكالها، مثل الاستعداد للانخراط في الإجماع الصهيوني العنصري مثلما فعلت القائمة الموحَّدة، وفي مواجهة محاولة اختلاق استقطاب اجتماعيّ خطير، وانتشار النزعة الفردانية على حساب الهوية الوطنية الجماعية.

يجب أن يحذَر التجمع من الوقوع في فخ المزايدات الداخلية، وألا يتأخر في حسم قراره، لأنّ ذلك سيمسّ بصورته ومصداقيته ومصداقية وشعبية قيادته، وكذلك على الجبهة الحذر من التمسك بالعنجهية العبثية، فالبساط يسحب من تحتيهما طالما تأخر الإعلان عن إعادة تشكيل المشتركة.

التعليقات