16/06/2010 - 11:13

زيارة بلا معنى../ فيصل جلول

زيارة بلا معنى../ فيصل جلول

شاعت أجواء تفاؤلية عندما اختير عمرو موسى أميناً عاماً للجامعة العربية تطلعاً لدور جديد لهذه المؤسسة الموصوفة ببيت العرب المركزي، وعزز هذه الأجواء شعبان عبدالرحيم بأغنيته الشهيرة “أنا بكره “اسرائيل”.. وبا حب عمرو موسى، علماً أن الرجل كان هدفاً لموجات تحريض “اسرائيلية” وشكاوى لدى الأمريكيين والأوروبيين من ذوي الكلمة المسموعة في القاهرة، وذلك بزعم انه يدير سياسة مصر الخارجية بروح ناصرية من المفترض أن صفحتها قد طويت مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد. واتسعت تلك الشكوك عبر المصاهرة بين أسرة عمرو موسى وأسرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

ليس معروفاً بدقة من أشاع تلك الأجواء وكيف أشيعت، ولكن المعروف أن تزامنها مع تعيين عمرو موسى أميناً عاماً للجامعة ربما أريد منه “إحراق” الرجل وتكبيله عبر فتح أعين المناهضين للناصرية وهم غالبية أعضاء الجامعة على إدارته، وبالتالي ضبط عباراته وتصريحاته ومبادراته تحت سقف خطاب الجامعة الخشبي، وفي ‘طار الصيغ المجوفة التي فقدت كل معنى لكثرة تعريضها للمعايير البروتوكولية والبيروقراطية.

وربما أريد من ذلك التزامن أيضاً أن يحترق الرجل مرتين، مرة لأنه لا يستطيع إدارة الجامعة العربية بروح ناصرية لا مكان لها في بيئة رسمية متخاذلة، ومرة ثانية لحمله على التنصل من كل تهمة ناصرية في قرارات ومواقف الجامعة وطريقة إدارتها.

ومن المؤسف القول إن هذا ما حصل، فقد سار عمرو موسى في إدارة الجامعة العربية على رسم سلفه، ولعله أنصفه من دون قصد، إذ بين أن المشكلة ليست في السلف، وإنما في الموقع الذي لا يتيح صناعة ربيع جديد للعرب وللعروبة، وبالتالي لا فرق بين موسى وغيره في هذه المؤسسة التي تعلو قامتها عندما تعلو قامة العرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتضمر عندما يضمرون.

ولو كنت مكان عمرو موسى لربما تمنيت من أعماق القلب ألا تقع الأحداث الأخيرة في فلسطين، ليس كرهاً بأهل غزة ونكاية بحماس، وإنما كي لا أضطر كما اضطر الأمين العام لأن يدلي بتصريحات و يلجأ لتفسيرات، وأن يستخدم عبارات لا قيمة لها، بل هي غير صالحة حتى للنشر في وسائل إعلام مرموقة.

ولعل تصريحه الأول حول مجزرة أسطول الحرية يغني ويعفي من الأطناب، إذ قال معلقاً “.. هذا يبين أن “إسرائيل” لا تريد السلام”، قال ذلك من دون تهكم أو سخرية وإنما بقدر من الجدية التي توحي بأن الرجل كان غارقاً في آمال السلام وأحلامه قبل عملية “أسطول الحرية”، التي فاجأته وحملته على التساؤل إن كانت “اسرائيل” تريد السلام أم لا. فالقول إنها لا تريد السلام بعد مجزرة “أسطول الحرية” يفترض أنها كانت تريد السلام قبل المجزرة، وهذا ما يصعب تلقينه بسهولة لأطفال في حضانة سياسية.

ثمة من يعتقد بأن “مجزرة الأسطول” فاجأت الجميع، وأن الرجل كان كغيره من المسؤولين العرب تحت وقع الصدمة، وبالتالي من غير اللائق تمييزه عن الرسميين العرب الذين التزموا الصمت أو أدلوا بتصريحات لا تتناسب مع الحجم الدرامي للحدث.

ربما كان هذا التفسير منطقياً قبل زيارة الأمين العام للجامعة العربية إلى غزة وليس بعدها. فقد برهن في تلك الزيارة أنه ليس محرجاً من أنها تمت بعد سنتين من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة والعديد من مسؤولي العالم، بل يستخدم لغة تشبه لغة الأجانب في وصف الفلسطينيين “.. الشعب الفلسطيني حيوي ولا يقل شطارة عن “الاسرائيليين” الذين شطارتهم سلبية”.

وعلى الرغم من تكراره عبارة كسر الحصار وإنهاء الحصار وأنه في غزة تنفيذاً لقرار الجامعة العربية بهذا الصدد، على الرغم من ذلك فإنه لم يرشد مستمعيه إلى دور الجامعة في كسر الحصار وعبر أية إجراءات.

بالمقابل بدا الأمين العام مثيراً للدهشة عندما استخدم لغة التهديد والوعيد في غزة بقوله “.. إذا لم يحدث تقدم في عملية السلام من جانب الوسيط الأمريكي واستمرت السياسة “الإسرائيلية” المتطرفة، فإننا سنذهب إلى مجلس الأمن ونحمّل كل أعضائه المسؤولية عن الموقف”.

ومصدر الدهشة أن العالم كله مع غزة و”إسرائيل” لا تدري كيف ترد عنها اللطمات وتفكر في التخلي عن الحصار بمبادرة فردية، فيما الأمين العام للجامعة يهدد الصهاينة بالذهاب إلى “مجلس الأمن” وتحميل أعضائه المسؤولية!! وهو لا يتهكم أبداً ولا يسخر، بل يصطنع الجدية والملامح القاسية مهدداً تل أبيب بـ”باب الفرج”، على غرار الحرامي الذي قيل له هل تقسم يمينًا بأنك لم تسرق؟ فقال في سره “لقد جاء باب الفرج “، وهل من خيار أفضل لخروج الدولة الصهيونية من مأزقها غير التوجه العربي لمجلس الأمن وتحميل أعضائه المسؤولية وكأنهم لا يحملونها قبل وبعد والى أجل غير مسمى.

تبقى الاشارة إلى وصف إسماعيل هنية زيارة عمرو موسى لغزة بـ“التاريخية”، ولا نعرف عن أي تاريخ يتحدث “أبو العبد”، فالتاريخ الحقيقي هو ذلك الذي صنعه “أسطول الحرية” في أعالي البحار، وكانت صناعته قد بدأت عبر صمود غزة امام الحرب الهمجية الصهيونية قبل عامين.
"الخليج"

التعليقات