24/05/2023 - 21:58

"يافا كانت وما زالت".. معرض صور فوتوغرافية يوثق تاريخها قبل النكبة

دعا ذياب إلى توثيق وتخزين وطباعة الصور في كل البلدات العربية، وأن "نؤسس موقعا إلكترونيا مختصا في هذا المجال ونضع الصور أيضا في كتب أو كتيبات لتوثيق تاريخنا الذي يستحق منا أن نحافظ عليه من الاندثار

جانب من المعرض (عرب 48)

إنّ ندرة الأرشيفات الفنيّة وخصوصا تلك التي توثّق تاريخ فلسطين قبل النكبة وخلالها، دفعت الفنان سلام ذياب من طمرة إلى تنظيم معرض تحت عنوان "يافا كانت وما زالت" في طمرة، وقد حمل صورا فوتوغرافية للمدينة الساحلية الفلسطينية ما بين العام 1880 و1948 قام بجمعها اللاعب والمدرب السابق رفعت ترك من يافا.

ويسعى ترك إلى نشر وتوثيق صور يافا من خلال معارض متنقلة تنفيذا وتلبية لوصية والدته له في الحفاظ على تاريخ يافا وتوثيق عراقتها وأصالتها، وحتى عاداتها الاجتماعية والثقافية، لكي ينتقل هذا الإرث للأجيال القادمة المتعاقبة فلا تمحى يافا وتاريخها من ذاكرتها الجمعية.

وجاء تنظيم المعرض بالتعاون مع جمعية "تل كيسان" التي يديرها الفنان أحمد كنعان من طمرة.

توثيق تاريخنا يستحق حرصا عليه من الاندثار

وقال منظم المعرض، الفنان سلام ذياب، لـ"عرب 48"، إنه "لم يعطّ الجانب التوثيقي حقه من الاهتمام كما يجب، والأمر مناط بالمسؤولية الفردية الذاتية، إذ ينبغي على الجميع أن يجمعوا الصور من منازلهم ومن ألبومات الصور لديهم، فالذكريات الموثقة بالصور الديجيتال قد تختفي تماما ونجد صعوبة في استردادها، هذا عدا عن كون الكثيرين يعتمدون على أجهزتهم المحمولة وعلى طريقة التخزين السحابي التي قد يفقدون خلالها الصور نظرا لعدم توفر الأمان من هذه الناحية".

الفنان سلام ذياب

ودعا ذياب إلى توثيق وتخزين وطباعة الصور في كل البلدات العربية، وأن "نؤسس موقعا إلكترونيا مختصا في هذا المجال ونضع الصور أيضا في كتب أو كتيبات لتوثيق تاريخنا الذي يستحق منا أن نحافظ عليه من الاندثار، وهذا يصب في الجانب الإنساني والثقافي والفني، لنورث ثقافتنا للأجيال القادمة وليعلم أبنائنا وأحفادنا أننا لم نأت من عدم، وأننا اجتزنا مراحل معينة وصولا إلى ما نحن عليه اليوم، وعلينا جميعا التعرف على تاريخنا لكي نفهم الواقع بشكل أكثر دقة ومصداقية".

يافا قبلة ثقافية بامتياز

الانتقال من صورة إلى أخرى بين المعرض توحي للجمهور وكأنه ينتقل من حي إلى آخر في يافا بدءا من الجانب الثقافي في مدينة يافا، ويتحدث ذياب عن صور تنقل النشاطات الثقافية للمدينة الفلسطينية قبل النكبة بالقول إن "يافا قبلة ثقافية بامتياز وكانت تتواجد فيها دار سينما تحمل اسم سينما الحمراء، والتي كانت تزخر بحفلات المطرب المصري المعروف محمد عبد الوهاب والمطربة أم كلثوم، وهنا نرى بطاقة سينما تعود للعام 1935 حيث كان يعرض فيلم نشيد الأمل لأم كلثوم، والتي حضرته أم كلثوم هنا بشكل شخصي، ورفعت ترك يحتفظ ببطاقة الدخول الأصلية التي دخل بواسطتها والده لحضور حفلة أم كلثوم".

وتابع "دار السينما والمباني المحيطة قبل 90 عاما كانت مبان راقية وشيدت بطرق هندسية فريدة بيافا، وعلى الرغم من أننا اليوم في العام 2023 فلا يوجد مدينة عربية واحدة فيها دار سينما لعرض الأفلام للأسف الشديد. نسير من خلال بعض الصور في شارع النزهة بالقرب من مبنى بلدية يافا، ويعد أشهر شوارع يافا، ونرى في ذات الوقت من يركب ويتنقل على دابة، ومن يتنقل في سيارات أوروبية فارهة، فأهل يافا كانوا يقايضون شحنات البرتقال بسيارات أوروبية، وقد حصل خال ترك على سيارة مرسيدس، وهي التي ترونها في الصورة داخل زورق وقد جرى إنزالها من الباخرة مقابل عدد من صناديق البرتقال".

