خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة
تاريخيًّا، تأصّلت الممارسات الاستعماريّة الغربيّة في الحركة السياحيّة؛ إذ وُظِّفت الإجازات والرحلات أدواتٍ دعائيّةً سعت إلى شرعنة الاستعمار ونشر روايته حول المستعمِر والمستعمَر. لذلك، يمكن النظر إلى السياحة باعتبارها أداة لنقل السرديّات والتصوّرات، الّتي تُعيد تشكيل الناس والأماكن والماضي وهندستها، وتأكيد هذه السرديّات والتصوّرات بطريقة مُسيَّسة. غالبًا ما ينكشف السيّاح على رواية أحاديّة الجانب، تخضع بالضرورة لعلاقات القوّة. وفي فلسطين، لم تكن السياحة منفصلة عن هذا السياق، ويمكن من خلال تتبّع الجذور الأولى للممارسات الصهيونيّة في فلسطين، أن نفهم كيف سعت – وتسعى - الصهيونيّة إلى توظيف السياحة في خدمة مشروعها الاستعماريّ.
مفتتح صناعة «أرض إسرائيل»
مطلع القرن العشرين، ومن خلال وكلائهم ووسطائهم من المرشدين العرب، سيطرت وكالات السفر الدوليّة على القطاع السياحيّ في فلسطين. أدّت وكالة «Thomas Cook & Son» دورًا مهمًّا في جذب السيّاح الأوروبّيّين والأميركيّين الأثرياء، وصمّمت لهم مسارات الرحلة بالتركيز على الآثار القديمة والمواقع الإسلاميّة والمسيحيّة ذات الأهمّيّة.
توحّدت جهود الهيئات الصهيونيّة، مثل «مركز المعلومات الصهيونيّ» و«دائرة التجارة والصناعة» التابعة للمنظّمة الصهيونيّة العالميّة، في تطبيع وجود المستوطنين في فلسطين، وفي نشر بروباغندا صهيونيّة في صفوف السائحين الأوروبّيّين والأميركيّين...
في ظلّ ما تقدّم، وبدافع تطويع السياحة في خدمة مشروعها الاستعماريّ، حاولت المنظّمات الصهيونيّة السيطرة على قطاع السياحة، من أجل توفير منصّة تستطيع من خلالها استبدال صورة يهوديّة التوجّه بالصورة العربيّة والإسلاميّة لفلسطين. شرع «مركز المعلومات الصهيونيّ للسائحين» (לשכת המודיעין הציונית לתיירים)، الّذي تأسّس عام 1925 في القدس، شرع في حملة لإعادة تصوّر فلسطين وإعادة ترتيبها لتصبح الدولة اليهوديّة المستقبليّة.
عام 1932، ضغط المركز على وكالة «Thomas Cook & Son» وغيرها من منظّمي الرحلات السياحيّة لبدء التعاقد مع الفنادق والسائقين والمرشدين اليهود، من أجل دعم القضيّة الصهيونيّة. طوّر المركز خرائط وكتيّبات إرشاديّة جديدة، ركّزت على إبراز إنجازات المهاجرين الصهاينة: زيارات إلى الكيبوتسات والمصانع اليهوديّة والمزارع وما إلى ذلك. وبهذه الطريقة استهدفت المنظّمات الصهيونيّة جذب استثمارات جديدة من يهود الشتات وأنصار الصهيونيّة من غير اليهود، وفي الوقت نفسه تحفيز السائحين اليهود على البقاء في «أرض إسرائيل» بعد زيارتهم[1].
