حفر معرفيّ في مفاهيم الطبقة والشيوعيّة والإمبرياليّة

Danu A. Mudannayake

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

عن الحفر المعرفيّ

"النقد السابق في القرن التاسع عشر، كان يتّسم بالتوجيه و/ أو طرح بدائل للقائم، كجزء من الصراع الدائر بين البرجوازيّة الصاعدة وسائر القوى الاجتماعيّة التاريخيّة".

إسماعيل ناشف، "العتبة في فتح الإبستيم".

 

الحفر في المعرفة يكمن في نقد "نقطة الصفر"، الّتي تنطلق منها المعارف دائمًا، وفهم المضمون الاجتماعيّ والسياسيّ لنقطة البداية الّتي يتحدّث عنها الباحث؛ لأنّها تحمل العديد من الفرضيّات والمعرفة الّتي أُجمِع عليها في زمن معيّن، من خلال عدم نقاشها وتفكيكها. هذه المحاولات لتفكيك "نقطة الصفر" هي أيضًا محاولات لفهم السياقات والفضاءات القمعيّة والإقصائيّة في فترة معيّنة، الّتي تحمل طابع الحقيقة.

لذلك؛ ستبحث مقالتي في نقطة البداية الّتي انطلقت منها الماركسيّة في سياقها الأوروبّيّ، وهي تحديد لبداية "التجميع الأوّليّ" الضروريّ بصفته مفهومًا سيؤدّي إلى نشوء مفاهيم أخرى: الرأسماليّة، والطبقات، والشيوعيّة، والإمبرياليّة. لقد كان مُتّفقًا بين الماركسيّين حول أهمّيّة "التجميع الأوّليّ" في أنّه ضرورة، لكنّ مضمونه ونقطة انطلاقه وشكله هي ما نوقشت بين الماركسيّين الأوروبّيّين وغير الأوروبّيّين؛ إذ هي الّتي تُحدّد مضامين المفاهيم الأخرى، لذا، فأثرها لا يقتصر على المفاهيم، بل على الممارسة وأشكال النضال.

لقد كان مُتّفقًا بين الماركسيّين حول أهمّيّة "التجميع الأوّليّ" في أنّه ضرورة، لكنّ مضمونه ونقطة انطلاقه وشكله هي ما نوقشت بين الماركسيّين الأوروبّيّين وغير الأوروبّيّين...

ومن هنا سأتناول المقولة الماركسيّة في سياقها الأوروبّيّ، لكي نفهم السياقات الّتي أنتجت هذه المقولة، وما تحويه من تمركزات غربيّة/ عرقيّة تشكّلت من خلال سياقات قمعيّة وإقصائيّة واستعماريّة للشعوب، منذ قرون من نضوج المقولة الماركسيّة؛ لذلك نجد أنّها نضجت في هذه السياقات، وهي ستنطلق من "نقطة الصفر" الّتي لا تنقد هذه الفرضيّات المُجمَع عليها أوروبّيًّا.

 

المقولة الماركسيّة في السياق الأوروبّيّ

* كارل ماركس

منذ نهايات القرن التاسع عشر، تطوّرت المقولة الماركسيّة بمُركّباتها: الفلسفيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، من خلال كتابات كارل ماركس وفريدريك إنجلز الّتي ناقشت الفلسفة الألمانيّة، والاقتصاد السياسيّ البريطانيّ؛ وهكذا تطوّرت هذه المقولة في شكلها النظريّ، وفي الممارسة أيضًا. تطوّرها في السياق الأوروبّيّ كان دائم الاحتكاك مع الإبستيميّة المعرفيّة الغربيّة كما شرحتُها في مقالة سابقة[1]. وما أودّ قوله إنّ هذا الاحتكاك لم يكن عابرًا أو عرضيًّا على المقولة الماركسيّة، بل كانت القاعدة المعرفيّة الّتي تتأسّس عليها الآليّات والميكانيكيّات التحليليّة عند ماركس وإنجلز. واللافت للنظر أنّ هذه النقاشات حول الماركسيّة قد نضجت مع نقد إدوارد سعيد لتحليلات ماركس، إزاء الاستعمار البريطانيّ للهند، وقد حفّز نقد سعيد العديد من المفكّرين والماركسيّين للنقاش حول هذه المسألة[2].

