د. بشارة يقدّم محاضرة بعنوان "الانتخابات الإسرائيليّة 2022: صعود الصهيونيّة الدينيّة"

قدّم المفكّر العربي، د. عزمي بشارة، مساء الثلاثاء، محاضرة عامّة بعنوان "الانتخابات الإسرائيلية 2022: استمرار الانزياح نحو اليمين وصعود الصهيونية الدينية".

د. بشارة يقدّم محاضرة بعنوان

الدكتور بشارة خلال المحاضرة

قال المفكّر العربي، د. عزمي بشارة، خلال محاضرة عامّة بعنوان "الانتخابات الإسرائيلية 2022: استمرار الانزياح نحو اليمين وصعود الصهيونية الدينية"، قدّمها، مساء الثلاثاء، إن نتائج الانتخابات الإسرائيليّ، لم تظهر انتقالًا نحو اليمين المتطرف، ولكن داخله، مؤكدا أنّ ما شهدته الانتخابات؛ ليس استقطابًا بين اليمين واليسار في إسرائيل، وإنّما بين معسكري يمين يختلفان على شخصية زعيم المعارضة الإسرائيلية ورئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، لا على مواقفه الأيدولوجية.

وذكر د. بشارة أن صعود الصهيونية الدينية والحركات اليهودية جاء على حساب فئات يمينية معارضة لنتنياهو، وكعقاب لها على الاعتماد على أصوات نواب عرب من أجل تشكيل تحالف حكومي. كما رأى أن الانقسام بين الأحزاب العربية التي خاضت الانتخابات؛ جاء نتيجة لخلاف حول الموقف الأخلاقي بشأن التحالف مع استعمار استيطاني ينهب أرض الفلسطينيين.

وتطرّق بشارة إلى الفصل بين نظام الحكم والدولة، وقال إنه في إسرائيل "صراع مستعر حول من يحكم، لكن لا يوجد سؤال حول الدولة".

وقال بشارة: "بالتأكيد إن الانقسام الذي حدث (في إسرائيل) خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، لم سكن انقساما بين اليسار واليمين، بل كان انقساما بين المعسكر المؤيد لنتنياهو، والمعسكر المضاد له"، مشيرا إلى أن "الاختلاف حصل حول شخصية نتنياهو، وهناك صراع حوله".

وفي معرض توضيحه لسياق صهينة الدين وتديين الصهيونية، ذكر بشارة أنه في البداية، كان من أقاموا دولة إسرائيل والحركة الصهيونية واقتلعوا الفلسطينين، علمانيين عمومًا و غالبًا اشتراكيين. لكن جزءًا ممن استوطنوا في فلسطين قاموا بقومنة الدين اليهودي، فأصبح الحل بالنسبة لهم مرتبطًا بإقامة دولة قومية وليس الاندماج في الصراع الطبقي أو في الديمقراطيات الغربية، فيما كانت الحركات الدينية المتشددة مهتمة بالحفاظ على الهوية الدينية اليهودية، ما تجسد من خلال الغيتوهات في أوروبا.

وعَدّ هؤلاء في البداية الصهيونية كفرًا، لأنها علمانية وشيوعية، ولأنهم اعتبروها تدخلًا في عمل الله، فالخلاص يجب أن يكون إلهيًا، غير أن صهينة هذه الحركات، حولت من يكفرون الصهيونية إلى أقلية، بحسب بشارة.

ورأى بشارة أن خسارة قائمة "المعسكر الوطني" التي ترأسها بيني غانتس، لصالح حزب الليكود، جاء نتيجة تصاعد المقاومة الفلسطينية المسلحة، إذ يتشكل هذا المحور من رؤساء أركان، ترتبط دعايتهم بالأمن.

وأوضح بشارة أن احتلال الضفة الغربية ساهم أيضًا في توحيد أرض إسرائيل التوراتية ودولة إسرائيل. كما أن هذا الصعود ليس عرضيًا، بل يرتبط ببنية الدولة في إسرائيل، حيث لا يوجد تمييز بين الأمة والقومية، فالأمة اليهودية هي الديانة اليهودية، ومن ينتمي للديانة اليهودية هو جزء من الأمة.

ولفت بشارة خلال توضيحه لخريطة التحالفات السياسية إلى اختفاء اليسار الصهيوني، لصالح أحزاب أخرى ورثته، وتحديدًا حزب "ييش عتيد"، وهو ليس حزبًا يساريًا كما يعتقد البعض، بل يمين حقيقي اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، يتميز بأنه يمثل الطبقات الوسطى في المدن التي تريد عيش حياة علمانية، في ما يتعلق بالأحوال الشخصية، وتؤيد الأحزاب اليمينية الليبرالية، والسلام لكن بشروطها.

وفي ما يتعلق بالاستقطاب حول نتنياهو، أكد بشارة أن الخلاف هو حول شخصيته وليس مواقفه، مشيرًا إلى أن الأحزاب اليمينية العلمانية، "يسرائيل بيتينو" الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان، و"المعسكر الوطني" بقيادة غانتس وغدعون ساعر، و"البيت اليهودي" الذي كان يرأسه رئيس الحكومة السابق، نفتالي بينيت، قبل إعلان اعتزاله الحياة السياسية؛ كان قادتها قد عملوا مع نتنياهو، وكانوا مدراء مكتبه، قبل أن يؤسسوا أحزابًا ضده.