توحّدت جهود الهيئات الصهيونيّة، مثل «مركز المعلومات الصهيونيّ» و«دائرة التجارة والصناعة» التابعة للمنظّمة الصهيونيّة العالميّة، في تطبيع وجود المستوطنين في فلسطين، وفي نشر بروباغندا صهيونيّة في صفوف السائحين الأوروبّيّين والأميركيّين، تسهم في خلق رأي عالميّ داعم لقيام الكيان الصهيونيّ. والجدير ذكره أنّه في أثناء الحرب العالميّة الثانية، قدّمت الهيئات الصهيونيّة ما يمكن تسميته «سياحة عسكريّة» للجنود الأوروبّيّين الموجودين في فلسطين في تلك الفترة، في سبيل خلق أداة دبلوماسيّة وتأييد عالميّ للصهيونيّة.
السائح متورّطًا
بعد ما يقارب مئة عام من الاستيطان الصهيونيّ في فلسطين، ومع تحوّل السياحة إلى ركن أساسيّ في الاقتصاد الإسرائيليّ؛ إذ بلغت مساهمة هذا القطاع 22 مليار دولار (5.6%) من الناتج المحلّيّ الإجماليّ لعام 2019، وارتفعت أعداد السائحين الوافدين إلى الكيان الصهيونيّ من 2.9 مليون سائح عام 2016 إلى 4.5 مليون سائح عام 2019[2]، كرّست سلطات الاستعمار دور السياحة في خدمة أهدافها ومشاريعها الاستيطانيّة، وفي جعل السياحة منبرًا تبثّ من خلاله البروبغندا الاستعماريّة والأيديولوجيا الصهيونيّة حول «أرض إسرائيل» المختلَقة.
يصل معظم السائحين إلى فلسطين عبر الوكالات السياحيّة الإسرائيليّة، الّتي ترسلهم للإقامة في الفنادق الإسرائيليّة، وتناول الطعام في المطاعم الإسرائيليّة، والتسوّق في الأسواق الإسرائيليّة، دون أن يُصْطَحَبوا لزيارة الشقّ الشرقيّ من القدس، ونادرًا ما يلتقون بالفلسطينيّين. فمثلًا، عام 2016، ومن مجمل عدد السيّاح الّذين زاروا فلسطين، والبالغ عددهم 2.9 مليون، مكث ما نسبته 20% فقط منهم ليلة واحدة في فنادق الشقّ الشرقيّ من مدينة القدس؛ إذ عادة ما تتابع وكالات الحجز الدوليّة الدعاية السياحيّة الإسرائيليّة، وتعرض الشركات والجولات الإسرائيليّة بشكل حصريّ تقريبًا.
يصيب هذا الواقع الفلسطينيّين سياسيًّا واقتصاديًّا، ويبقي السرد الفلسطينيّ غائبًا تمامًا عن التجربة السياحيّة السائدة؛ فالسائحون لا يرون الاحتلال ولا يعرفون عنه، لا يتعرّضون لسياسات التهجير الّتي تستهدف الفلسطينيّين في القدس. لا ينفق السائحون الأموال على الشركات الفلسطينيّة، ويدعمون - بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان - الخطط الإسرائيليّة لخنق الاقتصاد الفلسطينيّ في المدينة، وتهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين منه.
انتفاع الشركات من الاقتلاع
تُغيِّب الخرائط السياحيّة الّتي تصدرها الجهات الإسرائيليّة الوجود الفلسطينيّ في المدينة؛ إذ يقتصر التمثيل السياحيّ للخرائط على الشقّ الغربيّ من مدينة القدس، وتنقل الثقل المدينيّ والسياحيّ إليه. في ما تنحسر تجربة السائح في الشقّ الشرقيّ من المدينة بزيارة البلدة القديمة. وفي هذا السياق نذكر أنّ الحركة السياحيّة نحو البلدة القديمة في القدس تكون في أغلبها عبر «باب الخليل»، حيث تتكثّف في محيطه المعالم والمرافق السياحيّة والأثريّة والترفيهيّة، الّتي أُعطيت الصبغة الصهيو- يهوديّة، وتُقام النشاطات والمهرجانات الإسرائيليّة، حتّى بات يوصف بـ «الجزء الإسرائيليّ» الأكثر زيارة ونشاطًا في البلدة القديمة.
