13/05/2018 - 17:00

مفهوم الحرب لدى الأولاد وأبعادها النفسية

بالنسبة للصراع على الهوية في وقت الحرب يجب ان ننتبه لانتماء الولد والقومية وكل إشكاليات التعقيدات الناتجة عنها، صراع من هو (الطفل) وأين يشعر بالأمان أمام المصطلحات والصراعات، إسرائيل، العرب، الإرهاب وغيره..

 مفهوم الحرب لدى الأولاد وأبعادها النفسية

أجواء الحرب السائدة في المنطقة ومشاهد الدمار، بشاعة التشرد وهلع الأطفال، الدم، البكاء، الصراخ، الجوع، العطش، الموت ثم الموت. هذه المشاهد التي تحتل شاشات التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي والموجودة بمتناول كل الناس وكل الشرائح والأجيال بدون جهد وبكبسة هاتف خليوي يستطيع ان يشاهدها الجميع، تؤثر على الأولاد بشكل سلبي وتدخلهم في عوالم من التساؤلات والمخاوف. واليوم ونحن في أجواء حديث عن حرب حقيقية ممكن أن تحصل في كل لحظة، بناء على مناورات جادة وجارية على الساحة السياسية، وبغض النظر عن الأطراف المشاركة فيها. بناء عليه، وتحضيرا لهذه الحرب التي من الممكن ان تحصل، هنالك تساؤلات حول كيفية معالجة كل قضية التعامل مع الأولاد في ظل التكثيف "المارتوني" الإسرائيلي للتحضير لهذه الفترة على كافة الأصعدة، ومنها الدخول إلى المدارس وتعريض الطلاب في كافة الأجيال لهذه التدريبات القاسية، وكأن الحالة حالة حرب حقيقية، فكما علمنا من معلمي بعض المدارس(يحتفظ بأسمائهم) التي أجريت فيها هذه التدريبات تم التدرب على أطفال وكأنهم مصابين فعلا وتم إسعافهم (الافتراضي)، وحالات الهلع التي دخلوا بها المعلمين أنفسهم، ففي إحدى المدارس جرى حرق سيارة وكأنه حقيقي، وما كان من أحد الطلاب في الصف الأول، إلا أن سأل المعلمة أثناء التدريب "معلمتي أنا عنجد جريح ومصاب؟"

عن كيفية تعامل الأهل والمسؤولين في مثل هذه الحالة الصعبة توجهنا للدكتورة "صفاء غنادري نصر"، أخصائية نفسية، سألناها عن مفهوم الحرب لدى الأولاد، تعقيدات، طرق مساعدة للأهل والمربين فأجابت:

"مراعاة الجيل، الفوارق الفردية والصدق :

يجب الانتباه أثناء التوضيح والشرح للأولاد عن مفهوم الحرب لجيل الاولاد، فولد في جيل 6 سنوات يكون شرحنا مبسطا وسهل الاستيعاب، اما في جيل المراهقة، الإعدادية والثانوية فالأمر يختلف نستطيع أن ندخل معهم حتى في نقاشات سياسية أعمق.

أن نأخذ بعين الإعتبار مدى جاهزية الولد وحب الاستطلاع لديه فلا نحمله فوق وتيرة حبه للمعرفة عن الموضوع، أي يجب أن ندرك الفروق الفردية لدى كل ولد على حدة، مثلا ولدين في نفس الجيل ممكن واحد ان يستكفي بشرح بسيط وأجوبة صغيرة، وآخر يريد أن يعرف أكثر ويتعمق أكثر، ودور الأهل هنا ألا يعطوا معلومات أكثر من اللازم، حيث يكون الطفل نفسه موجِها لأجوبتنا له، وأجوبتنا بشكل عام يجب أن تكون مطمئنة له.

إجابتنا وحديثنا معه يجب أن يكون صادقا، لا نكذب عليه ولا نعده بأمور ممكن ألا تحدث، أو نعده بأنه لا يوجد حرب وتقع حرب فهو بذلك يفقد ثقته بنا، ولا نعطي أجوبة غير دقيقة بهدف طمأنته، ممكن بسهولة أن نقول اننا لا نعرف أو سوف نسأل عن الموضوع ولكن لا نكذب عليه.

