12/04/2025 - 15:52

انطلاق أعمال مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية في دورته العاشرة حول وسائط التواصل الاجتماعي

استهلّ المؤتمر أعماله بكلمة افتتاحية قدّمها محمد حمشي، الباحث في المركز العربي ورئيس لجنة المؤتمر، أشار فيها إلى أن المركز اختار "وسائط التواصل الاجتماعي" موضوعًا لهذه الدورة، في سياق الاهتمام الذي يوليه لدراسات هذه الوسائط والفضاء الرقمي...

انطلاق أعمال مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية في دورته العاشرة حول وسائط التواصل الاجتماعي

صورة من افتتاح أعمال المؤتمر

بدأت، اليوم السبت، أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وموضوعه "وسائط التواصل الاجتماعي: جدلية تدفق المعلومات وحرية التعبير والمراقبة والسيطرة".

استهلّ المؤتمر أعماله بكلمة افتتاحية قدّمها محمد حمشي، الباحث في المركز العربي ورئيس لجنة المؤتمر، أشار فيها إلى أن المركز اختار "وسائط التواصل الاجتماعي" موضوعًا لهذه الدورة، في سياق الاهتمام الذي يوليه لدراسات هذه الوسائط والفضاء الرقمي، ويسعى من خلالها إلى توفير فضاء لعرض نتائج الأبحاث العربية ذات الصلة وتمحيصها ونقدها، ويأمل أن يجد الباحثون العرب المهتمون بهذا الحقل البحثي في هذه الدورة فرصةً للتبادل المعرفي، وأن يعملوا معًا على التأسيس لمساهمة عربية قيّمة ورصينة فيه. وأوضح حمشي أنّ هذه الدورة تنعقد في سياق الحرب الغاشمة التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي تحولت منذ أسابيعها الأولى إلى حرب إبادة لا تزال مستعرة إلى حد اللحظة، من دون أفق واضح لوقف رحاها. ومثّلت خلالها وسائط التواصل الاجتماعي فضاءً لتداول مواد مضللة ومفبركة، عبر حسابات وهمية تعزز سردية الاحتلال الإسرائيلي، فضلًا عن تواطؤ الشركات المالكة لهذه الوسائط، للتعتيم على السردية المضادة لسردية الاحتلال، من خلال حظر الحسابات وتقييد وصول المنشورات.

أعقبت الكلمة الافتتاحية جلسةٌ أولى ترأّسها عبد الوهاب الأفندي، رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، وشارك فيها باحثان. عرض كمال حميدو، أستاذ الإعلام في جامعة قطر، ورقة بعنوان "من حقبة البانوبتيك إلى حقبة الريزوم: قراءة ميتا-تحليلية في مسار دراسات المراقبة واتجاهاتها (2002-2024)"، استكشف فيها حقل دراسات المراقبة من خلال تحليل الأبحاث المنشورة باللغة الإنكليزية في دورية "المراقبة والمجتمع" Surveillance & Society خلال الفترة 2002-2024، مبينًا أنّ حقل دراسات المراقبة نشأ استجابةً لضرورة فهم المراقبة الشاملة ضمن سياق طغى فيه المنظور البانوبتي، مع تركيزها على حماية الحق في الخصوصية، وأنّ أغلب الدراسات تبنّت مقاربة نقدية معيارية، وموضحًا أيضًا تأثر الأبحاث واتجاهاتها بعوامل سياقية ظرفية ساهمت في تكريس منظورها النقدي، مع ظهور اتجاهات جديدة باتت تطالب الباحثين في هذا الحقل بالانفتاح على مقاربات جديدة تُخرجهم من الجمود الفكري والمنهجي الذي هيمن على دراسات المراقبة منذ عقود من الزمن.

