28/09/2018 - 16:07

منع روايتين فلسطينيّتين في معرض عمّان... ليس قرار الدولة!

منع روايتين فلسطينيّتين في معرض عمّان... ليس قرار الدولة!

صورة توضيحيّة

 

بين مئتي ألف كتاب وثلاثمئة ألف، منعت إدارة "معرض عمّان الدوليّ للكتاب" عرض كتابين اثنين، والكتابان الممنوعان روايتان فلسطينيّتان صادرتان عن "منشورات المتوسّط"؛ هما رواية "ويولا وأخواته" للروائيّ الفلسطينيّ راجي بطحيش، و"جريمة في رام الله" للروائيّ عبّاد يحيى.

لم تفصح إدارة المعرض عن أسباب المنع بوضوح وصراحة، لكن كلّ ما قالته كان عن حماية الأسرة والمجتمع، وعن تجاوز الخطوط الحمراء، ودرء المخاطر.

تساءلت فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة عن المخاطر الّتي قد تأتي من كتاب، وأيّ تهديدات يمكن أن تحملها الفكرة، وأيّ سلطة تمنحها إدارة المعرض لنفسها بمنع عرض الكتب. بحثنا في التفاصيل، وهذا ما وجدناه.

 

فتحي البسّ: لست ملزمًا بتقديم رؤية نقديّة

بعد محاولات عدّة للحصول على رأيه؛ قال رئيس "اتّحاد الناشرين العرب" ومدير المعرض، فتحي البسّ: "أنا الّذي سأجيب عن هذا السؤال؛ لم يكن أيّ منع، نحن - إدارة المعرض، وأنا مدير هذا المعرض - لدينا تحفّظ على عرض هذين الكتابين، كلّ ما في الأمر، أنّنا وجدنا فيهما ما قد يثير لنا مشكلة في هذا المعرض؛ فقرّرنا التحفّظ على عرضهما".

 

فتحي البسّ، مدير "معرض عمّان الدوليّ للكتاب"

 

حين سألته فُسْحَة عن نوع المشاكل الّتي قد يثيرها عرض هذين الكتابين؛ قال: "مشاكل اجتماعيّة، هذا قرارنا نحن إدارة المعرض لدرء المخاطر، قرّرنا ألّا يُعرَضا، وأن يعادا إلى مصدرهما؛ بإمكانه أن يبيعهما في الشارع أو في المكتبات، نحن لم نمنع بيعهما؛ للمعرض خصوصيّته، ونحن اتّخذنا هذا القرار. الكتابان لم يصادَرا، والدولة ليس لها علاقة بهذا القرار، أنا رئيس الاتّحاد ومدير المعرض، وبعد الاطّلاع على الكتابين قرّرنا التحفّظ؛ لمجموعة من الأسباب؛ أنا غير مضطرّ إلى تقديم رؤية نقديّة لما قرأناه في هذين الكتابين، في المعرض بين مئتَي ألف عنوان وثلاثمئة ألف، تحفّظنا على هذين الكتابين، وقد نتحفّظ على كتب أخرى".

 

وائل أبو غربيّة: أخذنا السلطة من أنفسنا

من جهته، قال وائل أبو غربيّة، رئيس لجنة "معرض عمّان الدوليّ للكتاب"، إنّه "منذ عامين لم تمنع الجهات الرسميّة الأردنيّة أيّ كتاب؛ فقد سُمح بإخراج الكتب من الموانئ والمطارات إلى أرض المعرض مباشرة وفورًا، بلا تفتيش أيّ منها. أمّا نحن، إدارة المعرض، فنتقبّل أيّ رأي، إلّا أنّه يوجد العديد من الكتب الّتي لا يمكن تجاوزها، سواء في الدين أو الأخلاقيّات أو في ما يخصّ أخلاق الأسرة".