برتقال يافا وتصديره إلى أوروبا قبل النكبة

توثق الصور بيارات يافا وأصحابها والعاملين في هذا المجال، وقال ذياب "يافا كانت تصدر برتقالها المشهور إلى مدن أوروبا والعالم وهذا ما توثقه الصور أيضا، إذ تتحدث صورة عن المحطة الأخيرة لعملية التصدير قبل شحن برتقال يافا المشهور إلى مدن أوروبا والعالم، ونشاهد كيف تمت عملية تغليف البرتقال بالورق ومن ثم السلال والصناديق الخشبية محكمة الإغلاق، وكيف كان يتم نقلها بالسيارات، حيث كانت يافا تعج بالسيارات الفاخرة بداية القرن المنصرم، كما كان يتم نقلها عن طريق الجمال وعن طريق القوارب الصغيرة إلى البواخر الأكبر، ونرى في بعض الصور كيف أن البواخر تنتظر حمولة البرتقال التي ستقوم بشحنها إلى دول العالم".

وأضاف "نرى في الصور أصحاب حقول البرتقال يرتدون أزياء فاخرة تنم عن الرقي وهذه الصور ملتقطة منذ حوالي مئة عام من اليوم، وتدل هذه الصور على طريقة معيشة أهالي يافا، وكيف كانوا يملكون الأراضي والعقارات ويقومون بإدارتها بطرق احترافية وراقية، وكان هناك حركة تجارية ثقافية عمرانية على كافة الأصعدة، وهذا يؤكد مرة جديدة أننا أبناء هذه البلاد التي ورثها جيل عن جيل، وهذا يؤكد على تجذرنا وهويتنا وانتمائنا لهذه الأرض المعطاء".

الجانب الاقتصادي والاجتماعي لسكان يافا قبل النكبة

وأشار ذياب من خلال الصور المعلقة إلى أن "أهالي يافا كانوا من الأثرياء ويمتلكون قدرات مادية عالية، وكان بإمكانهم شراء السيارات الفارهة والفاخرة، وكان لباسهم يدل على بحبوحة العيش وحتى المباني ذات التصميم الرفيع والجودة العالية، والذي ينم عن ذوق رفيع، وكان أهالي يافا يمتلكون الكاميرات الدقيقة، وكان بإمكانهم أيضا استجلاب المصورين لتصوير وقائع كثيرة. كما أن الصور تنقل لنا كيف كانت الحياة الاجتماعية مزدهرة ومليئة بالحياة في مدينة يافا، بعض من يظهر في الصور ما زالوا على قيد الحياة والصور تعكس التفاؤل والرفاهية التي كان يعيشها أهل يافا، حتى أنها تنقل لنا صورة عن النزهات التي كان يقوم بها العريس والعروس من زيارة إلى قبر النبي روبين على ظهور الجمال".

الثروة السمكية والنشاط البحري

وزاد أن "الصور الفوتوغرافية توثيق النشاط البشري في مجال الصيد البحري، وكيف كانت هناك أنواع من الأسماك لم تعد موجودة اليوم، وتعكس الصور حياة الصيادين وكيف كانوا يصلحون الشباك، حتى أن بعض المعالم البحرية كالصخور الطبيعية التي كانت منتشرة لم تعد موجودة ولا أعلم السبب الذي يكمن وراء ذلك".

صور توثق مناطق في يافا قبل وبعد النكبة

يظهر المعرض صورا عديدة توثق تشريد وتهجير الفلسطينيين في القوارب البحرية، وصورا أخرى تؤكد على حق العودة. إذ وصف ذياب تلك الصور قائلا "جذبت صورة لسيدة عجوز تورث مفاتيح منزلها لابنها، وهذه الصورة تحمل تعبيرا معنويا قويا للغاية، يرسم معالم تلك الحقبة وكيف أن أهالي يافا كانوا متجذرين بأرضهم، وكيف انتشروا على الشاطئ والمدن الساحلية هربا بأرواحهم من أجيج الحرب، ولكن كان يحدوهم الأمل بالعودة القريبة الوشيكة، ونرى في صور أخرى كيف كانوا يركبون الزوارق الصغيرة من أجل النجاة".

وتابع "بعض المعالم لمدينة يافا التي جرى توثيقها اختفت بعد النكبة، لقد اختلف المشهد العام للمدينة، بعض الصور التقطت من المطل ومن منطقة الفنادق ومن نفس الزاوية في حي المنشية، ثلاثينيات القرن الماضي، كانت تصور أبنية لم تعد موجودة اليوم. صور أخرى تصور نفس المنطقة قبل وبعد النكبة، كيف كانت مدينة عامرة وكيف حالت ركاما".

المرأة الفلسطينية حاضرة برسالتها الوطنية

وتحدثت مديرة مركز "إشكول بايس" في طمرة، المربية فيحاء أعمر، عن صور النساء الفلسطينيات في المعرض قائلة "استوقفتني صورة بمثابة لوحة تحمل الكثير من المضامين فهي الأقرب لقلبي وتغني عن ألف كلمة، وهي تختصر الرسالة التي من أجلها قمنا ونظمنا معرض ’يافا كانت وما زالت’، رسالة نقل الأمانة من جيل لجيل، إيصال رسالة معاناة ونكبة الشعب الفلسطيني كي لا ننسى، هذه الصورة تغني عن محاضرة كلامية".

فيحاء أعمر

وختمت بالقول "كانت وما زالت المرأة تحمل مسؤولية التربية، والمرأة الفلسطينية تضيف على نفسها مسؤولية التربية الوطنية، وهذه القضية لا تختلف عن قضايا التربوية الأخرى من قضايا الأخلاق وقضايا العلم، وبما أن العاطفة شديدة عند المرأة فنجد أن اللوحة تجسد الإحساس من خلال صورة لامرأة فهي صارخة بالمعاني بشكل أعمق".

التعليقات