ثم قدّم حجّاج أبو جبر، أستاذ النظريات النقدية في أكاديمية الفنون المصرية، ورقة عنوانها "المنعطف الثقافي في دراسات المراقبة ووسائط التواصل الاجتماعي"، حاول فيها تتبع المنعطف الثقافي في دراسات المراقبة ووسائط التواصل الاجتماعي، الذي تفاعل مع نظرية "المراقبة السائلة" لعالم الاجتماع زيغمونت باومان، وكذلك تتبع تشكّله في السياق العربي، في سبيل استخلاص إجابات أولية عن ثلاثة تساؤلات بحثية: كيف يؤدي المجاز دورًا مهمًا في فهم المنعطف الثقافي الغربي في دراسات المراقبة ووسائط التواصل الاجتماعي؟ وكيف يتشكل منعطف ثقافي عربي في دراسات المراقبة ووسائط التواصل الاجتماعي؟ وكيف يتقاطع مع المنعطف الثقافي الغربي أو يفترق عنه؟

واستُهلّت الجلسة الثانية، التي ترأّسها وليد السقاف، أستاذ الصحافة في معهد الدوحة للدراسات العليا، بورقة لأستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة مروة فكري، بعنوان "وسائط التواصل الاجتماعي ومفارقة التحرر والتحكم: دراسة في حالات عربية"، دارت حول أثر وسائط التواصل الاجتماعي في الحركات الاجتماعية الشبكية التي تسعى للتعبئة والتغيير في سياق الأنظمة السلطوية الساعية لتوسيع رقابتها وقمع هذه الفواعل، موضحةً أنّ وسائط التواصل تعكس في السياق العربي مزيجًا معقدًا من نماذج المجتمع الشبكي، والأخ الأكبر، والبانوبتيكون. فمن جهة، تعكس هذه الوسائط خصائص المجتمع الشبكي الذي يمكّن الأفراد من تجاوز القيود التقليدية على حرية التعبير والتواصل، ويوفّر للحركات الاجتماعية فرصًا للوصول إلى جمهور أوسع ولتبادل المعلومات وتعبئة الجماهير. ومن جهة أخرى، تتجلى فكرة "الأخ الأكبر" في استخدام الحكومات السلطوية لهذه المنصات بوصفها أدوات للرقابة والتجسس.

وفي الورقة الثانية في هذه الجلسة، بعنوان "الطغيان الرقمي والفضاء العام في بلدان الخليج بعد الربيع العربي"، حاول سعيد سلطان الهاشمي، الباحث الزائر في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية بالمركز العربي، إعادة تسليط الضوء على العلاقة الجدلية بين الأنظمة الحاكمة والفضاء العام الشبكي/ الرقمي في بلدان الخليج العربية الستة، مفترضًا أن اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، يُعدُّ لحظة فارقة في وعي الناس لذاتهم في بلدان الخليج وهي لحظة مضاعفة السلطة من ترسانتها الرامية إلى أيّ تغيير يطمح إليه هؤلاء الناس، والذي جاء في سياقه تطويع السلطة السريع للمنظومات القانونية والتقنية ومنصاتها الإعلامية الجديدة، لتكريس نفوذها على الفضاء العام الرقمي، مستفيدةً من احتكارها للثروة لتحقيق المزيد من الهيمنة.

واختتمت الجلسة بورقة عنوانها "أثر البنية والفعل في انكماش الحراك الشبكي العربي: استبداد رقمي أم انضباط ذاتي؟"، قدمتها الباحثة المغربية بشرى زكاغ، انطلقت فيها من افتراض أنّ وسائط التواصل الاجتماعي لا تُعدُّ سوى نسخة لفضاءات معدّلة تكنولوجيًا أو أُعيدَ إنتاجها من أجل تعزيز بنى الدولة السلطوية، ضمن سياق اجتماعي/ سياسي ينحو في اتجاه التركيز على علاقات المراقبة والسلطة والنظام. وتجادل بأنّ أسباب تراجع الحراك الشبكي داخل فضاء الشبكات العربي حاليًا، لا تعود فقط إلى عوامل بنيوية مرتبطة بالنسق العام والقوى الاجتماعية فقط، بل كذلك إلى العوامل الذاتية للأفراد الشبكيين، انطلاقًا من الخيارات الشخصية التي يتخذونها، باعتماد الانضباط الذاتي، نتيجة أشكال المراقبة والتأديب التي خضع لها مستخدمون سابقون.