وبالتالي فإن هناك خلافا على الشخص نفسه وليس على سياساته، إضافة إلى الموقف من تهم الفساد، والتي تجعل بعض أحزاب اليمين العلماني، تعتبر أنه لا يجوز أن يكون حاكمًا بموجب القيم الصهيونية. كما أن هناك خلافات على تفرده بالحكم، وإبعاده أي شخص صاحب موهبة يصعد.

وفي ما يخصّ مشاركة العرب في أراضي 48 في الانتخابات الإسرائيلية، ذكر بشارة أن هناك التباسات عديدة دائمًا حول هذه المشاركة، إذ أن شح المعلومات وسياسات التجهيل من قبل الأنظمة العربية التي استثمرت في فلسطين كخطاب أيدولوجي فقط، يهيمنان على المعرفة بشأن أوضاعهم.

وفي هذا السياق سيطرت تعميمات حولهم، منها اعتبار أنهم خونة لأنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، دون فهم ما يعنيه حمل الجنسية الذي ليس خيارًا. كما تم اعتبارهم أبطالًا في مراحل أخرى، بحكم بقائهم في أرضهم. لكنهم، شعب مثل أي شعب، فيهم وطنيون وفيهم من يصوت للأحزاب الصهيونية، وفيهم يسار ويمين، كما يشير بشارة.

وفي توضيحه لسياق الاصطفاف داخل الأحزاب العربية، أوضح بشارة أن الفترة التي تلت عام 2021 عرفت خلافًا، إذ إنه وبعد الانتخابات في إسرائيل، قررت معظم الأحزاب العربية التوصية على غانتس ضد نتنياهو.

وكانت هذه خطوة غير مسبوقة لأن الأحزاب العربية دأبت على ألا ترشح أحدًا وتحافظ على هويتها الوطنية وتكمل نضالها. لكن كان من أهم أسباب الخطوة الأخيرة، التطبيع العربي مع إسرائيل، إذ أثر معنويًا بشكل كبير على الفلسطينيين في أراضي 48. وأكد بشارة أن هذه التوصية كانت بلا شك خطأ كبيرًا أخلاقيًا أولًا، وهو أمر مفروغ منه.

ولفت إلى أن الأخلاق هي قضية وجودية، ترتبط بأي مجتمع نريد أن ننشئ، وليست من الكماليات. "إنها متعلقة بالهوية الفلسطينينة والتعامل مع استعمار استيطاني يسلب أرضك. لكن هذا الخطأ كان مرتبطًا أيضًا بالحسابات البراغماتية التي ليس لها أساس من الصحة، لأن الأحزاب الصهيونية لن تقبل المساومة على أي شيء يتعلق بيهودية الدولة، وسيبقى الفلسطيني غريبًا".

ولتوضيح ذلك، عدد بشارة نوعين من المواطنة في إسرائيل، في التعريف الأول أو القانون التأساسي لها، وهي المواطنة الجوهرية، التي تضم كل اليهود في العالم، والمواطنة العرضية، التي تضم من تعتبر إسرائيل أنهم بقيوا في أرضهم عرضًا.

وفي ما يتعلق بحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أشار بشارة إلى أنه خاض الانتخابات لوحده، وفاجأ الجميع بأصواته خلال شهر فقط. وبالنسبة لهذه الفترة القصيرة، فإنه حقق إنجازًا يصلح لبناء الحركة الوطنية مستقبلًا. وفي حين كانت الأحزاب الأخرى مستعدة للدخول في تحالف علماني أو تحالف علماني ليبرالي، فإن التجمع اليوم يرفض أي توصية ويناضل من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية.

وأتت المحاضرة التي دعت إليها وحدة الدراسات السياسية في المركز العربيّ، بعد يومين من لقاء خاصّ مع د. بشارة في حلقة خاصة من برنامج "تقدير موقف" الذي يُبثّ عبر التلفزيون العربيّ، والذي قال بشارة خلاله إن الانتخابات التشريعية الإسرائيلية أظهرت تغيّرًا داخل تركيبة الأحزاب اليمينية وانتقالات داخل اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أن المتغيّر الجديد هو صعود الأحزاب الدينية الصهيونية، وتصهين الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية.

وأوضح بشارة في اللقاء أن التحوّل المستمر نحو اليمين، جاء كعاقبة لسياسات الأمننة المتطرفة في إسرائيل، واستمرارًا لما أحدثه احتلال عام 1967 من توحيد دولة إسرائيل وأرض إسرائيل التوراتية، وما جاء مع ذلك من أبعاد دينية، في حين تؤكد نتائج الانتخابات أن اليسار الصهيوني يذوب ويتلاشى من المشهد.

كما أشار بشارة إلى أن ارتفاع عدد مقاعد معسكر نتنياهو إلى 64 مقعدًا، لا يعني صعود اليمين في إسرائيل، بقدر ما يعني حصول تغيّرات داخل تركيبة هذه القوى المتطرفة. أما الانقسامات داخل معسكر اليمين، فسببها شخصية نتنياهو المنفرة والاستحواذية والمتمسكة بالسلطة بأي ثمن، وليس السياسة بشكل عام، مضيفًا أن الأحزاب اليمينية المعارضة لنتنياهو، والتي يترأسها نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان وغدعون ساعر؛ تعارض شخص نتنياهو وليس الفكر اليميني.

التعليقات