المثلث الأحمر: تناقض القرارات الحكومية وتخبط السلطات المحلية

وجه رؤساء سلطات محلية في المثلث وفعاليات تُعنى بالطب والصحة، انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية، في ظل فشلها بإدارة أزمة كورونا، والقرارات المتناقضة بشأن تنفيذ خطة رمزور، وحالة الضبابية والتناقضات التي تنعكس على أداء السلطات المحلية والتزام المواطنين

المثلث الأحمر: تناقض القرارات الحكومية وتخبط السلطات المحلية

الشارع الرئيسي في باقة الغربية. شلل يسبق قرار الإغلاق الليلي؟ ("عرب 48")

وجه رؤساء سلطات محلية في المثلث وفعاليات تُعنى بالطب والصحة، انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية، في ظل فشلها بإدارة أزمة فيروس كورونا، والقرارات المتناقضة بشأن تنفيذ خطة "إشارة ضوئية" (رمزور) التي أعدها منسق شؤون كورونا، بروفيسور روني غامزو، للحد من انتشار الجائحة، بما في ذلك فرض الإغلاق الليلي في البلدات المدرجة على القائمة الحمراء، علما بأن جميع البلدات في المثلث مصنفة حمراء، باستثناء باقة الغربية التي تتأرجح بين البرتقالي والأحمر.

ويعيش رؤساء السلطات المحلية بالمثلث أسوة بالأهالي، حالة من الترقب، في ظل تضارب القرارات الصادرة عن السلطات الإسرائيلية المعنية ومعالجة أزمة كورونا من قبل أكثر من جهة ومؤسسة رسمية، ما يتسبب بحالة من التخبط والإرباك مما يحول دون تنفيذ كافة الإجراءات، وعدم التقيد بمختلف التعليمات للحد من انتشار الوباء وقطع سلسلة العدوى.

مواطنون يتابعون قائمة المدن الحمراء ويرقبون قرار الإغلاق ("عرب 48")

وفي ظل النهج الحكومي المتردد حيال أزمة كورونا، وإرجاء تنفيذ التقييدات الحكومية الجديدة المتعلقة وتحديث قائمة المدن الحمراء، واحتمال بحث مقترح فرض الإغلاق الشامل في البلاد عشية الأعياد اليهودية، تعجز المؤسسات الرسمية عن توفير الأجوبة لرؤساء السلطات المحلية العربية واللجان الطبية، كما أن قرارات وتعليميات بعض الدوائر الحكومية تتعارض مع تلك الصادرة عن الجبهة الداخلية وسلطات إنفاذ القانون، فيما لم تمنح السلطات المحلية العربية أي صلاحيات لتنفيذ أي إجراءات للحد من انتشار الفيروس ضمن مناطق نفوذها.

وكان الأسبوع الأخير حاسما بالنسبة لقرية كفر قرع التي أدرجت رسميا، ظهر الإثنين، ضمن قائمة البلدات الحمراء بسبب تسجيل معدل قياسي للإصابات مثلها مثل العديد من البلدات العربية، وعزا المسؤولون ذلك إلى التجمهر والأعراس وعدم التقيد بتعليمات الوقاية المتعلقة بالتجمهر والتباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات الواقية.

لكن هناك إجماع بالبلدات العربية بأن فشل الحكومة والدوائر الرسمية بإدارة أزمة كورونا، ساهم في تفشي الفيروس بالبلدات العربية التي تلقت فقط التعليمات والإرشادات دون أن تكون شريكة باتخاذ أي من القرارات المتخذة في هذا الشأن.

أبعاد وتداعيات

فراس بدحي

وفي هذا السياق، قال رئيس مجلس كفر قرع، المحامي فراس بدحي، في حديث لـ"عرب 48" إنه "للأسف الشديد بلغنا رسميا إدراج بلدنا ضمن القائمة الحمراء وشملها بالإجراءات المشددة التي ستصل إلى حد الإغلاق الليلي. القرار مؤسف للغاية وله تداعيات سلبية على الصعيد المجتمعي والأسري، والتجاري والاقتصادي والتربوي وقد يؤثر على مستقبل الطلاب".

