17/11/2022 - 15:23

الحكومة الإسرائيليّة المقبلة والتطابُق بين واقع وخطاب الأبارتهايد

بدون شك، إن انقشاع الخطاب الأمني على حساب خطاب "الفوقية اليهودية"، ينزع عن واقع الأبارتهايد الإسرائيلي، الادعاء الذي كان يقول إن الهدف هو حماية أمن سكان إسرائيل داخل الخط الأخضر وخارجه

الحكومة الإسرائيليّة المقبلة والتطابُق بين واقع وخطاب الأبارتهايد

(Getty Images)

عندما كنا نقول خلال الانتخابات: لا "تخوّفونا" ببن غفير وسموتريتش، ونقول اليوم إن شعبنا لا يخاف هذه الأنماط؛ ليس لأننا نقلّل من فاشيّة هؤلاء والأخطار التي تحملها ترجمات أفكارهم على حاضرنا ومستقبلنا، بل لثقتنا بقُدرات شعبنا الذي تعامل مع الكثير من هذه "الفزّاعات" الصهيونية التي حاولوا تخويفنا بها في الماضي على شاكلة زئيفي وكهانا وليبرمان وغيرهم، ولم تُخِفْه مسدسات بعضهم التي كانت أطول من مسدس بن غفير وزوجته.

من جهة ثانية، كي لا يستعمل البعض "خوفنا" لتثبيت حُكم حكومة ما سُمي اعتباطا بمعسكر التغيير المنصرفة، برئاسة لبيد- بينيت، التي أثبتت لنا بالملموس، أنه لا فرق جوهريًّا بين اليمين الليبراليّ الصهيونيّ الذي تشكّلت منه، وبين اليمين المحافظ والديني الاستيطانيّ الذي يقوده نتنياهو، اللهم سوى بالخطاب والأسلوب.

ومن المفيد في هذا السياق، إيراد المقارنة التي أجراها مدير منظمة "بتسيلم"، حغاي إلعاد في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، بين خطاب غادي آيزنكوت الذي يتحدث عن الحوكمة وفرض "السيطرة" على الفلسطينيين، في جانبي الخط الأخضر، بلهجة رسمية، وبين خطاب بن غفير الذي يتساءل بفظاظة: من السيّد وصاحب البيت هنا؟

ويشير إلعاد إلى أن اللهجة الرسمية التي يتحدث بها آيزنكوت هي مؤشر واضح مفهوم للجميع، لأنه عندما يشكو الإسرائيليون من فُقدان الحُكم والسيطرة في الجليل والنقب ومناطق "ج" والقدس، فإنهم يقصدون عدم الشعور بأنهم الأسياد وأصحاب البيت.

ويبدو أن الخلاف بين الاثنين هو حول شكل ومدى استعمال القوة ضد الفلسطينيين، إذ يعتقد آيزنكوت وأشباهه أن طريقتهم الأكثر انضباطا في تفعيل القوة بقمع الفلسطينيين، تؤمّن القمع الناجع والاستقرار معا، كما يقول الكاتب، بينما يرى بن غفير وأشباهه أن بالإمكان تصعيد القمع وهم يحظون بتأييد أكبر لتوجههم هذا، كما أظهرت نتيجة الانتخابات، علما بأن الأغلبية العظمى من الذين يتحفّظون على هذا التوجّه، يسلّمون بالوضع القائم وصيروراته، ويؤيدون الفوقية اليهودية التي تشكّل أساس نظام الحُكم السياسي والجغرافي والديمغرافي بين النهر والبحر، كما يقول.

وبتعبير أستاذ القانون في جامعة حيفا، إيتمار مين، فإن الحكومة القادمة التي تضم سموترتش وبن غفير، إنما تغلق الفجوة القائمة بين الواقع العملي الذي يمتاز بالفصل بين الفئات السكانية في المساحة التي تسيطر عليها دولة إسرائيل، وبين أجهزة شرعنة هذا الواقع المكتوبة والمسموعة، وهو يشير، في مقال نُشر مؤخرا، إلى أن هذا الواقع الجديد لا يعني أن الخطاب الأمني سيختفي تماما (رغم أنه لم يكن الخطاب الوحيد في الماضي) إلا أن الأمر الأكيد هو أننا سنسمع خطابا يسعى لتأسيس نفسه، ليس على الأمن، بل على "الفوقيّة اليهوديّة"، وهو المقصد المطلوب لإثبات الأبارتهايد.

وبدون شك، إن انقشاع الخطاب الأمني على حساب خطاب "الفوقية اليهودية"، ينزع عن واقع الأبارتهايد الإسرائيلي، الادعاء الذي كان يقول إن الهدف هو حماية أمن سكان إسرائيل داخل الخط الأخضر وخارج الخط الأخضر، والذي كان من الممكن معه، برأي الكاتب، اتخاذ موقف "صهيونيّ ليبراليّ" معارض للشوارع التي تقوم على الفصل العنصري، والمستوطنات غير الضرورية للأمن، والادعاء بأن الحديث لا يدور عن أبارتهايد.

ويمكن رؤية نتائج الانتخابات الأخيرة كتعبير عن رغبة الناخبين الإسرائيليين في تقليص الفجوة بين الخطاب وبين الواقع على الأرض، بمعنى أن الناخبين قالوا إنهم ملّوا من التستير، وإنهم يريدون استعمال مصطلحات أكثر إقناعا تعكس حياتهم، ليس لأن الادعاءات الأمنية قد وهنت مع مرور الوقت فقط، أو اختفت نهائيا مثلما حدث في حالة المستوطنات، بل لأن الأهداف الأمنية لا يتمّ تحقيقها في كثير من الأحيان، ولذلك أراد الناخبون، كما يقول مين، المجاهَرة بالأبارتهايد.

وإن كانت الصهيونية الليبرالية قد نجحت، برأيه، بطريقة سحرية ولسنوات طويلة في الفصل بين واقع ماديّ من الفصل العنصريّ، وبين عالم اصطلاحي من الشّرعنة الأمنيّة، فمع اندحار قوتها اليوم، فإن مفعول هذا السحر قد نفد، ولم يعُد مجال للتنكُّر لواقع الأبارتهايد.

التعليقات