وتتكالب على إلغاء الفلسطينيّين وإنكارهم أيضًا الشركات العالميّة الكبرى، كشركة «Google»، وتطبيق التنقّل «Waze»، اللتين توجّهان حركة السائح مرورًا بالمستعمرات الصهيونيّة، وبعيدًا عن التجمّعات الفلسطينيّة. وتنتهي الحدود الوهميّة للخرائط الّتي تقدّمها هذه الشركات عند جدار الضمّ والتوسّع، كأنّ ما يقوم بخارجها مُعْدَم الوجود.
تغذّي الشركات الرأسماليّة المعولمة الاستعمار، وتنتفع منه اقتصاديًّا وتفيده في المقابل. وتكرّس بذلك تطبيع المستعمرات على الأراضي الفلسطينيّة، وتعزّز عمليّة المحو والإلغاء لكلّ ما هو فلسطينيّ...
على صعيد آخر، تقدّم شركة «Airbnb» نموذجًا آخر على انتفاع الشركات العالميّة من اقتلاع الفلسطينيّ ومن استعماره؛ إذ تُدْرِج الشركة، الّتي تُعَدّ الأبرز عالميًّا لاستئجار أماكن الإقامة لفترات قصيرة، تُدْرِج على موقعها الإلكترونيّ بيوتًا وشققًا للإيجار القصير المدى، تقع داخل المستعمرات الصهيونيّة المقامة على أنقاض القرى والأحياء الفلسطينيّة. أمّا الأكثر إيلامًا، فهو إدراجها بيوت لاجئين فلسطينيّين نجت من الهدم خلال حروب النكبة، وتسويقها كقبلة للسائحين تُمَكِّنُهُم من خوض "تجربة استشراقيّة ساحرة"، من خلال طابع الأصالة الّذي تتميّز به هذه البيوت.
في المحصّلة، تغذّي الشركات الرأسماليّة المعولمة الاستعمار، وتنتفع منه اقتصاديًّا وتفيده في المقابل. وتكرّس بذلك تطبيع المستعمرات على الأراضي الفلسطينيّة، وتعزّز عمليّة المحو والإلغاء لكلّ ما هو فلسطينيّ، من خلال تطويعها للتجربة السياحيّة للزائر في الأرض المحتلّة.
استيطان سياحيّ
إلى جانب ذلك، تتسارع في السنوات الأخيرة في مدينة القدس، المشاريع الاستيطانيّة ذات الطابع السياحيّ، الّتي تسهم في حصر القرى والأحياء المقدسيّة وخنقها، وإعاقة نموّها وتمدّدها العمرانيّ، فضلًا على السيطرة والتشويه البصريَّيْن اللذين من شأن هذه المشاريع إحداثهما في المدينة.
أ. «مخطّط القطار الهوائيّ» ومخطّطات أخرى
لعلّ أبرز المشاريع الّتي توضّح ما سبق ذكره، «مخطّط القطار الهوائيّ» (Jerusalem Cable Car)، الّذي طُرِح للمرّة الأولى عام 2007، ويهدف إلى جعل "القدس مدينة ذات حضور يهوديّ في ذهن السائح والزوّار"[3]، من خلال استحداث نقاط جذب سياحيّ معزَّزة بمتاحف عن التاريخ اليهوديّ، تعيد الهندسة البصريّة والهويّاتيّة للبلدة القديمة الصاخبة - تاريخًا وبصريًّا - بهويّتها العربيّة وبمعالمها الإسلاميّة والمسيحيّة.
حسب المخطّط النهائيّ (2017) سينطلق مسار القطار الهوائيّ على مرحلتين: الأولى تنطلق من محطّة القطار العثمانيّ غربيّ المدينة، وتصل إلى «مجمع كيديم» في سلوان. أمّا المرحلة الثانية فتمتدّ من «مجمع كيديم» إلى «بركة سلوان» جنوبًا في «حيّ وادي حلوة»، ثمّ «المقبرة اليهوديّة» المُقامة على السفح الجنوبيّ الغربيّ «لجبل الزيتون»، وصولًا إلى المحطّة الأخيرة قرب «الكنيسة الجثمانيّة».
