إدارة بايدن ومفاوضات النوويّ الإيرانيّ... "السير على حبل مشدود"

سيتحتمّ على الولايات المتحدة إيجاد توازن دقيق بين تقديم تنازلات وممارسة ضغوط وصولا إلى تهديدات عسكرية، وسط تشكيك أميركي متزايد حيال نوايا طهران، وذلك حين تُستأنف المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر،

إدارة بايدن ومفاوضات النوويّ الإيرانيّ...

بايدن في قاعدة أندروز الجوية بماريلاند (أ ب)

سيتحتمّ على الولايات المتحدة إيجاد توازن دقيق بين تقديم تنازلات وممارسة ضغوط وصولا إلى تهديدات عسكرية، وسط تشكيك أميركي متزايد حيال نوايا طهران، وذلك حين تُستأنف المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، وبخاصة مع إعلان إيران، اليوم الجمعة، أن مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة قد وصل إلى أكثر من 210 كيلوغرامات.

وجاء الإعلان الإيراني على لسان المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، خلال تصريحات لوكالتي "تسنيم" و"فارس" المحليتين شبه الرسميتين، بحسب ما أوردت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية.

وقال كمالوندي إن "المنظمة أنتجت أكثر من 210 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة، ليتجاوز بكثير الهدف الذي حدده البرلمان المتمثل في 120 كيلوغرامات".

وأضاف أن "الوكالة أنتجت أيضا حتى الآن 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة"، وهو مستوى لا تمتلك القدرات المادية لإنتاجه سوى الدول التي تمتلك أسلحة نووية، بحسب الوكالة.

واعتبرت "أسوشييتد برس" أن هذه الخطوة من الجانب الإيراني هي "التحدي الأحدث لمحادثات الاتفاق النووي" المقرر عقدها نهاية الشهر الجاري.

وأتاح الاتفاق رفع الكثير من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على طهران في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. لكن مفاعيله باتت في حكم اللاغية منذ قرر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، سحب بلاده أحاديا منه عام 2018.

غير أن الوضع تبدل كثيرا منذ تعليق المفاوضات في حزيران/ يونيو، فقد تولى رئيس محافظ هو إبراهيم رئيسي السلطة في إيران، وأكد دعمه للمسار الدبلوماسي لرفع العقوبات، إلا أنه شدد على أن بلاده لن تفاوض "من أجل التفاوض"، ولن ترهن وضعها الاقتصادي "برغبة الأجانب".

وكان رئيسي قد قال أمس الخميس، إن بلاده سترفض المطالب "المبالغ بها" من الدول الغربية في المباحثات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي.

فيما ذكر رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، يوم أمس أن إسرائيل "ستفعل المطلوب لحماية نفسها من التهديد الوجودي الإيراني"، بحسب ما نقل عنه موقع "جيروزاليم بوست".

وأعلنت إيران والاتحاد الأوروبي استئناف المفاوضات في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في فيينا، بعد تعليقها لنحو خمسة أشهر، سعيا لإحياء الاتفاق المبرم عام 2015 والهادف إلى منع طهران من حيازة السلاح النووي.

وأعرب الغربيون عن قلقهم "الكبير والمتنامي" حيال أنشطة طهران النووية، بينما تراجعت إيران عن تنفيذ الكثير من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق النووي، بعد نحو عام على انسحاب ترامب منه ومعاودة فرضه عقوبات عليها انعكست أزمة اقتصادية حادة.

وإن كان الرئيس الأميركي، جو بايدن قد أبدى في مطلع العام ثقة في قدرته على إحياء الاتفاق، فهو لم يعد يخفي قلقه، وتعمل واشنطن على وضع خطة بديلة في حال الفشل في العودة إلى اتفاق فيينا.

الرئيس الإيراني، رئيسي (أ ب)

وتهدف المفاوضات التي ستجري في فيينا بين إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي بمشاركة أميركية غير مباشرة، إلى تحديد العقوبات التي ستُرفع عن طهران، ووضع جدول زمني لعودة إيران إلى الالتزام بتعهداتها.

ونقلت وكالة "فرانس برس" للأنباء عن مديرة جمعية "آرمز كونترول أسوسييشن (الحدّ من الأسلحة)"، كيلسي دافنبورت قولها إنه "سيتحتم على إدارة بايدن السير على حبل مشدود بإثباتها لإيران أنها ستجني منافع من رفع العقوبات في حال إعادة إحياء الاتفاق، من دون الرضوخ للضغوط الإيرانية".