الجانب الأكبر من ذلك النقاش تركّز  في "تمثيل" الشرق عند ماركس، وما يتضمّنه هذا التمثيل، سواء يُعبّر عن مُتخيَّل عنصريّ عرقيّ، أو عن العلاقات المادّيّة التاريخيّة الّتي نتج عنها الشرق. لذلك سأسعى في مقالتي إلى طرح سؤال حول التحليل المادّيّ - التاريخيّ ذاته، وليس حول "التمثيل"، لمعرفة كيف نتجت تمركزات غربيّة أوروبّيّة عند ماركس، في تحليله للمنظومة الرأسماليّة في كتابه "رأس المال"، وكيف بدأت تظهر من بعده سيرورة نزع - جذب هذه التمركزات عن الفهم المادّيّ - التاريخيّ للعالم.

النقاشات حول الماركسيّة قد نضجت مع نقد إدوارد سعيد لتحليلات ماركس، إزاء الاستعمار البريطانيّ للهند، وقد حفّز نقد سعيد العديد من المفكّرين والماركسيّين للنقاش حول هذه المسألة...

كتابة "رأس المال" عبارة عن ديالكتيك في فهم الإنتاج الرأسماليّ، وقد جرت كتابته على شكلِ ديالكتيك هيجل؛ البداية من المُنجَز وتفكيكه، لإيجاد الجذر والمقولات الأوّليّة[3]. لذلك؛ ففي بداية "رأس المال"، في فصله الأوّل تحديدًا، نجد ماركس يتحدّث عن السلعة في الفترة الرأسماليّة، والتناقضات الّتي تُحفّزها، والّتي تتحرّك السلعة من خلالها. الكتاب ديالكتيك ينحدر من السلعة إلى النقود، إلى العمل المأجور، إلى الإنتاج الصناعيّ، إلى فائض القيمة، إلى أن يصل "التجميع الأوّليّ" في أواخر كتابه في الجزء الثاني، الّذي يُعَدّ الجذور أو الضرورة الأولى لنمط الإنتاج الرأسماليّ. وهذه المقولة الأوّليّة تهمّ مقالتنا، كي نعلم منظور ماركس عن بدايات تجميع القيمة والثروات، الّتي يتأسّس عليها "رأس المال"[4].

"رأينا كيف تتحوّل النقود إلى رأس المال، وكيف تتولّد القيمة الفائضة عن طريق رأس المال، وكيف يتولّد رأس مال أكثر بواسطة القيمة الفائضة. لكنّ تجميع رأس المال يفترض وجود القيمة الفائضة، وهذه تفترض الإنتاج الرأسماليّ، الّذي يفترض وجود مقادير كبيرة من رأس المال وقوّة العمل في أيدي مُنتجي السلع. هكذا تبدو الحركة كلّها، كأنّها تدور في دائرة شرّيرة، لا مخرج لنا منها إلّا بأن نفرض كمُقدّمة للتجميع الرأسماليّ وجود عمليّة من ‘التجميع الأوّلي‘ - الّذي يُسمّيه آدم سميث ‘التجميع السابق‘ - وهو تجميع ليس نتيجة نمط الإنتاج الرأسماليّ، لكنّه النقطة الّتي يبدأ منها."[5]

