البلدات العربية: قرارات عشوائية... كارثة اقتصادية

المطلوب، إذًا، هو العمل فورًا على تعويض هذه المصالح وإنشاء صندوق خاص لدعم المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة العربية على وجه التحديد، واستغلال هذه الفرصة لتنظيم هذا القطاع قطريًا في موازاة وقف بث الصورة السلبية عن هذه البلدات وسكانها.

البلدات العربية: قرارات عشوائية... كارثة اقتصادية

(أ ب)

انتظر مئات أصحاب المصالح التجارية في البلدات العربية فترة الأعياد اليهودية، الشهر الجاري، للتعويض عن الأضرار والخسائر الاقتصادية التي تعرضوا لها نتيجة أزمة فيروس كورونا، وتحديدًا في البلدات القريبة من المناطق اليهودية مثل مدينتيّ الطيرة وكفر قاسم، بالإضافة إلى يركا والناصرة وغيرها.

لكن ما حصل في الأسابيع الأخيرة زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية، خصوصًا بعد تداول أسماء بلدات عربية على أنها مرشحة للإغلاق الشامل كونها "بلدات حمراء" وفق الخطة المثيرة للجدل "الشارة الضوئية"، المعروفة باسمها العبري "رمزور". فتداول الإعلام الإسرائيلي، ليل نهار، والفضل يعود للبروفيسور روني غَمزو ورفاقه، أسماء بلدات عربية مركزية مثل الناصرة والطيرة وكفر قاسم التي تعتبر وجهة للمتسوقين اليهود بشكل عام، وخلال فترة الأعياد اليهودية القريبة بشكل خاص، وجرى تناولها إعلاميًا في سياقات سلبية جدًا وكأنها بلدات منبوذة أو يجب نبذها. فتحوّل كورونا إلى فيروس عنصري مقيت، يهدد السلامة والصحة العامة والشخصية، ولكن تسييسه والتلكؤ في اتخاذ القرارات للحد من تفشي الفيروس في البلدات العربية طيلة أسابيع، تسبب بضربة اقتصادية عميقة لأصحاب المصالح التجارية في تلك البلدات العربية، حتى قبل البدء بتطبيق الإغلاق الليلي.

فمثلا مدينة الطيرة، انتظر التجار وأصحاب المصالح التجارية فيها الشهر الجاري والأعياد اليهودية للتعويض عن خسائرهم طيلة الفترة السابقة، لكن أكثر من تاجر أخبر "عرب ٤٨" أنه ألغى طلبيات كبيرة حتى قبل الإعلان عن الإغلاق الليلي، نتيجة دمغ هذه البلدة التجارية التي يمر منها شارع رئيسي مركزي يربط منطقة المثلث الجنوبي بالبلدات اليهودية في وسط البلاد، ويعتبر شريانًا تجاريًا، لكنّ الحركة التجارية فيه باتت ضئيلة تعتمد على السكان المحليين خلافًا للسنوات السابقة. ويعزو أصحاب متاجر ذلك إلى تداول اسم الطيرة مثل باقي البلدات العربية "الحمراء" الأخرى في وسائل الإعلام الإسرائيلي بسياقات سلبية، ما دفع زبائن المتاجر من البلدات اليهودية إلى تجنب دخول المدينة والتسوق فيها كما اعتادوا.

لنأخذ الطيرة نموذجًا: كان فيها أصحاب المتاجر والمطاعم يخزّنون أطنانًا من اللحوم والخضروات والفواكه عشية الأعياد اليهودية، لكن في هذه الفترة ألغي العديد من الطلبيات بعد تقديرات التجّار، بأنّ الحركة التجارية لن تنتعش في ظل التغطية الإعلامية السلبية للمدينة.

وما حدث في الطيرة يحدث في الناصرة وكفر قاسم وغيرها، ولا يدري أصحاب المتاجر من سيعوضهم عن الخسائر، خصوصًا بعد تجربتهم السابقة في محاولة للحصول على تعويضات من وزارة المالية والجهات الحكومية عن الخسائر في ما تسمى "الموجة الأولى" من أزمة كورونا، التي لم تسعفهم نتيجة الإجراءات البيروقراطية والتعويضات المنخفضة، إذ تبيّن أن ما بين 50٪ إلى 60٪ من التوجهات للحصول على القروض رُفِضَت، بالإضافة إلى تشديد البنوك الإجراءات منذ بداية أزمة كورونا.

وبحسب معطيات وزارة المالية، قوبلت فقط 56٪ من توجهات المصالح العربية (الصغيرة والمتوسطة التي تشكل الغالبية المطلقة من المصالح التجارية العربية) للحصول على قروض بنكية بكفالة الدولة للمصالح.

في المقابل، أظهر تحليل لصحيفة "غلوبس" الاقتصادية، اليوم الخميس، أن المبيعات في قطاع الأغذية والمشروبات، الذي تستحوذ عليه شركات كبرى، حقّق مبيعات بلغت 28 مليار شيكل منذ مطلع العام الجاري حتى شهر آب/ أغسطس الماضي، وهو ارتفاع بنسبة 8.5٪ مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، ويعزو محللون هذا الارتفاع بالمدخولات إلى ارتفاع الأسعار في شبكات التسوق وإلغاء حملات التنزيلات.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن عمّالا من هذه البلدات تعرضوا لممارسات خطيرة مثل منعهم من دخول مبان أو مؤسسات لأنهم قادمون من "بلدات حمراء منبوذة"، وهذا ما حصل مع أفراد أسرة من منطقة الشاغور طُلب منهم المغادرة من متنزه في مدينة كرمئيل المجاورة بعدما تبيّن أنهم قادمون من "بلدة حمراء".

هذا كله دون التطرق إلى ارتفاع نسب البطالة والفقر في البلدات العربية. ففي مدينة أم الفحم مثلا وصل عدد المُعَطّلين عن العمل إلى 7 آلاف و500 شخص هذه الأيام، وهو ارتفاع بخمسة آلاف معطل عن العمل بحسب رئيس بلدية أم الفحم، د. سمير صبحي.

المطلوب، إذًا، هو العمل فورًا على تعويض هذه المصالح وإنشاء صندوق خاص لدعم المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة العربية على وجه التحديد، واستغلال هذه الفرصة لتنظيم هذا القطاع قطريًا في موازاة وقف بث الصورة السلبية عن هذه البلدات وسكانها الذين باتوا منبوذين إلى حد كبير، حتى لا نقول محاصرين اقتصاديًا وصحيًا.

لندعم المصالح التجارية العربية في هذه الفترة تحديدًا.

التعليقات