وفي الجلسة الثالثة التي ترأّسها محمد النواوي، أستاذ الإعلام في معهد الدوحة للدراسات العليا، قدّم يوسف زدام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باتنة 1، ورقةً بعنوان "الأخلاق والسياسة ووسائط التواصل الاجتماعي: بحث في نطاق المسؤولية الأخلاقية للتفاعل السياسي وحدودها"، ناقش فيها نطاق المسؤولية الأخلاقية وحدودها في جعل التفاعل السياسي يقوم على الفهم المستنير والقدرة على الاختيار، مفترضًا أن هذين الأمرَين الأخيرين يجعلان الديمقراطية "تعمل"، وموضحًا أنّ استمرارية النقاش حول الدولة والمواطن في زمن وسائط التواصل الاجتماعي تحيلنا إلى كونها وسيلة تتولى الدولة في السياقات التشاورية وضع معايير استغلالها بمسمى الحقوق (الحق في تقرير المصير الإلكتروني، والحق في الخصوصية، والحق في الشفافية، والحق في بيئة مواتية للنقاش العام والتعددي، وغيرها). ويتولى المواطن التمتع بها (الحقوق) في حدود المسؤولية الأخلاقية ومحددات الارتداع التي تتضمنها القوانين.

ثم انتقل صلاح عثمان، أستاذ المنطق وفلسفة العلم في جامعة المنوفية، في ورقته "وسائط التواصل الاجتماعي والرهان السياسي - الأخلاقي في ضوء تحديات الذكاء الاصطناعي"، إلى معالجة الأبعاد السياسية - الأخلاقية لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي في ضوء التطورات المتسارعة والمؤثرة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، انطلاقًا من فرضٍ رئيس مفاده أن وسائط التواصل الاجتماعي تبرز أمامنا بوصفها كائنات مفرطة، ميزتها أنها تتسم بكونها ذات أبعاد مكانية - زمانية شاسعة، تتجاوز محليتنا الزمكانية، وتهزم أفكارنا التقليدية بشأن ماهية الشيء، وتواجهنا بمشكلات يبدو أنها لا تتحدى سيطرتنا فحسب، بل تتحدى أيضًا عاداتنا العلمية والفلسفية في التفكير، وتضع أنساقنا السياسية والأخلاقية موضع الاختبار.

واختتم الناصر عمارة، أستاذ الفلسفة في جامعة مستغانم، الجلسة بورقةٍ عنوانها "المراقبة والسيطرة على وسائط التواصل الاجتماعي: دراسة نقدية"، أوضح فيها أنّه في حين توفّر وسائط التواصل الاجتماعي فضاءً لحرية التعبير من جهة، فإنها تمارس القمع الرقمي من جهة أخرى، مستفيدةً من أشكال المراقبة التي جرى تطبيعُها في المجتمعات، بحيث بتنا نشهد ميلاد التحالف الاستراتيجي بين الدولة الحديثة وشركات التواصل الاجتماعي في استثمار البيانات ومراقبتها من أجل عَولَمة الرأسمالية السياسية وجهازها الاقتصادي المبنيّ على تسليع الحياة الاجتماعية وجميع القيم المرتبطة بها. وفي المقابل، تستسلم المجتمعات طواعيةً لعمليات المراقبة لضمان استمرار تدفُّق الحداثة وحياة الرفاهية فيها.

تتواصل أعمال الدورة العاشرة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية حتى يوم الثلاثاء 15 نيسان/ أبريل 2025، التي يقدّم فيها 41 باحثةً وباحثًا أوراقهم في موضوع جدلية تدفق المعلومات وحرية التعبير والمراقبة والسيطرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وفق ما هو مبيّن في جدول الأعمال. وفي ختام أعمال هذه الدورة، تُوزَّع "الجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية".

التعليقات