من هذه النقطة ينطلق ماركس لفهم نمط الإنتاج الرأسماليّ في بريطانيا تحديدًا، وقد كان واعيًا أنّ لكلّ بلد شكلًا من "التجميع الأوّليّ"، من خلال الثورات المختلفة الّتي تُعيد ترتيب علاقات الإنتاج، وفق التطوّرات التكنولوجيّة. كي ندرك التمركزات الأوروبّيّة في المقولة الأوّليّة عند ماركس، نبدأ من تحديده بأنّ عمليّة "التجميع الأوّليّ" حدث تاريخيّ واقتصاديّ، وقد أطلقت نمط الإنتاج الرأسماليّ، وتتشكّل أيضًا من خلال علاقات في إطار جغرافيّ - سياسيّ واحد، وليست عابرة للجغرافيّات السياسيّة. ومن ثَمّ نستنتج أنّ هذه العمليّة هي حدث، وليست سيرورة بنيويّة، وهي أيضًا مُنغلقة جغرافيًّا في بلد أو إمبراطوريّة معيّنة، وليست عابرة للجغرافيّات السياسيّة، ولا تتشابك معها في علاقات اجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة.

كتاب "رأس المال" ديالكتيك ينحدر من السلعة إلى النقود، إلى العمل المأجور، إلى الإنتاج الصناعيّ، إلى فائض القيمة، إلى أن يصل "التجميع الأوّليّ" في أواخر كتابه في الجزء الثاني، الّذي يُعَدّ الجذور أو الضرورة الأولى لنمط الإنتاج الرأسماليّ.

مفهوما "الحدث" و"الانغلاق الجغرافيّ" هما أدوات ماركس في حفر جذور النظم الرأسماليّة[6]، ونرى ذلك بدايةً عبر تحديده للتغيّرات في نمط الإنتاج وعلاقاته، الّتي حصلت في بريطانيا فقط، منذ القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، وقد كان يرى أنّ التغيّرات في الملكيّة لصالح الرأسماليّين والعائلات، مسعاها السيطرة على الأراضي الّتي كانت بيد الفلّاحين المستقلّين في عملهم؛ وهكذا تشكّلت شروط الإنتاج الرأسماليّ، الّذي كان يقضي بتحويل الأراضي الزراعيّة إلى مراعٍ، وهذه العمليّة قد تبعها إجراءات قانونيّة واجتماعيّة، من أجل فصل وسائل الإنتاج عن الفلّاحين، وخلق جماهير من العمّال الأجيرين قانونيًّا واجتماعيًّا، المستعدّين لينخرطوا في الإنتاج الصناعيّ الأوّليّ في المراحل التالية[7].

إنّ منظور ماركس لهذه العمليّة التاريخيّة، كان مُنغلقًا في جغرافيّة بريطانيا، وتغيّرات العلاقات من داخلها، دون النظر إلى العلاقات في جغرافيّات أخرى، سواء في مملكة قشتالة (إسبانيا) أو البرتغال منذ قرون؛ وهو ما سيجعل "التجميع الأوّليّ" حدثًا تاريخيًّا لتغيير العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ وبذلك نفقد المعنى البنيويّ للعلاقات، والسيرورة التاريخيّة لحركة رأس المال في الجغرافيّات، كسلسلة واحدة عالميّة تقتضي أنّ "التجميع الأوّليّ" مرتبط بسيرورة الاستعمار الأوروبّيّ، منذ القرن الخامس عشر.

حين ينظر ماركس إلى نشأة الرأسمال الصناعيّ في سياق "التجميع الأوّليّ"، يتبيّن له ضرورة المستعمرات، والحاجة إلى الهيمنة على جغرافيّات أخرى، ولكن كحدث تاريخيّ أنتج بدوره القيمة الفائضة الأوّليّة، من أجل بداية الإنتاج الرأسماليّ الصناعيّ. وفي هذا السياق تصبح الإمبرياليّة عند ماركس حركة رأس المال في الجغرافيّات غير الأوروبّيّة، من أجل الضرورات الاقتصاديّة فقط[8].

منظور ماركس [...] كان مُنغلقًا في جغرافيّة بريطانيا، وتغيّرات العلاقات من داخلها، دون النظر إلى العلاقات في جغرافيّات أخرى، سواء في مملكة قشتالة (إسبانيا) أو البرتغال منذ قرون؛ وهو ما سيجعل "التجميع الأوّليّ" حدثًا تاريخيًّا لتغيير العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة.

