28/10/2022 - 13:54

ماذا يعني نهوض "التجمع"؟

من الضروري أن نحافظ جميعا على الوعي بأن معركة التجمع، في الظروف الحالية، وفي الظرف الذي نشأ، وفي ظل السبب الذي يكمن وراء هدف شطبه، هي معركة سياسية وطنية، ومعركة على وجه مجتمعنا

ماذا يعني نهوض

أرشيفية (Getty Images)

المواقف التي تختزلُ معركة التجمع السياسية الحالية، التي اضطّر لخوضها منفردا، في مسألة إمكانية عدم تجاوزه نسبة الحسم، والحديث عن حرق الأصوات، تعكسُ بؤسَ أصحاب هذه المواقف، والمدى الذي وصلت إليه عقليتهم التسطيحية.

وقد تولّدت هذه الذهنية عبر تراكمات مرحلة السنين الأخيرة، التي شهدت تهتّكًا غير مسبوق منذ يوم الأرض، في قيمة العمل السياسي، والتفريط المريع بالفكرة الوطنية الجامعة، وفجورا أخلاقيا، تمثَّل في الارتماء في أحضان الصهيونية. هؤلاء في الحقيقة لا يريدون أنْ يتجاوز التجمع نسبة الحسم، لأنهم يدركون أنّ عودته مظفراّ إلى سابق عهده، تُعرّي نهجهم، وتحاصره، كما تحمل بذور حالة جديدة واعدة، وتُصوّبُ العمل السياسي، وتنشلُ شرائح واسعة من شعبنا، وعشرات آلاف الشبان، من حالة الفراغ الوطني، وحالة اللافعل، وتمدّهم بالأمل بالقدرة على تغيير واقعهم، وتُوطِّد وشائج العلاقة مع شعبهم وقضيته.

لا يستطيع هؤلاء، الاعتراف، أو الأدقّ الإدراك، أن التعاطف المتنامي بصورة متسارعة مع التجمع وسامي أبو شحادة وما يمثّله، مصدره الرغبة الشعبية الدفينة في العودة إلى الصواب، ومن المفروض أن يكون هذا النهوض محلَّ ترحيب وتمجيد، بدل أن يروه مصدرا للرعب والخوف. ليست معركة التجمّع مع شعبه ولا أحزابه، بل ضد نظام "أبارتهايد"، وُلد من نظام استعماري استيطاني، مغتصب لوطننا ولحقوق شعبنا.

ومن الضروري أن نحافظ جميعا على الوعي بأن معركة التجمع، في الظروف الحالية، وفي الظرف الذي نشأ، وفي ظل السبب الذي يكمن وراء هدف شطبه، هي معركة سياسية وطنية، ومعركة على وجه مجتمعنا. لا بديل عن حركة وطنية برؤية تحررية شاملة، والتي تتبنى إستراتيجية تنظيم المجتمع، بالتوازي مع الكفاح الشعبي في مواجهة نظام فصل عنصري يواصل ممارسة الاستعمار الاستيطاني على مدار اللحظة.

في الهبة المجيدة في أيار/ مايو عام 2021، التي انطلقت من عتبات باب العامود في القدس العتيقة، والشيخ جراح، لتعمّ كلَّ فلسطين التاريخية، لم يجدْ الشباب الثائر، سقفا جامعا، يُؤطّر نضالهم.

وفي داخل "الخطّ الأخضر"، كان الوضع أكثر صعوبة، فقد كشفت الهبة أزمة الجميع؛ أزمة الأحزاب والحركات البرلمانية، والأحزاب غير البرلمانية. الجميع وقف عاجزا عن التأثير والتوجيه، وتأطير الهبة، وحماية معتقليها. كما أن الحراكات الشبابية، وجدت نفسها أيضا مفتقرة للخبرة والقدرة على صنع البديل الشعبي المنظم، على المستوى القطري. وأنا شخصيا، وبعد ابتعادي عن العمل الحزبي، اقتصرتْ مشاركتي في قيادة حراكات الشباب والمواجهات في قريتي الصغيرة، وليس على المستوى القطري كما كان الحال في السابق. وتذكّرْنا خلال هذه الهبة المجيدة، الأيام التي كان للأحزاب والحركات السياسية، حضورٌ قوي في الميدان، أثناء هبة تشرين الأول/ أكتوبر، وفي الحراكات التي سبقتها، وكذلك بعدها، وصولا إلى الحراكات ضد قانون "برافر" الاقتلاعي. وقد كان التجمع في جميع هذه الأحداث، قوة صاعدة، بخطابه وبوجوده الميداني.

كما تذكّرنا الحالة الكفاحية العالية التي واجهنا بها قانون "برافر" الاقتلاعي ضد فلسطينيي النقب، من خلال نجاحه في إيجاد الصيغة الإبداعية للتلاقي بين الحزب وحركته الشبابية من جهة، والحراكات الشبابية المختلفة من جهة أخرى، وترجمتها في الميادين والشوارع، والتي تمخّضت عن إجبار نظام الاقتلاع على التخلي عن قانون التهجير والنهب. هذا مجرّد مثال، لا الحصر، يؤكّد أهمية وجود حزب وطني، كحزب التجمع، وأهمية نهوضه مجددا، لمصلحة شعبنا وقضاياه اليومية والوطنية المصيرية.

إن الوعي بأهمية هذا الحزب، هو الذي يحرّك هذا التعاطف الواسع.

التعليقات