وفد غزّة إلى معرض فلسطين الدوليّ للكتاب: للخلف در

معرض فلسطين الدوليّ للكتاب - الدورة العاشرة

 

من المقرّر أن تفتتح وزارة الثقافة الفلسطينيّة غدًا الخميس، 3 أيّار (مايو) 2018، معرض فلسطين الدوليّ للكتاب بدورته الحادية عشرة، على أرض المكتبة الوطنيّة في سُردا، قرب رام الله، من دون حضور أيّ من الكتّاب والمشتغلين في الحقل الثقافيّ من قطاع غزّة، بما في ذلك دور النشر، في الوقت الذي ستشارك فيه قرابة المائة وثمانين دار نشر، ومجموعة من الكتّاب العرب.

ورفض الاحتلال الإسرائيليّ إصدار تصاريح مرور إلى رام الله، لنحو 60 كاتبًا ومشتغلًا في الحقل الثقافيّ من غزّة، للمشاركة في معرض الكتاب، وسط شكوك لدى البعض بأن يكون ذلك الرفض جزءًا من أهواء وإرادات طرفي الانقسام الفلسطينيّ، فتح وحماس، فيما نفى آخرون هذا الشكّ جملة وتفصيلًا.

 

غياب الجدّيّة وتحمّل المسؤوليّة

على أثر ذلك، قدّمت مجموعة من كتّاب غزّة، خلال مؤتمر صحافيّ عقد الخميس الماضي، عريضةً للتوقيع، حملت توقيع "كتّاب مبعدون"، رفضًا لما أسموه ممارسات الاحتلال في حقّ المواطن الفلسطينيّ بعامّة، والمثقّف بخاصّة، من إجراءات تعسّفيّة، من خلال محاولاته المستمرّة هدم روابط التواصل الثقافيّة بين مفكّري الوطن، والتعتيم على المثقّفين والمبدعين الفلسطينيّين، ومع غياب الدور الجدّيّ للمؤسّسة الرسميّة ومسؤوليّاتها تجاه الكتّاب وكلّ مَنْ يحمل راية الثقافة.

 

من أعمال معرض فلسطين الدوليّ للكتاب عام 2016

 

وشجب الكتّاب هذا الفعل الذي قالوا إنّه يدمّر اللُّحمة الثقافيّة الوطنيّة، والمشهد الثقافيّ الفلسطينيّ الذي يمثّل ضلعًا من أضلع النضال ضدّ الممارسات والانتهاكات كافّة، التي تُرتكب بحقّ القضيّة الوطنيّة الجامعة، داعين المؤسّسات الرسميّة، والمنظّمات الدوليّة، والجهات المعنيّة المختلفة، إلى أجل وقف هذا الإذلال بحقّ المواطن والمثقّف الفلسطينيّ، إذ يُعّدّ انتهاكًا لحقوق إنسانيّة أساسيّة، مثل حرّيّتي التنقّل والتعبير عن الرأي.

وجاء في العريضة التي وقّع عليها أكثر من 200 كاتب، أنّه يترتّب على مؤسّسات الرئاسة، والحكومة، ووزارة الثقافة، إيلاء هذا الطرح الاهتمام الجادّ، وعدم التسليم للاحتلال برفضه ومنعه مشاركة كتّاب ومثقّفي قطاع غزّة في أعمل المعرض للمرّة الرابعة على التوالي، من دون إبداء أيّ ردّة فعل حقيقيّة تجاه ذلك. مؤكّدين على أنّ المؤسّسات الرسميّة مطالبة بإيجاد الحلّ والمخرج في مثل هذه الإرهاصات الساعية إلى إفشال هذه التظاهرة الثقافيّة، وأنّه من غير المقبول ألّا تستطيع الحكومة ووزارة الثقافة تطبيق وتحقيق أبسط المهام المنوطة بها.

 

رفض احتلاليّ

في المقابل، كتب الشاعر هاني السالمي منشورًا في فيسبوك، نقلًا عمّا أسماها "مصادر خاصّة"، قال فيه: "سبب رفض كتّاب غزّة للمشاركة في معرض الدوليّ للكتاب في رام الله، تأخّر إرسال أسماء المشاركين للتنسيق، وهذا كان متّفقًا عليه من إدارة المعرض (مقصودة)... شكرًا... الأيّام دول".

بينما ذهب رئيس دار خطى للنشر، الشاعر محمود ماضي، إلى وجهة نظر مخالفة، إذ قال: "قامت الوزارة بعمل دعوات رسميّة لعدد من الكتّاب والناشرين في قطاع غزّة، وكان بإمكانها ألّا تفعل ذلك من الأساس، لكنّ الرفض جاء من الاحتلال".

 

الشاعر محمود ماضي

 

وعَدّ ماضي في حديثه إلى فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، أنّ قرار المنع، من وجهة نظره، يأتي استمرارًا لسياسة الاحتلال بحصار قطاع غزّة والتحكّم بحركة المواطنين، ومنعهم وحجبهم عن العالم، مؤكّدًا على أنّ هذه السياسة غير مقتصرة على الكتّاب أو المثقّفين، بل تمتدّ لتشمل فئات المجتمع كافّة، من مرضى، أو طلّاب، أو غيرهم.