التمركزات الأوروبّيّة الّتي يتضمّنها منظور ماركس إزاء "التجميع الأوّليّ"، الّتي ستخلق تمركزات في مفاهيم الطبقة والشيوعيّة والإمبرياليّة، تتبيّن لنا من خلال مفهومَي "الحدث" و"الانغلاق الجغرافيّ" الّذي سيواكب تحليلات ماركس، ورؤيته السياسيّة أيضًا.

لقد تبلورت الطبقة البرجوازيّة في أوروبّا من خلال تجارة الرقيق العالميّة، الّتي كانت موجودة في بلاد البحر المتوسّط وآسيا، ومملكة قشتالة أيضًا الّتي بدأت باستعباد السود في أفريقيا منذ القرن الخامس عشر، ونقلهم إلى الأمريكيّتين؛ بمعنى أنّ بريطانيا ليست بمعزل عن هذه التجارة، ونموّ الرأسماليّة ليس فقط من خلال تطوّرات وتغيّرات داخليّة، بل تغيّر علاقات اجتماعيّة، وإنتاج على مستوى العالم، وهي لم تصبح بريطانيا، الّتي كان فيها ماركس، إلّا من خلال هذه العلاقات البنيويّة الّتي اكتملت في أواخر القرن السابع عشر. وما نستنتجه هنا عند ماركس أنّ "التجميع الأوّليّ" مرتبط جغرافيًّا ببريطانيا، وهو ما يفصله عن نظم استعباديّة/ عرقيّة/ جندريّة في فهم نشوء الاقتصاد العالميّ، وهذه ستكون مسألة شائكة في حديثه عن الثورة، وتمركزها في المدن الأوروبّيّة الصناعيّة؛ ففي مضمون حديثه عن الطبقة العاملة، ظهر أنّها طبقة ذكور أوّلًا، وأوروبّيّة ثانيًا، وهي تستطيع - من خلال تقدّمها الاجتماعيّ والسياسيّ - أن تقود الثورة، دون ذكر الشعوب غير الأوروبّيّة لاعتبارها غير فاعلة، ولا تملك مصيرها في النظام العالميّ الحديث[9].

 

* روزا لوكسمبورغ ولينين

"تستنتج الرأسماليّة من ذلك، أنّ الاستيلاء العنيف على أهمّ وسائل الإنتاج من البلدان المستعمَرة هي مسألة مصيريّة بالنسبة إليها، ونظرًا إلى أنّ البنى الاجتماعيّة البدائيّة للسكّان الأصليّين هي الحائط الدفاعيّ الأقوى للمجتمع، عدا أنّها أساس وجودها المادّيّ أيضًا؛ لذلك يأتي كأسلوب تمهيديّ لرأس المال، التدمير والقضاء المنظَّم على البنى الاجتماعيّة غير الرأسماليّة، الّتي تقف في طريق انتشاره. هنا لم يعد للأمر علاقة بـ ’التجميع الأوّليّ‘؛ فالعمليّة مستمرّة إلى يومنا هذا".[10]

الاقتباس أعلاه لروزا لوكسمبورغ، يمثّل بدايات عمليّة نزع التمركز الغربيّ في الفهم المادّيّ – التاريخيّ للعالم؛ إذ تكسر "الحدث" ليصبح سيرورة بنيويّة تستمرّ مع الرأسماليّة، وتفتح "الانغلاق الجغرافيّ" لتكون الرأسماليّة متشابكة مع الجغرافيّات الأخرى. هنا، تحاول لوكسمبورغ أن تُعيد فهم العلاقات الرأسماليّة في سياقها الإمبرياليّ المتوسّع في العالم.