وتطرح مسألة العقوبات التي أعادت الإدارة الأميركية السابقة فرضها معضلة حقيقية، إذ تشكّل شبكة يصعب حلحلتها، وازدادت تعقيدا مع العقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأميركية الحالية، على غرار العقوبات على البرنامج الإيراني للطائرات بلا طيار.

وأبعد من هذه المسائل، يطالب القادة الإيرانيون بضمانة بأن أي تسوية يتم التوصل إليها لن تسقط مع انتقال السلطة في الولايات المتحدة.

رسم كاريكاتوريّ لبايدن في طهران (أ ب)

وهذه ضمانة لا يمكن لبايدن تقديمها، إذ حذر الجمهوريون بأنهم سينسفون الاتفاق في حال تسلمهم السلطة مجددا. غير أن الرئيس الديمقراطي تعهد في إعلان مشترك مع نظرائه الأوروبيين بأنه "سيواصل احترام (الاتفاق) طالما أن إيران تحترمه".

وأثنى المفاوض الروسي ميخائيل أوليانوف على "تقدم هام نحو الضمانات والتأكيدات التي تطالب بها إيران".

لكن السؤال الحقيقي الذي يراود الغربيين، هو إن كان رئيسي والمرشد الأعلى، علي خامنئي، يريدان فعلا إنقاذ الاتفاق.

وقد يخلص الأميركيون إلى أن ذلك غير صحيح إذا وصل مفاوضوهم الإيرانيون في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى العاصمة النمساوية حاملين مطالب تُعدّ غير واقعية.

وصعّدت الولايات المتحدة النبرة بشكل لافت، إذ حذر وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر بأن بلاده مستعدة للنظر في "كل الخيارات" في مواجهة مثل هذا الاحتمال، في تهديد ضمني بالخيار العسكري، فيما لوح نظيره الإسرائيلي، يائير لبيد صراحة باستخدام القوة، خلال مؤتمر صحافي مشترك.

لبيد ونظيره الأميركي (أ ب)

وبعد بضعة أيام، مضى الدبلوماسي السابق دينيس روس الذي عمل مستشارا لرؤساء ديمقراطيين، إلى حد التأكيد أن "التهديد بالحرب" بات "الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى السلام مع إيران".

وكتب في مقال في مجلّة "فورين بوليسي" أن "طهران لم تعد تنظر بجدية إلى واشنطن. ولإحياء الاتفاق النووي، يجب أن يكون التهديد بتصعيد عسكري مطروحا على الطاولة"، معتبرا أن الإشارة "الروتينية إلى خيارات أخرى، غير كافية".

ورأى أنه "إن أرادت الولايات المتحدة الحد من خطر اندلاع نزاع وإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح، سيتحتم على إدارة بايدن أن تبعث مجددا لدى إيران الخوف من رد فعل أميركي، وتمارس ضغوطا أكثر فاعلية بكثير".

لكن الخبيرة كيلسي دافنبورت ترى أن "التهديدات العسكرية قد تنقلب ضدنا" إذ إنها تدفع برأيها طهران إلى السعي فعليا لصنع قنبلة نووية دفاعا عن نفسها.

وأقرت الخبيرة بأن المشكلة هي أن "الولايات المتحدة لا تملك أي خيار جيد" باستثناء العودة إلى اتفاق فيينا، بحسب "فرانس برس".

ويبدو تشديد العقوبات مثلما ذكر النائب الديمقراطي آدم شيف صعبا، إذ أن العقوبات المفروضة حاليا صارمة في حين أن باقي العالم لن يبدي تجاوبا بعدما استاء من تبدل الموقف الأميركي في عهد ترامب.

ولإبقاء الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية، اقترحت دافنبورت أن تطرح إدارة بايدن على طاولة البحث مطالبها الأخرى القاضية بوقف إيران تدخلاتها في الشرق الأوسط والحد من برنامجها للصواريخ البالستية.

لكنها لفتت إلى أن "مفاوضات طويلة ومتشعبة قد تستغرق وقتا، وقد يتطور البرنامج النووي الإيراني" في هذه الأثناء إلى حد يدفع إسرائيل إلى تنفيذ تهديداتها العسكرية، مع "خطر حصول تصعيد حربي".

التعليقات