وأوضح أنّ حضور وفود فلسطينيّة مختلفة لمعرض الكتّاب، سواء من قطاع غزّة أو الأراضي المحتلّة عام 1948، أو الشتات، سيعزّز من نجاح المعرض، "وهو أمر ستسعى الوزارة إلى تحقيقه وإنجاحه، لكن، للأسف، لا سلطة لفلسطين على معابرها، والمتنفّذ الأساسيّ هو الاحتلال".

 

انتقام جماعيّ

أمّا رئيس اللجنة المدنيّة في قطاع غزّة، صالح الزقّ، فقدّم تفسيرًا لمسألة الرفض، قائلًا: "إنّ سبب منع 60 مثقّفًا وكاتبًا من مغادرة قطاع غزّة يعود للشروط التي تضعها إسرائيل على الفلسطينيّين دون الـ 55 عاما". وأضاف الزقّ في تصريح لـ "وكالة سوا" الغزّيّة، أنّ أيّ فلسطينيّ دون الـ 55 عامًا يقدّم طلب خروج من قطاع غزّة، يخضع طلبه للفحص الأمنيّ لدى الاحتلال.

 

صالح الزقّ

 

وأوضح أنّ الطلبات التي ترسلها الهيئة للإسرائيليّين، ولا سيّما المتعلّقة بالتوجّه إلى الضفّة الغربيّة، تشترط أن يكون ما بين تقديم الطلب لإسرائيل وموعد المغادرة 60 - 65 يومًا للأشخاص دون سنّ الــ 55، بسبب إخضاعها للفحص الأمنيّ، مبيّنًا أنّ الاحتلال رفض جميع الأسماء التي دعتها وزارة الثقافة للحضور إلى رام الله حتّى تشارك في أعمال المعرض، كما قال، ما يعني أنّ الرفض بمثابة الانتقام الجماعيّ.

 

لا نخضع لمقاييس الاحتلال

وقال رئيس اللجنة المنظّمة لمعرض الكتاب، عبد السلام العطاري: "يجب ألّا ننساق خلف رواية الاحتلال، وهو فعليًّا لا يحتاج إلى ذرائع حتّى يمنع كتّاب غزّة من المشاركة في أعمال المعرض"، مؤكّدًا على أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي يمنع فيها الاحتلال كتّاب ومثقّفي غزّة من المشاركة في فعاليّات وأنشطة ثقافيّة تعقد في الضفّة الغربيّة.

وشرح العطاري تفاصيل الدعوة لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، قائلًا: "قدّمنا لائحة تزيد عن 60 اسم لكتّاب ومثقّفين من غزّة، عبر الشؤون المدنيّة، من أجل الحصول على التصاريح اللازمة للمرور إلى الضفّة، لكنّنا اعتدنا على أن يرفض الاحتلال إعطاء تصاريح المرور، مثلما حصل خلال المعرض السابق".

ورفض في الوقت نفسه تلميح البعض إلى وجود تقصير من جهة الوزارة تجاه تأخير تقديم لائحة الأسماء إلى الشؤون المدنيّة، قائلًا: "نحن لا نخضع لمبرّرات ومقاييس يروّجها الاحتلال، بأنّ التقدّم بطلب التصريح يجب أن يسبق الفعاليّة بـ 60 يومًا. لا يمكن القبول بمعايير محدّدة يفرضها عليّ الاحتلال؛ متى أتقدّم بطلب تصريح ومتى لا أتقدّم. نحن نتقدّم بطلبات التصاريح وفق ما تقضيه مصلحة برنامج المعرض".

 

الشاعر عبد السلام العطاري

 

وأفاد بأنّ الاحتلال لم يعط أيضًا، ردًّا حتّى لحظة إعداد التقرير، على طلب منح تصاريح للناشرين العرب الذين من المفترض أن يشاركوا في المعرض، وعَدّ أنّ الأخطر من منع الكتّاب حضور معرض فلسطين الدوليّ للكتاب، حرمان الناشرين من المشاركة فيه، وبالتالي تهديد مجمل المعرض.

جدير بالذكر، أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي يمنع فيها الاحتلال الكتّاب والمشتغلين في الحقل الثقافيّ من قطاع غزّة، من المشاركة في الفعاليّات والأنشطة الثقافيّة في الضفّة الغربيّة، ناهيك عن الحرمان من المشاركة في التظاهرات الثقافيّة والفنّيّة في مختلف دول العالم، العربيّة وغير العربيّة.

 

 

فادي الحسني

 

إعلاميّ من قطاع غزّة. يعمل في مجال الاستقصاء الصحافيّ، وقد صدر له "إعلاميّون منهجيّون في كشف الحقائق". حاصل على عدّة جوائز إعلاميّة، من بينها المركز الثاني على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جائزة التحقيق الاستقصائيّ (2013)، وجائزة فلسطين للإبداع الشبابيّ – فئة الكتابة الصحافيّة (2012). يرأس تجمّع قرطبة الثقافيّ في غزّة.