 

وائل أبو غربيّة، رئيس لجنة "معرض عمّان الدوليّ للكتاب"

 

وأضاف أبو غربيّة: "لم يتقدّم لنا أحد بطلب منع الكتابين؛ لذلك لن نقول إنّ ثمّة منعًا، ولكن أيّ كتاب يتجاوز الخطوط ... فنحن - لجنةً منظّمة - لا نقبله لأنفسنا ... أخذنا هذه السلطة من أنفسنا؛ لننظر في الكتاب الّذي لن يليق، ولن يعرض".

 

راجي بطحيش: يدّعون التنوير والتحرّر زورًا

بدوره، قال الروائيّ الفلسطينيّ ابن مدينة الناصرة، راجي بطحيش، صاحب رواية "يولا وأخواته": "إنّ الحدث صدمة"، وأضاف لفُسْحَة: "الغريب أنّ هذه الرواية أُطلقت قبل عام تمامًا في المعرض ذاته، وقد وقّعتها بنفسي، هذا الموقف غير مفهوم وغير مقبول، ولا سيّما أنّ الكتاب شارك خلال عام في معظم المعارض العربيّة، ولاقى رواجًا واستحسانًا؛ حتّى أنّ نسخه تكاد تنفد في فلسطين". 

 

الكاتب راجي بطحيش

 

وأضاف بطحيش: "الموقف غريب ويثير الحيرة أوّلًا، والشكوك الّتي أفضّل الاحتفاظ بها لنفسي ثانيًا، وخاصّة أنّ المضبطيّة الأخلاقيّة هذه، لم يكن مصدرها الدولة المضيفة للمعرض، بل أشخاص – كما يبدو - يدّعون التنوير والتحرّر زورًا".

 

المتوسّط: سكتوا عن منع رواية عبّاد يحيى في فلسطين، فوصل عمّان

قال خالد الناصري، صاحب "منشورات المتوسّط"، إنّ "إدارة المعرض تحفّظت على نسخ الروايتين، وقالت إنّها ستعيدها بعد انتهاء أيّام المعرض. لم تبدِ إدارة المعرض أسباب هذا التحفّظ، جاؤوا إلى الجناح، وطلبوا إزالة النسخ؛ لم نناقشهم في المنع أو التحفّظ، لا يوجد ما نناقشه في هذه الحالة؛ تنطلق ’المتوسّط‘ من وجهة نظر مختلفة في هذا الأمر، وسبب المنع وجهة نظرهم هم. أنا أعتقد أنّ منع رواية عبّاد يحيى وصل الآن إلى عمّان، بعد أن سُكِت عنه في فلسطين. ’المتوسّط‘ ضدّ المنع على الإطلاق، ولكلٍّ رأيه الخاصّ به، إنّ المضحك في الأمر أنّ نسخًا مزوّرة من رواية عبّاد يحيى، تملأ بسطات عمّان".

 

خالد الناصري، صاحب "منشورات المتوسّط"

 

وأضاف الناصري: "لن يؤثّر أيّ منع، سابق أو مستقبليّ، في سياسات ’المتوسّط‘ في النشر، قد يؤثّر فينا اقتصاديًّا، لكنّ مشروعنا ليس مشروعًا اقتصاديًّا أبدًا؛ هو مشروع نشر لما نؤمن به ونحبّه، وليس في اعتباراتنا أنّ ثمّة كتابًا يجب أن يُمنع، ليس لدينا هاجس جنسانيّ أو دينيّ أو غيره؛ معيارنا نقل الأدب الجميل الجيّد، الّذي ينقل رسالة إنسانيّة جميلة، ونحن منفتحون على جميع الأجناس الأدبيّة، وجميع الآراء والبشر. إنّ ما يجري من منع؛ لا شكّ في أنّه مؤسف، لكنّنا نؤكّد أنّنا نحترم آراء الدول الّتي تستضيفنا، ونلتزم قوانينها ومواقفها".