أمّا على صعيد التخطيط والاستيطان، فقد تخلّل المخطّط تغييرات مهمّة على صعيد البنية التحتيّة والمواصلات، من خلال استحداث شبكة من الطرق والشوارع والجسور تسير بالزائر نحو المراكز التهويديّة، من دون المرور بالطرقات المعتادة مثل «باب العمود» أو باب الخليل، في محاولة للسيطرة على الوجود من خلال فرض واقع فوق جغرافيّ؛ وهو ما يقود إلى تغييب «البلدة القديمة» كاملة عن تجربة الزائر، وتشريبه «قدسًا يهوديّة» بشكل خالص، وما يستتبع ذلك من آثار اقتصاديّة في التجّار المقدسيّين في البلدة القديمة، الّذين تشكّل الحركة السياحيّة مصدرًا أساسيًّا في دخلهم.
ب. الحدائق القوميّة
تقدّم «الحدائق القوميّة» نموذجًا آخر على توظيف المشاريع السياحيّة في خدمة الاستيطان. في العادة، وحسب تعريف القانون الإسرائيليّ، فإنّ منطقة ما تُعْلَن «حديقة قوميّة» عندما تحتوي مكتشفات أثريّة أو معالم طبيعيّة مميّزة، كالغطاء النباتيّ النادر مثلًا، إلّا أنّ مجمل المناطق المعلنة «حديقة قوميّة» في محيط مدينة القدس، لا يحوي أيًّا من ذلك. في المقابل، فإنّ إعلان تلك الأراضي «حديقة قوميّة»، يحرم الفلسطينيّين من إمكانيّة البناء فوقها، ويخلق امتدادًا جغرافيًّا - يعادل آلاف الدونمات - خاليًا من العمران الفلسطينيّ.
تعاني مدينة القدس من عشرات الحدائق القوميّة؛ «قرية لفتا» المهجَّرة غرب القدس حُوِّلت إلى حديقة قوميّة، أراضي «قرية الولجة»، جنوب القدس، أُعلنت حديقة قوميّة تهدّد بحرمان أهلها من زراعة أراضيهم أو حتّى الوصول إليها. أمّا في وسط القدس، حيث تتكثّف وتتّضح أكثر الوظيفة السياسيّة الاستيطانيّة لهذه الحدائق، فنجد حديقتين رئيسيّتين تحيطان بالبلدة القديمة: «الحديقة القوميّة في وادي الصوّانة»، و«الحديقة القوميّة حول أسوار القدس»، وأربع حدائق أخرى، على الأقلّ، في طور التخطيط والتنفيذ، مثل «الحديقة القوميّة في منحدرات جبل المشارف»، والحدائق القوميّة في كلٍّ من «حيّ باب الساهرة»، و«حيّ الشيخ جرّاح»، و«جبل الزيتون»، وغيرها[4].
من الناحية الوظيفيّة، وبموازاة نشاط استيطانيّ يهدف إلى تطويع الآثار والتاريخ لصالح الأيديولوجيا الصهيونيّة الاستيطانيّة، تروّج «الحدائق القوميّة الإسرائيليّة» كقبلة لحركة سياحيّة موجّهة، تعمل على ربط المستوطن والسائح بـ «أرض إسرائيل»، من خلال رواية مضلِّلة، تمحو كلّ ما هو عربيّ وإسلاميّ.
سياحة تحرّريّة
لمّا كانت السياحة وسيلة توظّفها الصهيونيّة في خدمة المشاريع الاستعماريّة في فلسطين عامّة والقدس خاصّة، فإنّ كلّ جهد فلسطينيّ يطوّر برامج وأفكارًا ذات صلة بالسياحة، تسهم في تعرية الصهيونيّة وتعزيز صورة فلسطين الحضاريّة والإنسانيّة، يندرج ضمن سياحة تحرّريّة من شأنها أن تتحوّل إلى وسيلة مناهضة للاستعمار الإسرائيليّ.