وأكد بدحي لـ"عرب 48" أن الأسبوع الأخير شهد ارتفاعا بعدد الإصابات الجديدة المسجلة، حيث سجلت البلدة 84 إصابة جديدة ما يرفع إجمالي الإصابات النشطة إلى 120 حالة، علما بأن كفر قرع كانت مدرجة على القائمة الصفراء، حتى نهاية آب/ أغسطس الماضي، لكن التجمهر والأعراس ساهما بانتشار الفيروس وسارعا من وتيرة انتقال العدوى.

وحث رئيس المجلس المتواجد في الحجر الصحي بسبب مخالطة مصاب بكورونا خلال عمله في المجلس، أهالي كفر قرع، على الالتزام بإجراءات الوقاية للحد من انتشار كورونا وتجاوز الأزمة، داعيا إلى تأجيل الأعراس لأجل غير مسمى أو أن تقتصر على العائلة المصغرة بمشاركة لا تتعدى 20 شخصا، مشددا على ضرورة الالتزام بالحجر الصحي والإرشادات الطبية المتعلقة بالوقاية من الفيروس.

تناقض وتخبط

ووجه بدحي انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة في إدارة أزمة كورونا وما يسمى خطة "رمزور" المتعلقة بفرض الإغلاق وفرض الإجراءات المشددة في البلدات الحمراء، مؤكدا أن التبابين بالقرارات والتناقض بالتعليمات يعكس حالة من التخبط لدى الحكومة و"كابينيت كورونا" والوزارات الحكومية، والقرارات التي تأتي لدوافع سياسية يدفع المواطن العربي ثمنها.

وأكد أن قرار الإغلاق الليلي وإغلاق المدارس ما هي إلا إجراءات مجحفة بحق المجتمع العربي وعقاب جماعي، معتبرا أنه "كان من الأجدر بمختلف الوزارات الحكومية تشديد الإجراءات تدريجيا وإنفاذ القانون، وتعميق حملة الوعي والإرشاد وتذويت ثقافة تطبيق التعليمات وعدم التردد والتراجع، الأمر الذي خلق حالة عدم ثقة لدى المواطن العربي بالتعليمات الحكومية ما حال دون الانصياع لها بالكامل، وهو الأمر الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة التي اختارت دائما اتخاذ القرارات دون إشراك المجتمع العربي".

من افتتاح العام الدراسي في كفر قرع

ورأى رئيس المجلس أن إغلاق المدارس قرار خاطئ وشدد على أنه كان يجب منح السلطات المحلية صلاحية اتخاذ مثل هذه القرارات بحسب المعطيات المحلية المتعلقة بانتشار الفيروس، وقال "لا يعقل أن يكون رؤساء السلطات المحلية العربية في الخط الأول لمكافحة كورونا، ومن جهة أخرى لا يتم إشراكهم بأي قرار ولا يتم منحهم أي صلاحيات للحد من انتشار الفيروس في بلداتهم".

تعاون وتنسيق

خالد غرة

وعبر رئيس المجلس المحلي في قرية جت في المثلث، المربي خالد غرة، عن الموقف ذاته. واستعرض التناقضات في القرارات الصادرة عن مختلف الدوائر الحكومية ذات الصلة في إطار مكافحة تفشي كورونا؛ وقال: "كسلطات محلية دائما أبدينا الاستعداد للتعاون والتنسيق لما فيه مصلحة للمواطنين والحفاظ على صحتهم. نحث على الالتزام بالتعليمات وإجراءات الوقاية، لكن لا يعقل هذا التباين والتناقض في القرارات والتعليمات والإجراءات الصادرة عن الوزارات الحكومية".

وعزا غرة في حديثه لـ"عرب 48" التناقض بالقرارات والتباين بالإجراءات إلى معالجة أزمة كورونا من قبل عدة جهات ومؤسسات حكومية مع عدم الإشراك الفعلي للحكم المحلي والسلطات العربية، مبينا وجود عدة أطراف وجهات تعمل بشكل شبه مستقل ودون تنسيق في إدارة الأزمة، ما يتسبب بتعميقها ويكرس حالة عدم الوضوح، وبالتالي يخلق حالة من التخبط والبلبلة لدى السلطة المحلية والمواطن.