 

خالد جمعة: "أدفع عمري" لتقول رأيك

قال الشاعر الفلسطينيّ خالد جمعة لفُسْحَة، إنّه ضدّ المنع من حيث المبدأ، كي لا تصبح سابقة يقاس عليها، "لم أقرأ رواية راجي بطحيش، لكنّني قرأت رواية عبّاد يحيى، ورأيت فيها بعض الضعف التقنيّ والضعف في الصدق الفنّيّ، لكن هذا لا يعني منعها".

 

الشاعر خالد جمعة

 

وأضاف جمعة: "حين مُنعت ’جريمة في رام الله‘ في فلسطين؛ كتبت عن المنع وأنّني أقف ضدّه تمامًا؛ لأنّ الموافقة على منع عمل واحد تصبح سابقة، يقاس عليها منع أيّ عمل آخر في المستقبل؛ لهذا فإنّ وقوفي ضدّ منع عملٍ ما لا يعني إعجابي به؛ فقد أختلف معك؛ لكنّني ’أدفع عمري‘ لتقول رأيك".

 

رزان إبراهيم: الأدب سلطة قويّة يخافونها

عن فكرة المنع، سألت فُسْحَة الناقدة د. رزان إبراهيم؛ فأشارت إلينا برأيها الّذي كان قد نشرته، ونقتبسه هنا من صفحتها على فيسبوك:

"إنّ منعًا لبعض الروايات الّتي صرنا نتناقل أسماءها مؤخّرًا، يشكّل بالنسبة إليّ اعترافًا قويًّا، من الجهة المانعة، بالقدرة التأثيريّة العالية الّتي يحملها الأدب، بل أراني مع هذا التزايد في وتيرة المنع أكثر اقتناعًا، بأنّ الأدب سلطة قويّة، تملك من الإمكانيّات ما يجعلها قادرة على تحويل سلوكيّات البشر، بطريقة مباشرة وعمليّة. قديمًا لم يتوانَ أفلاطون عن طرد الشعراء من جمهوريّته، وهو فعل قديم جديد، يمارسه كلّ مَن يؤمن في داخله بأنّ الأدب يشكّل خطرًا بما يكفي، حتّى لمحو آثاره بل ونفي صاحبه لو أمكن. أذكر لتومبكنز قوله: ’إنّ الرجال يتوخّون العدل حين يطلقون نكاتهم؛ ولذلك فقد يتعرّضون للضرب والإهانة والتهديد، كما وقع لأحد الشعراء حين اعترضه ثلاثة أشخاص، استُؤجِروا للانتقام منه؛ إثر قصيدة هجاء سياسيّة كان قد قالها‘. وفي هذا المثال وغيره من أمثلة قديمة وجديدة ما يؤكّد ما قلناه.

 

الباحثة والناقدة رزان إبراهيم

 

وأضافت إبراهيم: "يبقى أنّ هذا المنع يأتي، في كثير من الأحيان، في معرض الحديث عن القيم الأخلاقيّة، وليس منّا مَن يدّعي بأنّه ضدّ هذه القيم، لكن ما يشغلني هنا هو السؤال الآتي: مَن ذا الّذي يملك معيارًا دقيقًا للحكم على ما هو خير وحقّ، قبالة ما هو شرّ وباطل؟ أسأل هذا السؤال بعد أن فوجئت ببعض العناوين الّتي مُنِعت حديثًا؛ ليبقى أنّ المنع من عدمه، لا يكون بمعزل عن مصالح فئة معيّنة، تخاف من سطوة الأديب وسلطته".

 

بلال النعيمي: خايفين من شو؟

في مكالمة هاتفيّة مع الصحافيّ والشاعر الأردنيّ بلال النعيمي، قال لفُسْحَة: "لماذا يمنعون الكتب؟ خايفين من شو؟ إنّ تفكير منع الكتب تفكير غير حديث؛ لم يعد أحد في العالم يمنع الكتب في أيّامنا هذه، نحن نحاول أن نلفت الانتباه إلى أيّ كتاب كي يقرأه الجمهور، في الوقت الّذي لدينا أزمة قراءة، أنا لا أفهم! لماذا يمنعون الكتب؟ وكيف يهدّد الكتاب؟ وكيف تهدّد الفكرة نظامًا اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو أيًّا كان؟".