من الناحية الوظيفيّة، وبموازاة نشاط استيطانيّ يهدف إلى تطويع الآثار والتاريخ لصالح الأيديولوجيا الصهيونيّة الاستيطانيّة، تروّج «الحدائق القوميّة الإسرائيليّة» كقبلة لحركة سياحيّة موجّهة، تعمل على ربط المستوطن والسائح بـ «أرض إسرائيل»، من خلال رواية مضلِّلة...
يحيل مصطلح «السياسة التحرّريّة» إلى السياحة الأخلاقيّة والإنسانيّة والثقافيّة التحرّريّة، من حيث إستراتيجيّاتها وأهدافها وغاياتها وطموحها[5]، وهي بذلك تتعدّى الصورة التقليديّة المرتبطة بالسياحة المقتصرة حصرًا على السائح الأجنبيّ؛ إذ تستهدف السياحة التحرّريّة السائح الفلسطينيّ، وتعيده إلى أرضه من خلال إعادة رسم المحدّدات الّتي تجمع بينهما، فتُبْعَث علاقة الفلسطينيّ بأرضه من جديد، ويستشعر جماليّات المكان وشاعريّته؛ ففلسطين للفلسطينيّ موضع امتلاك، سيسعى دائمًا للإحاطة بها تاريخيًّا ومعرفيًّا وجغرافيًّا، فهو يدرك أنّ امتلاكها يبدأ من هنا: "تجوّل في الأرض تمتلكها"، هذا ما تنادي به مجموعة «تجوال سفر» الشبابيّة التطوّعيّة، وهي واحدة من مجموعة مبادرات مشابهة أخذت تنشط في فلسطين في السنوات الأخيرة.
يحمل المتجوّلون قضيّتهم، لا من خلال شعارات سياسيّة مستهلكة، بل من خلال ممارسة هي في جوهرها سياسيّة، تحيي قِيَم المجتمع وعاداته الأصيلة، وتنتج معرفة يُعاد تمريرها نحو كلّ المجتمع.
أمّا على المستوى الآخر - السائح الأجنبيّ - فمن خلال سياحة تحرّريّة، يتعرّف السائح أو الزائر تاريخ فلسطين وتراثها الإنسانيّ، ويُؤْخَذ السائحون إلى المواقع والمناطق الفلسطينيّة المستعمَرة، وتُوَضَّح الصورة والخطاب الاستعماريّ الصهيونيّ في فلسطين المتجسّد في المعمار الصهيونيّ الاستيطانيّ، وتُفَكَّك الرواية الاستعماريّة، وتُقَوَّض المقولة الاستشراقيّة المُمَرْكَزَة أوروبّيًّا.
أ. جولة سياسيّة
في القدس، انضوت الجهود تحقيقًا لذلك؛ إذ توظّف الجولة السياسيّة الّتي طوّرتها «مؤسّسة الجذور الشعبيّة المقدسيّة» - والّتي أختارها نموذجًا من موقع لصيق بتفاصيل عملها - أطلقت جولة ميدانيّة تتألّف من 6 محطّات، سرديّة وخطابًا، يتناسبان والواقع الاستعماريّ الّذي تعيشه المدينة؛ فتُحْكى حكايتها منذ أن طالتها إرهاصات الاستعمار الصهيونيّ الأولى، أواخر القرن التاسع عشر، حتّى يومنا هذا، ويُعاد تعريف السائح بقضايا المجتمع المقدسيّ وقضيّته الفلسطينيّة.
