09/01/2013 - 16:21

ليس بـ "الإنجازات" البرلمانية وحدها تحيا الأحزاب / نداء نصّار

لا يشكل التجمع حالة سياسية تستند إلى معادلة يبحث ضمنها السياسيّ عن جمهور مؤيدين وناخبين وعن آيديولوجيا، وهي حالة تصف أجسامًا وشخوصًا سياسية قائمة، بل معادلة عكسية يصل خلالها السياسيّ ليكون ممثلا استنادا إلى مبادئ ومواقف سياسية، وإلى جمهور يؤيد هذه المواقف بشكل عام، فيختار ممثليه على ضوئها، ليكون الأخير ممثلاً لتلك القضايا والمواقف، لا شخصية سياسية تفسر وتبرر وجودها متذرعة بتلك القضايا وما أنجز أو لم ينجز منها.

ليس بـ

لا يشكل التجمع حالة سياسية تستند إلى معادلة يبحث ضمنها السياسيّ عن جمهور مؤيدين وناخبين وعن آيديولوجيا، وهي حالة تصف أجسامًا وشخوصًا سياسية قائمة، بل معادلة عكسية يصل خلالها السياسيّ ليكون ممثلا استنادا إلى مبادئ ومواقف سياسية، وإلى جمهور يؤيد هذه المواقف بشكل عام، فيختار ممثليه على ضوئها، ليكون الأخير ممثلاً لتلك القضايا والمواقف، لا شخصية سياسية تفسر وتبرر وجودها متذرعة بتلك القضايا وما أنجز أو لم ينجز منها.

وإذا كانت الفرضية الضمنية تذهب إلى أن علاقة المجتمع العربيّ بالدولة على اختلاف مؤسساتها هي علاقة خلافية لا علاقة اعتراف وتوافق، وهي علاقة بنيوية يولدها تعريف الدولة لنفسها على أنها يهودية ووليدة لمشروع صهيوني كولنياليّ، فإن شكل التمثيل البرلمانيّ الطبيعيّ الواجب هو أيضا تمثيل وخطاب اختلاف، لا خطاب اعتراف يعيد رسم وتكريس علاقات القوة الدونية مع السلطة، ويطالبها بما يتيحه دور المضطهد بالمزيد من "الإكراميات"، وهو خطاب رديف لشكل علاقة هجينة ومقحمة.

إذا كانت العلاقة كذلك والفرضية أيضا، فإن شكل الخطاب والتمثيل البرلماني الذي يطرحه التجمع ما هو إلا مرآة سياسية لشكل  علاقة المجتمع العربي مع الدولة، تحدياتها، نضالاتها، تناقضاتها وآفاقها.

لا يحتكم التمثيل البرلماني في مثل هذه الحالة لغير السياق الذي جاء به ومن أجله، لا ينسلخ عنه أو يقيم ضمن أدوات ومعطيات لم تأتِ به بل على ضوء تحدياته وتناقضاته؛ لا يحتكم التمثيل البرلمانيّ للتجمع في هذه الحالة أيضًا إلى آليات تقييم تزيحه عن حيزه الطبيعيّ وتفترض علاقة المواطنة الطبيعية  لتطالبه ضمن لغة "إنجازات" قد تتلاءم لتقييم عمل الأكثرية الحاكمة، أو حتى المعارضة، أو تجاوزا معارضة غير تقليدية، ولكن بالطبع ليست أدوات ولغة لتقييم تمثيل مندرج عن حالة نضالية، وهي حالة التجمع.

 وهنا يكون الادعاء، أن اعتماد منهجية تفكير وتقييم لأهمية وضرورة ونجاعة التصويت للتجمع ضمن لغة  "الإنجازات" التي باتت رائجة، ما هي إلا مطالبة بكسر وتسليف شكل العلاقة المنطقية بين ما يمثله التجمع، وما هو "مطالب"  بإنجازه، وهو بالفرضية الأولى مرآة لشكل علاقة المجتمع العربي مع الدولة.

إن هذا النقاش لا يعني بطبيعة الحال إسقاط مطلب أو نقاش الإنجازات  وهو ضروري، وشرعيّ، وواجب، لا بل يطول تعداد الإنجازات والمبادرات ضمن بابه، وإنما نعني إعادة صياغة وتوسيع بؤرة النظر إلى هذا المطلب، وإعادة النقاش إلى نقطة الأساس الطبيعية.

إن توسعة رقعة النقاش في هذه الحالة يقتضي، وبالمرحلة الأولى، إخراجه من منظومة الضرورة واللا ضرورة، النجاح والفشل، وإبداله بأخرى تطرح بالدائرة الأولى سؤال فاعلية التصويت والعمل البرلماني وما يتبعهما. وفي هذا الصدد، لا يقتصر دور العملية الانتخابية وخوض العمل البرلمانيّ على الأهداف الأساسية الكامنة في لب خطاب التجمع، وهي تلك المقارعة لنيل المواطنة الكاملة مقترنة بالهوية القومية، وحمل هموم الناس اليومية والمعيشية، ومقارعة وفضح السياسات الإسرائيلية، متعديةً كل هذا نحو خلق ديناميكية سياسية أخرى، وهنا يأتي دور فعل الاقتراع والحالة الانتخابية، وما تسهمه في تشكيل الذات المسيسة، المتقدة والمختلفة مع المحيط.

هنا يأتي أيضًا دور ما تتيحه هذه الحالة من إعادة توضيح وتحديد معالم الجماعة التي تنتخب لها ممثلين، وهنا تتاح المساحة التي تبدد حالة الركود السياسيّ والاجتماعي، لتمكن قنوات وأفق للتغيير، ولطرح قضايا ورفعها للنقاش العام. هي ذاتها دينامكيات تلقي بظلالها وتوسع رقعة النقاش، من نقاش أحادي الاتجاه نحو السلطة، إلى نقاش مجتمعي داخليّ موازٍ ورديف، وفي هذه الرقعة بالذات تكون شريحة النساء شريحةً مستفيدةً من هذا الحراك إن أتقنت أخذ المسؤولية النسوية وأجادت إدارتها، وفي هذه الرقعة بالذات يأخذ التصويت للانتخابات البرلمانية وللتجمع تحديدًا بعدًا يتعدى فقط الناتج البرلماني المباشر على مفصليته، مولدًا مسارًا اجتماعيًّا جماهيريًّا رديفًا.

وعليه، فإن لسؤال التصويت لحزب التجمع الوطني الديمقراطي دلالات أوسع وأعمق من تلك المنكمشة ضمن الحسابات الرقمية للإنجازات البرلمانية؛ دلالات ترى بخلق الوعي الوطني إنجازًا، وباستنهاض الثقافة النسوية إنجازًا، وبالمشاركة إنجازًا، وبالمبالاة أيضًا إنجازًا؛ ولهذا كله يكون التصويت واجبًا..

التعليقات