31/10/2010 - 11:02

أطفال غزة.. و"سديروت" النائمة

غزة تعرف أن سديروت باتت لا تنام إلا بعد سماع أصوات القصف.

أطفال غزة.. و

لم يجن جنون الصواريخ ولم يحدث خلل في حواسيب القتل ولم يتناول القيمون على ماكنات القتل جرعات أكبر من الكحول. يهتفون "بينغو" (تحقيق هدف) مع كل إصابة ويطرقون أكف بعضهم البعض، ثم يهزون أياديهم وقبضاتهم مقبوضة والإبهام عاليًا. فكلّ شيء يسير على ما يرام وكما يخطط له: الصواريخ، كعادتها، تنطلق نحو أهدافها بجنون مرعب.

وتتكوّر النيران وتتّسع الكرات النارية وتتداخل وتتسارع وتتصاعد نحو السماء، يتبعها بركان من الدخان والغبار، كما في كل مرّة.

وبعد لحظات ينقشع الدخان ويستقر الغبار ويتساقط الحطام والأشلاء ورذاذ الدماء على الأرض، وتتكرّر الصورة المرعبة ثانية. جُثث محروقة وأشلاء متناثرة، وأنصاف بشر وأرباع بشر وبقايا بشر، فتات أطفالْ. "مسحوق" أطفال متناثر في كل مكان. وبقايا صبايا ممدّدة بدون حياء، بعد أن بدد الموت حشمتها، إلى جانب جثة الجدة الملقاة بوقاحة على قارعة الطريق.

وهَرْجٌ ومرجٌ وجماهيرُ تتراكض باتجاه حلقة الدماء والدمار والموت. وسيّارات الإسعاف تولول جيئة وذهابًا، وصرخات غاضبة ومتوعدة ونواح وعويل. وشبّان يحملون ألواحًا خشبية ملفوفة بالعلم الفلسطيني يعدون عدوًا باتجاه المقبرة.

ثم يسود صمت قاتل، وحالة انتظار قاتلة للصاروخ القادم والمجزرة القادمة.

هذه هي غزة الجائعة المحاصرة الجريحة، "المتكبّرة الثاكل".

غزّة تعرف جيدًا أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، نطق بالصواب عندما تفاخر بعمليات الجيش وقال إنها تنفذ بـ"مهنية عالية ودقة مميزة"، وتعرف غزة أن دعوة صحافي "إسرائيلي يساري" ساخرة لحالوتس لرؤية الطفلة مارية أمن، إحدى ضحايا عملياته في غزة، في المستشفى ليقف على "المهنية العالية والدقة المميزة لطياريه". تعرف غزة أن هذه الدعوة بمنتهى السذاجة.

وبينما تسخر غزة من الإعلام الذي لا يزال متوقفًا محققًا عند مجزرة الشاطئ، وتسخر من تصريحات جنرالات الاحتلال التي تنفي علاقتها بالمجزرة وربما تتهم حيتان البحر أو حيوانات بحرية منقرضة أخرى بالمسؤولية عنها، تعرف عائلات كثيرة في الشهر الأخير، عائلة أحمد اليوم، وعائلة روقة يوم أمس، وعائلة البطران أول أمس، وعائلة المغربي وغالية والزعانين وأبو سلعة وقاسم وأمن والدحدوح وأبو سمهدانة ودغمش.. تعرف جيدًا هذه العائلات أن هناك مهنية عالية ودقة مميزة لطائرات الاحتلال، فهي لم تخطئ أهدافها، بل أصابت أبناء هذه العائلات، أطفالًا ونساءً وشيبًا وشبانًا بدقّة متناهية.

غزة تعرف أن سديروت باتت لا تنام إلا بعد سماع أصوات القصف.

وتعرف غزة أن أبواب الوطن العربي الصامت، المغلقة أمامهم، تفتح أمام مجرمي الحرب وقتلة الأطفال للتطبيع والتنسيق وتبادل الأفكار ووجهات النظر والإعراب عن التمنيات وعن التمسك بالسلام والحرب على الإرهاب، بينما تنزف جراح غزّة.

وتعرف غزّة أن الرأي العام العالمي مشغول بمخاوف إسرائيل من إيران، والأمم المتحدة مشغولة، وكوفي أنان لا يزال يبحث عن موقع دارفور على الخريطة.

من يدري يا أطفال غزة، ربّما ستكون غزة فوهة البركان يوم تزلزل الأرض زلزالها ويقلب حسابات العالم أجمع رأسًا على عقب.

التعليقات