ومن خلال الجولة السياسيّة، يرى السائح آثار الاستعمار الصهيونيّ في المجتمع والإنسان والتاريخ والجغرافيا والبيئة المقدسيّة؛ فيزور موقع «جدار الضمّ والتوسّع»، ويرى المستعمرات الّتي قامت وتقوم على ما كان يومًا بيتًا فلسطينيًّا، فيتوضّح للسائح كيف دمّر الاستعمار فضاء المقدسيّين، واقتلع أشجارهم، وهدم بيوتهم، وسرق أرضهم، وهدّد اقتصادهم، وعزلهم مُقَطَّعي الأوصال.
تعيد الجولة رسم خريطة القدس من جديد، كلّ القدس، حيث لا جدار، ولا مستعمرة، ولا شارعًا استيطانيًّا يخترقها.
ب. «وجود»
من حصيلة جهودها في دعم حركة سياحيّة تحرّريّة، في فلسطين عامّة والقدس خاصّة، أطلقنا في «مؤسّسة الجذور الشعبيّة المقدسيّة» الدليل السياحيّ – السياسيّ «وجود»[6].
لا يقتصر ما يقدّمه الدليل على معلومات سياحيّة تفيد السائح أو الزائر في المدينة، بل يتعدّاه ليشكّل كتابًا معرفيًّا حولها؛ فمن جانب يؤكّد «وجود» على السرديّة التاريخيّة، لا للمدينة فقط، بل للمحافظة، كما كانت حدودها قبل عام 1948، ومن جانب آخر، يعيد توجيه السائح إلى الفنادق والأسواق والمواقع، الّتي تغيّبها سلطات الاستعمار والشركات العالميّة المتواطئة.
ختامًا...
تُعَرَّف السياحة بأنّها ممارسة استهلاكيّة سياسيّة عابرة للحدود، ومن خلال سياحة تحرّريّة، يمكن تصويب مخيال السائح الأجنبيّ تجاه القضيّة الفلسطينيّة، وقضايا الاستعمار والاستشراق الّتي تبلورت وفق منظومة سياسيّة ودوليّة وتحالفات عالميّة؛ وهو ما يدفع نحو خلق حالة من المناصرة العالميّة للقضيّة الفلسطينيّة، بوصفها قضيّة عدالة إنسانيّة.
..........
إحالات:
[1] Dorien Vanden Boer, “Toward Decolonization in Tourism: Engaged Tourism and the Jerusalem Tourism Cluster”, Jerusalem Quarterly, no. 65 (2016): 9.
[2] Maya Margit/ The Media Line, “Israel’s battered hotel sector shows signs of modest recovery”, 08/09/2020, Last Accessed 03/10/2020, at: https://bit.ly/2GDDw6M.
[3] زياد إبحيص، "تخريب أفق القدس: مشروع حكومة الاحتلال لإنشاء قطار هوائيّ في محيط البلدة القديمة في القدس"، 3/12/2019، شوهد في 03/10/2020، في: https://bit.ly/30yvofg.
[4] هنادي قواسمي، "الحدائق القوميّة... الاستيطان باسم الطبيعة"، متراس، 12/10/2019، شوهد في 03/10/2020، في: https://bit.ly/2HUG6WU.
[5] أحمد عزّ الدين أسعد، "السياحة البديلة: في سياسات التحرّر الفلسطينيّ"، شبكة قدس الإخباريّة، 19/09/2013، شوهد في 03/10/2020، في: https://bit.ly/34qaRdK.
[6] "وجود – الدليل السياحيّ السياسيّ للقدس"، الجذور الشعبيّة المقدسيّة، شوهد في 03/10/2020، في: https://bit.ly/2Gf8Lpj.
تُنْشَر هذه المادّة ضمن ملفّ «العاصمة»، الّذي تخصّصه فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لتسليط الضوء على الفعل الثقافيّ في مدينة القدس، والمتعلّق بها، وذلك بالتزامن مع الذكرى العشرين «لانتفاضة القدس والأقصى»، وفي ظلّ السياسات الحثيثة والمتزايدة لنزع فلسطينيّة وعروبة المدينة.
من مواليد القدس، تعمل باحثةً في مؤسّسة «الجذور الشعبيّة المقدسيّة».