31/10/2010 - 11:02

رســـالة مفتوحة غير شخصية... للأخ سعيد نفاع / عبد عنبتاوي

رســـالة مفتوحة غير شخصية... للأخ سعيد نفاع / عبد عنبتاوي
لا يختلف اثنان منّا، اننا نعيش في مرحلة زمنية وظرفية استثنائية، من حيث كونها مرّكبة التحديات.. كما لا يختلف إثنان ان هنالك من المعوّقات الداخلية والذاتية ما تشكل عائقاً جدياً في مواجهة تحديات وجودية، في مسيرة بقائنا وتطورنا على ارض الوطن، بعدما تبيّن أن هذه المعركة ما زالت ماثلة ولم نتجاوزها بعد، ولو بدا الأمر غير ذلك لبعض من ظنَّ أن هذا التحدي بات من ورائنا.

واستناداً إلى هذا الفهم، لا خلاف ان تصاعد ظواهر العنف والاحتراب الداخلي في مجتمعنا كما ظهر جلياً في الأشهر الأخيرة، بمختلف دوافعها ومبرراتها وأشكالها، تشكل إحدى أبرز وأخطر المعوّقات الذاتية - الداخلية والتي تعيق عملية إدارتنا الفردية والجماعية "للصراع" ، ولمواجهة تلك التحديات الخارجية التي أشرنا إليها، بنجاعة أكبر.

أي، لا تناقض ولا ضير، أن نُسيّر الأمور بمسارات فاعلة بشكل متوازٍ، بحيث لا نضلل أنفسنا وغيرها بالتحديات الخارجية على حساب تجاهل أمراض فقدان المناعة ومواجهة الفيروسات الداخلية.. فكيف "للمعاق" أن يواجه وان ينتصر في معاركه الوجودية، في حين تنهش العلل جسده الهزيل أصلاً.. وعليه، لا نرى أي تناقض أو تعارض من تنظيم مؤتمر عام للجماهير العربية في إسرائيل ضد ظواهر العنف والاحتراب الداخلي، بعمق وشجاعة وشمولية، وبين تنظيم مؤتمر وطني عام ضد الخدمة العسكرية، الإجبارية والتطوعية، ومختلف مسميّاتها التي تدور في فلكها: كالخدمة المدنية والوطنية والقومية.. بل نرى ترابطاً وتداخلاً جدلياً، وعضوياً، بينهما.. وهذا ما أشرنا إليه في مقدمة قرار تنظيم المؤتمر العام ضد العنف، كما أوضح الأخ سعيد نفاع نفسه في رسالته التي نشرت الأسبوع الماضي في موقع "عرب 48" وصحيفة "فصل المقال".

من ناحية أخرى، فإن قرار مواجهة فرض "الخدمة العسكرية" على الجماهير العربية جاء بقرار من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد، بعد شهر من قرار اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية لتنظيم مؤتمر عام ضد "العنف"، أي ليس كما أشار نفاع في مقاله المذكور.

ثم نتساءل : أوَليس من الوعي الصحي والإدراك الوطني الفاعل أن يكون سلم أولوياتنا مُتحّركاً وغير ثابت أو ساكن، وفقاً للمخاطر والمستجدات، دون التقليل من الأهمية الإستراتيجية لقضية على حساب أخرى، ومن ينكر حقيقة وجود عوامل ذاتية، كشعب وكأمة وكثقافة، تتطلب مواجهتها لإعاقتها مسيرة تطورنا الجماعي، رغم شُحّ الإمكانات والموارد ورداءة "الظروف".

لا نشكك بصدق ووطنية ونوايا الأخ سعيد نفاع، خصوصاً في إصراره ومثابرته على ضرورة تصويب المعركة ضد المحاولات الإسرائيلية المنهجية لفرض "الخدمة العسكرية"، وبأشكالها المتعددة، على "المواطنين" العرب في البلاد.. لكن لا يصح التشكيك بنوايا ووطنية الآخرين، بهذه السهولة التبسيطية على الأقل.

صحيح أننا نتحرك بمسار فاعل منظم وبديناميكية متصاعدة، قدر الإمكان، للجم مجمل ظواهر العنف والاقتتال الداخلي، لكن هل هذا يعني أننا نراوح مكاننا في المسارات الأخرى، ومن ضمنها تحدي محاولات فرض "الخدمة العسكرية" ، بكل ما تحمله من إسقاطات وتداعيات على حاضرنا ومستقبلنا في وطننا.

نعتقد أننا نعي، إلى حد بعيد، أن السياسات الرسمية المنهجية لفرض "الخدمة العسكرية" على شبابنا هي محاولات لتفريغ المعنى الوطني لوجودنا، وبالتالي فإنها ترمي إلى العبث في عناصر ومركبات هويتنا الوطنية والثقافية، الجماعية والفردية.

وما أُنجز, من جانبنا في هذا السياق ليس بسيطاً، رغم عدم كفايته.. لكن، وبعد قرار لجنة المتابعة العليا، والإجتماع الأول للجنة التحضيرية (ولو كان وحيداً حتى الآن!!)، بضرورة تنظيم
مؤتمر وطني عام ضد "الخدمة العسكرية"، لا يمكن أن نتعامى عن حقيقة إحداث تحرّك حزبي، محلي وقطري، ضد الخدمة العسكرية.. فمعظم الأحزاب والحركات السياسية العربية الوطنية في البلاد، وإن كان بينها تباين كمي ونوعي في نشاطها، أظهرت حراكاً جلياً في تنظيم فعاليات وندوات وتظاهرات احتجاجية رفضاً لمجمل أشكال "الخدمة العسكرية".

وما زال الامر قيد المعالجة، ولن تقف الامور الى ما آلت اليه حتى الآن.

وبالتالي فإن الأحزاب والحركات السياسية، هي آليات العمل الأساسية في سبيل دفع قرارات لجنة المتابعة العليا إلى حيّز الفعل التنفيذي، على المستوى الشعبي تحديداً، في هذا الشأن وفي غيره من القرارات السياسية..

وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أهمية ومدلولات تنظيم مؤتمر وضرورة تنفيذه، فهل من يعتقد أن مجرد انعقاد المؤتمرات لوحدها، تكفي بين ليلة وضحاها، لأن تحسم معاركنا في مواجهة العنف الداخلي أو تحدياً لفرض الخدمة العسكرية، على سبيل المثال وليس الحصر؟؟!! وهل القضية ميكانيكية أم أنها إحداث فعلٍ تراكمي يبلور وعياً مواجِهاً؟!لا شك إنها أسئلة استنكارية، لا تغيب الإجابة عليها عن نبيهٍ، لكن لا يعني هذا أننا بتنا نتصرف, جماعياً، على مستوى الحدث فكم بالحريّ التحديات.

ليس هذا رداً ، كما أنها ليست رسالة شخصية للأخ سعيد نفاع، بل أنها مفتوحة لكل من يهمه الأمر، بما تحمله من معنى يتجاوز حدود كلماتها، وليس ليعقوب وغاياته أي صلة بالامر.


*الكاتب مدير مكتب اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد
٭ خاص بـِ: موقع "عرب 48" وصحيفة "فصل المقال"

التعليقات