العنف الإمبرياليّ كان مُلازمًا لتحليلات لوكسمبورغ في مسألة شروط التراكم، سواء في شكلها التاريخيّ أو الراهن، وتنظر إليها بصفتها سمة للدول الرأسماليّة، الّتي لم تكن حملاتها العسكريّة من أجل السيطرة على الموارد فقط، بل لتغيير العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للعالم

العنف الإمبرياليّ كان مُلازمًا لتحليلات لوكسمبورغ في مسألة شروط التراكم، سواء في شكلها التاريخيّ أو الراهن، وتنظر إليها بصفتها سمة للدول الرأسماليّة، الّتي لم تكن حملاتها العسكريّة من أجل السيطرة على الموارد فقط، بل لتغيير العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للعالم. ومن هنا نُعيد النظر في فهم الإمبرياليّة[11].

لينين أيضًا طرح مفهوم الإمبرياليّة في سياقه الراهن لعام 1917؛ ولذلك لن نناقش "التجميع الأوّليّ" عند لينين، بل سنناقش مسألة تطوّر الرأسماليّة، وكيف أصبحت إطارًا عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، يقوم بحملات استعماريّة في أرجاء العالم عبر مفهوم الاحتكار وتركيز الاقتصاد. ما تجب ملاحظته عند لوكسمبورغ ولينين أيضًا، مسار نزع | جذب التمركز الغربيّ عن الفهم المادّيّ | التاريخيّ للعالم.

نجد ذلك واضحًا حين تتحدّث لوكسمبورغ حول تلازم العلاقة بين الطبقة العاملة والنظريّة الشيوعيّة، وهذا التلازم يحمل في طيّاته مركزيّة العلاقات الاجتماعيّة الأوروبّيّة: "إنّ عمّال الدول الرأسماليّة الأوروبّيّة الرائدة، هم بالذات مَنْ سيضطلعون بمهمّة تنفيذ التحوّل الاشتراكيّ. من أوروبّا وحدها، وفقط من أقدم الدول الرأسماليّة، يمكن - عندما يحين الأوان - أن تنطلق الإشارة للثورة الاجتماعيّة المحرِّرة للبشريّة. وحدهم العمّال الإنجليز والفرنسيّون والبلجيكيّون والألمان والروس والإيطاليّون، هم مَنْ يستطيعون معًا أن يقودوا جيش المستغَلّين والمستعبَدين في قارّات العالم الخمس."[12] هذه كلمات لوكسمبورغ في فهم الثورة الشيوعيّة المرتبطة بنيويًّا بالطبقة الأوروبّيّة العاملة، نتيجة لتمركز غربيّ/ عرقيّ يُعبّر عن المعياريّة في العلاقات الاجتماعيّة للطبقة الأوروبّيّة، على أنّها متقدّمة على العلاقات الاجتماعيّة غير الأوروبّيّة، وهذه النظريّة للممارسة الثوريّة الشيوعيّة متعلّقة بالقواعد المعرفيّة الّتي تأسّست عند ماركس.

تتحدّث لوكسمبورغ حول تلازم العلاقة بين الطبقة العاملة والنظريّة الشيوعيّة، وهذا التلازم يحمل في طيّاته مركزيّة العلاقات الاجتماعيّة الأوروبّيّة

كانت نظرة لينين إلى الإمبرياليّة منطلقة من الأساسات الّتي وضعها ماركس في مسار نزع - جذب تمركزات غربيّة، ونجد ذلك في دراسته "الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة"، المرتكزة على تطوّر العلاقات الاقتصاديّة في الجغرافيّات الأوروبّيّة؛ تركيز الإنتاج، واحتكار مصادر الخام، واحتكار رأس المال النقديّ، ثمّ سياسة المنافسة على المستعمرات من أجل مصادر الخام، وتصدير الرساميل، وتوسيع مناطق النفوذ[13].