 

الصحافيّ والشاعر بلال النعيمي

 

الرقيب الذاتيّ، والعيب، و"التابو"

يبدو أنّ قضيّة منع الروايتين، لا تتعدّى كونها رقيبًا ذاتيًّا لدى إدارة المعرض؛ فلا الدولة لها علاقة، ولا الرأي العامّ أثير ورفض، ولا الجهات الرسميّة اعترضت على هذين الكتابين. كلّ ما في الأمر، وكلّ ما يبدو عليه الأمر، أنّ إدارة المعرض، منفردة بسلطتها الّتي منحتها لنفسها، قرّرت منع ما لا تتّفق معه من فكر، وما لا يعجبها من أدب.

ثقافة الحظر والمنع والرقابة هذه، خطرة جدًّا على الوضع الثقافيّ، وعلى التحرّر الاجتماعيّ والإنسانيّ، ولا فائدة لها إلّا الحفاظ على ثقافات العيب والتطرّف والإقصاء، والعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء؛ ففي الوقت الّذي كان فيه أبو نواس يطرق ثيمات جنسانيّة في شعره، في ظلّ البلاط العبّاسي، تُحظَر الأعمال الروائيّة ذات المحتوى المشابه اليوم، في القرن الحادي والعشرين.

 

اقرأ أيضًا - ميس الريم | من رواية "يولا وأخواته"

اقرأ أيضًا - عبّاد يحيى: الكتاب رابح دومًا في معركته ضدّ القمع

 

في فلسطين، لا تزال رواية "جريمة في رام الله" محظورة، وقد يبدو للعيان أنّ هذا الحظر ناتج عن البنية التحتيّة الثقافيّة للمجتمع، وقد تكون هذه هي الذريعة الّتي تتذرّع بها البنية الثقافيّة الفوقيّة، بينما هي متواطئة وشريكة كاملة، بل عامل مساعد أيضًا للإبقاء على عناصر الهدم والتكبيل في المجتمع، وبينما تميل الجهات الّتي تطبّق الحظر دائمًا إلى الظهور بمظهر البريء، من مثل "إنّنا نتمنّى ألّا ندخل في مواجهة مع العالم"، ربّما لا تدرك أنّ هذه هي مهمّة البنية الثقافيّة والمعارض ودور النشر؛ هذه المهمّة الّتي تتجلّى في أن يواجه الكتاب مظاهر الجهل، وأن يواجه الكاتب ودار النشر مظاهر الرجعيّة وتخطّيها؛ من أجل كسر المحظورات المجتمعيّة، و"التابوهات الدينيّة والسياسيّة والجنسيّة أيضًا. كيف يمكننا أن نقول إنّ دور النشر ومعارض الكتب، تعمل على خلق ثقافة حقيقيّة، في الوقت الّذي ما زالت تعترف بهذه التابوهات وتتبنّاها؟

ملاحظة: ورد لـ"فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة" خبر من أحد مصادرها، باحتمال إعادة الكتب للعرض، ويُبحث في هذا خلال كتابة هذا التقرير، وهذا ما نأمل أن يحدث.

 

 

نداء عوينة

 

بدأت العمل الصحافيّ وكتابة المحتوى والتحرير عام 2008، نشرت العديد من المقالات في الصحف والمواقع العربيّة والفلسطينيّة. حاصلة على البكالوريوس في اللغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة، والدبلوم العالي في الإعلام، ودرجة الماجستير في دراسات التواصل الدوليّ، والدكتوراه في نقد الأدب العربيّ المعاصر.

 

 

 

 

التعليقات