14/04/2024 - 14:56

إيران والرد المحسوب على إسرائيل

المؤكد هو في أن الصراع مع إسرائيل في المنطقة بات يشهدُ طورا ومنحىً جديدين، خصوصاً وأن الرد الإيراني بشكله الذي جاء عليه لن يردع إسرائيل عن معاودة استهدافها مواقع وقيادات إيرانية في المنطقة.

إيران والرد المحسوب على إسرائيل

(Getty Images)

تقصف إيران من أراضيها إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها، وذلك ردا على عملية دمشق الأخيرة في يوم 4 نيسان/ أبريل الماضي، حيث استهدفت فيها إسرائيل القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية، دمشق، وقتلت ما لا يقل عن ستة عشر عنصرا من بينهم قياديين في الحرس الثوري الإيراني، أبرزهم محمد رضا زاهدي، الذي اعتبره البعض ثاني أكبر شخصية إيرانية يتم اغتيالها بعد قاسم سليماني.

لم تكن المرة الأولى التي تهاجم فيها إسرائيل مواقع وقيادات إيرانية في سورية، فإذا كانت اغتيالات إسرائيل لقادة إيرانيين تُعد، فإن هجماتها على مواقعهم لا تُحصى خلال العامين الأخيرين. غير أن الجديد الذي استوجب الرد الإيراني هذه المرة هو أن إسرائيل هاجمت القنصلية الإيرانية ذاتها في سورية، وليس مواقعهم العسكرية أو مخازن ذخيرتهم فيها.

بصرف النظر عن سؤال شرعية الوجود الإيراني في سورية، فإننا علينا التذكر، أن إسرائيل تنتهك وتفتك لحساباتها الخاصة فيها بعيدا عن أمراض حساباتنا العربية - الإقليمية في المنطقة، لا بل أهم ما في حسابات إسرائيل تجاه إيران هو في دعم هذه الأخيرة لقوى مقاومة إسرائيل وتحديدا في فلسطين. كما سيُذكر للتاريخ أيضاً، أن طهران سيّرت مسيراتها ولو رمزياً نحو الدولة العبرية في ظل اصطفاف دول عربية في صف طابور التصالح والتطبيع مع إسرائيل في عز دين أيام ذبح غزة. ونقول هذا، كي يسمح لنا القارئ بقول ما يليه.

تتبع إيران منذ سنوات إستراتيجية سياسية - عسكرية تقضي بدفع ونقل المواجهة خارج العمق الإيراني وفق عقيدة "الدفاع الأمامي" التي تعتبرها إيران منجزاً لا يجب المغامرة فيه، إذ ترى إيران أن الرد على استهداف رجالاتها ومواقعها في سورية وغير سورية هو في تثبيت تلك العقيدة وتمكين أذرع حضورها في المنطقة وليس الرد في الذهاب إلى حرب مفتوحة أو مغامرة عسكرية تحول دون تمددها السياسي والعسكري الذي انجزته في المنطقة. فالرد الإيراني، الليلة الماضية، على اغتيال زاهدي ورفاقه في دمشق، يشبه تماماً ردها على اغتيال قاسم سليماني ورفاقه بقصف قاعدتين أميركيتين في العراق، حيث كان قصفاً منسقاً في حينه، كما جاء ردها على إسرائيل الليلة الماضية محسوباً بالإبرة والخيط، ردا لم نكن نريده، ولكن إن كان لا بد، فليكن محسوباً بما لا يدفع إلى أبعد منه يقول لسان رد إيران.

كانت نبرة إيران في إعلان وقف هجومها أوضح وأقوى من نبرتها في إعلان بدئه، كما منحت الجميع فرصة الاستعداد للهجوم قبل تنفيذه إلى حد لم يبق فيه إسرائيلي واحد إلا وعرف بتوقيته، لتتخذ إسرائيل جميع التدابير اللازمة محذرةً مواطنيها بأجواء تشبه إلى حد بعيد أجواء التحذير من عاصفة جوية قادمة في أيام الشتاء. إن الرد الذي لا يكون مباغتاً، لا يمكن أن يكون إلا ردا رمزيا، وإيران ما تزال ترى بإمكانية "سلق الضفدع بالماء الفاتر بدلا من وضعه في قدرٍ يغلي" بتعبير أحد الأصدقاء، فهذه هي رؤيتها لإدارة صراعها ضد إسرائيل والقوى الداعمة لها في المنطقة وستثابر على أن يبقى في المرحلة الراهنة كذلك.

قد تكون بالغت إسرائيل في رفع مستوى تأهبها أمس، وربما لأنها المرة الأولى التي تقرر إيران فيها مواجهة إسرائيل مباشرة من أراضيها، أو أن إسرائيل أدركت زمن الرد وحجمه واستغلته لتبدو بوضعية المُعتدى عليها أمام الرأي العام العالمي، كما أن الرد الإيراني والتأهب له وجدت إسرائيل بهما مناسبة لجعل حرب إبادتها لغزة على هامش الأخبار، وبالتالي محاولة حكومة نتنياهو إحراج حركة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي عليها، وحرف أنظارها نحو أولوية الأمن الجماعي - القومي على الخلافات الداخلية.

كل ذلك مرجح، غير أن المؤكد هو في أن الصراع مع إسرائيل في المنطقة بات يشهدُ طورا ومنحىً جديدين، خصوصاً وأن الرد الإيراني بشكله الذي جاء عليه لن يردع إسرائيل عن معاودة استهدافها مواقع وقيادات إيرانية في المنطقة. إن مداومة كل من إيران وإسرائيل على تجنب المواجهة المفتوحة بينهما، لا يعني أن صراعهما مسرحية - كما يريد بعض عربنا أن يمسرحهُ - إنما هي مثابرة متبادلة على تأجيل صفرية المواجهة.

التعليقات