الإمبرياليّة عند لينين، تمثّل الشكل الأخير للرأسماليّة، الّتي تطوّرت بشكل داخليّ في أوروبّا، وأثرها سيكون في الشعوب غير الأوروبّيّة؛ لأنّها ضرورة اقتصاديّة للرأسماليّة، وهنا جذب للتمركزات الغربيّة، عند فقدان "شبكة علاقات الهيمنة" في تحليلات لينين، الّتي تتأسّس عليها الجغرافيّات الأوروبّيّة لتكون رأسماليّة، ثمّ لتتحوّل إلى إمبرياليّة[14]. ومع ذلك، فقد بدأ لينين بعد قيام الاتّحاد السوفييتيّ بنزع التمركزات الغربيّة/ العرقيّة في فهمه للطبقة الّتي ستُمارس الثورة الشيوعيّة، حين وجد أنّ الأمم المضطهَدة في سياقه الزمنيّ هي الّتي ستحقّق الثورة الشيوعيّة والأمميّة في العالم، من خلال وضع مفهوم "الحلقة الأضعف"؛ ويعني أنّ الثورة تنطلق من أضعف البلدان اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا.

..........

إحالات:

[1] محمّد قعدان، "نزع الكولنياليّة من المعرفة: حول أطروحات رومان غروسفوغل"، فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، 24/07/2019، شوهد في: 11/11/2019، في: https://short.arab48.com/short/h3Zo

 [2] إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب (1981)، ص 170 – 173. مهدي عامل، "ماركس في استشراق إدوارد سعيد: هل العقل للغرب والقلب للشرق"، مجلّة الكرمل، (1982).

[3] عزمي بشارة في أطروحته للدكتوراه كان قد تحدّث عن أثر هيجل في شكل  الكتابة ومنهجيّتها عند كارل ماركس، "رأس المال" تحديدًا؛ انظر إلى: عزمي بشارة، المنطقيّ والتاريخيّ في منهج البحث في كتاب رأس المال لكارل ماركس (1986).

[4] كارل ماركس،  رأس المال، ترجمة راشد البراوي، ج2 (1947). نُشرت النسخة بالألمانيّة لأوّل مرّة عام 1885.

[5] المرجع نفسه، ص181

[6] مصطلح "النظم الرأسماليّة" يُعَبّر عن قصد كارل ماركس في فهم الرأسماليّة على أنّها نظم في أوروبّا، تنمو من خلال "تجميعات أوّليّة" في سياق عالميّ. يوضّح ماركس هنا أنّ النموّ الرأسماليّ ليس متشابكًا ومترابطًا مع جميع الرأسماليّات الأوروبّيّة، وذلك سيتمّ نقده خلال سيرورة نزع التمركزات الغربيّة.

[7] كارل ماركس، رأس المال، ص 183 - 199.

[8] المرجع نفسه، ص 213.

[9] سيدريك روبنسون، الماركسيّة السوداء - تكوين حراك ثوريّ للشعوب السوداء، ترجمة عاطف معتمد وعزّت زيّان (مركز الترجمة القوميّ، 2015)،  ص59 - 70 وص 83 – 95 [النسخة الأصليّة، 1983].

[10] روزا لوكسمبورغ، عن الثورة والحزب وأفول الرأسماليّة - نصوص مختارة، ترجمة أحمد فاروق (مؤسّسة روزا لوكسمبورغ، 2019)، ص41 [النسخة الأصليّة، 1913].

[11] المرجع نفسه، ص38 - 126.

[12] المرجع نفسه، 235.

[13] فلاديمير لينين، الإمبرياليّة أعلى مراحل الرأسماليّة (مركز الدراسات الاشتراكيّة، 2014)، ص 70 – 77.

[14] محمّد قعدان، "نزع الكولنياليّة من المعرفة..."،  https://short.arab48.com/short/h3Zo.

 

 

محمّد قعدان

 

 

طالب في جامعة تل أبيب ضمن برنامج مُتعدّد التخصّصات؛ سوسيولوجيا، أنثروبولوجيا، تاريخ الشرق الأوسط، دراسات بيئيّة. عضو مؤسّس لـ "منتدى إدوارد سعيد في جامعة تل أبيب."