عن مفهوم الحرب:

كون الموضوع متشعبا يجب مراعاة :

1- ماذا يعرف الولد عن الموضوع، ماذا سمع وأين، وهنا من الممكن أن نساعده بتوجيهنا له عن أمور خاطئة وغير صحيحة وغير واضحة، نشجعه أن يسأل أي سؤال يواجهه ويخاف منه ,ان نتحدث عن الحرب بأنها شيء غير محبذ ومخيف ومقلق، وأحيانا تحدث أشياء سلبية خارج سيطرتنا كأهل، وكل هذه المترادفات السلبية لكلمة الحرب.

2- يجب أن نعطي شرعية لتخوفاته ومشاعر الغضب لديه ، وممكن أن تبرز تساؤلات عن مفهوم الحياة بشكل عام، هل هي آمنة أم لا.

3- يجب أن نعطيه معلومات عن الحرب أيضا وكيف يمكن أن يتصرف في أوقات الخطر، أن تكون نظرة موازية للمشكلة لكي تساعد الولد للتغلب على مفهوم الحرب، ولكن مع الشرح يجب المحافظة على تلك "السذاجة" الموجودة لديه ولا نعطيه "جرعات زائدة".

4- بالنسبة للتعامل مع موضوع الحرب والتدريبات القاسية في المدارس والتهيئة للحرب بشكل مبالغ به ويتخطى الحدود الحمراء كحرق سيارة مثلا وإطفاؤها أمامه، الطفل عندما يرى تلك المشاهد من الصعب ان يميز بين حقيقة وتمثيل ويتبلبل في تلك اللحظة، وتكون مشاهد التمثيل بحد ذاتها حادة وصعب عليه استيعابها عاطفيا ولكن حتى لو حدث ذلك الأمر، يعتمد جدا على البالغين كيف نعطيه مجالا لتصفية مشاعره أزاء ذلك، ونعطي الحجم الطبيعي للحدث وليس أكثر، وهنا تقع المسؤولية على الناس البالغين ومتخذي القرارات، يجب أن تكون توعية ولكن ليس أكثر من اللازم.

صراع الهوية:

بالنسبة للصراع على الهوية في وقت الحرب يجب أن ننتبه لانتماء الولد والقومية وكل إشكاليات التعقيدات الناتجة عنها، صراع من هو (الطفل) وأين يشعر بالأمان أمام المصطلحات والصراعات، إسرائيل، العرب، الإرهاب وغيره، أسئلة تراوده، "من يحميني، من صديقي"، يجب أن نعطي شرعية ومكانا وحوارا لكل هذه التساؤلات، وفي أغلب الأحيان هذه الأسئلة لا تعطيها المدارس مكانا والمجتمع بشكل كافٍ، ومن المهم البدء بطرحها وهنا تقع مسؤولية على الأهل بشكل خاص، حين يجد الولد نفسه أمام معضلة كونه عربيا يتحدث هذه اللغة والحرب القائمة مع العرب، فيسأل ، "أنا من يدافع عني" أمام الشرطي أو الجندي الإسرائيلي والسلطات الأخرى وكل ما إلى ذلك من صراعات.

توجيهات للأهل في هذه المرحلة:

* حوار مفتوح دائما مع الولد كأن نسأله "كيف كان يومك؟ ماذا مرعليك في هذا النهار؟ نستفهم عن صعوبات أو أسئلة غير مفهومة بالنسبة له"، يجب أن تكون قنوات تواصل مستمرة معه كي نستطيع مساعدته لاستيعاب الأشياء.

* أن نتخذ كل الخطوات التقنية وخطوات الأمان وأن نعطيه السبل الكافية لطرق التواصل معنا أو مع اناس بالغين في محيطه وقت وجود مشكلة، أو  في ساعات الطوارئ.

* أن ننتبه للجوانب الأعمق، النواحي العاطفية، التحدث عن كل مشاعر الخوف والقلق والتوتر ونشركه نحن أيضا بمشاعرنا المماثلة بعدم وضوح الصورة ونكون صادقين معه، ولكن يجب أن نعطيه الشعور "بالإتكال" علينا "نحن بجانبك لا نتركك ونعرف كيف سنتصرف"، "إسأل الأسئلة ونحن سنجيبك"، نعطيه شعور بالراحة والأمان.

* في حال وجدت تفاعلات لا نستطيع معالجتها مثلا اذا أصبح الولد منطويا، لا يأكل، يعود إلى التبول الليلي ، تراوده كوابيس مزعجة، فلا نخجل بالتوجه لاستشاره مهنية.

* ومن المهم في هذه المرحلة التعاون بين طواقم المدرسة والأهل ويكون مجال لحوار ونقاش وتنسيق الأمور."

 

د.صفاء غنادري نصر

 

 

 

أخصائية في علم النفس العلاجي

التعليقات