انتقادات ومسؤولية

واستذكر غزة التناقض بالتعليمات التي تلقاها منذ الإعلان عن بلده جت ضمن القائمة الحمراء، وأوضح أنه "خلال الاتصال والتواصل مع الجبهة الداخلية، والشرطة، ووزارات الصحة والداخلية والتعليم، كثيرا ما كان هناك تناقضا كبيرا بالأجوبة وتباين بالتعليمات وأحيانا عدم الحصول على أجوبة شافية وواضحة، وهذا تسبب بالإرباك والبلبلة لدى السلطات المحلية العربية في التعامل مع الأزمة، والتذمر والاستياء لدى المواطن، وفي كثير من الأحيان لا تحصل السلطات المحلية على أجوبة شافية وواضحة".

الشارع الرئيسي الموصل بين باقة وجت، شريان مواصلات عطلته أزمة كورونا ("عرب 48")

وأعرب رئيس المجلس عن تفهمه لتذمر واستياء المواطنين في البلدات العربية، محملا الحكومة مسؤولية الفشل بإدارة أزمة كورونا وعدم رصد الميزانيات الكافية للسلطات المحلية العربية، الأمر الذي يعيق عملها ويحول دون قدرتها على مواجهة الفيروس بالنجاعة المطلوبة.

ورغم الانتقادات التي وجهها لأداء الحكومة واتهامها بالتقصير، غير أن رئيس المجلس لا يعفي الجميع من تحمل المسؤولية، قائلا "علينا جميعا كمجتمع بمختلف مؤسساته وهيئاته وفعالياته العمل بتنسيق ووحدة وشراكة وتحمل المسؤولية الجماعية والفردية والشخصية للحد من انتشار الفيروس".

بلبلة وتساؤلات

في المقابل، أوضح منسق لجنة الطوارئ الطبية في جت، الممرض سائد جميل غرة، أن التناقض في القرارات والتعليمات الحكومية الرسمية لا يقتصر على الجانب الإرشادي والخطوات العملية، بل يشمل أيضا التعليمات المتعلقة بالصحة وفحوصات تشخيص الإصابة بكورونا، التي تأتي على عجالة وتتم دون أن تؤتي بثمارها وتحقق أهدافها.

وأوضح غرة في حديثه لـ"عرب 48" أن "البرنامج المحدث للحد من انتشار فيروس كورونا في قرية جت التي شخصت بها 103 إصابات نشطة حتى مساء الإثنين، يقضي بإجراء فحوصات كورونا يومي الأربعاء والخميس، لكن حتى الآن الجبهة الداخلية لم تحسم القرار المتعلق بالشروع بالتجهيزات بغية حث السكان على إجراء الفحوصات".

جنود من "الجبهة الداخلية" في أم الفحم قبيل الشروع بتشديد القيود وفرض الإغلاق

وعزا غرة هذا التردد في حسم الأمور حتى في الدفع نحو إجراء فحوصات في البلدات العربية الموبوءة بالفيروس، إلى التناقض في القرارات الصادر عن مختلف الوزارات والجهات الحكومية، الأمر الذي ينعكس سلبا في تعامل السلطات المحلية مع أزمة كورونا ويضعها في دوامة التخبط.

وعن انعكاس تناقض القرارات الحكومية على نهج المواطنين، أوضح غرة أن "ذلك يخلق حالة من البلبلة ويدفع إلى عدم التقيد في التعليمات والامتناع عن تنفيذ الإجراءات، فبعد إغلاق المدارس ما تزال تتردد إمكانية فتح الروضات حتى في البلدات الحمراء، كما تطرح التساؤلات والكثير من الاستفسارات بشأن التجمهر والصلوات في المساجد، وإذ ما كان الإغلاق يشمل كافة المؤسسات العامة والخاصة، وكيف سيتصرف من يعمل بأماكن ووظائف حيوية في ما يتعلق بالخروج والدخول من بلده الحمراء؟".

انتشار وتفاقم

وشدد غرة على أن الكثير من الأمور الصادرة عن المكاتب الحكومية والجبهة الداخلية غير مفهومة ومبهمة، وبالتالي يتسبب ذلك في التخبط لدى السلطات المحلية وغرف الطوارئ التربوية والصحية التي تنشط في كل مدينة وقرية، كما ينعكس ذلك سلبا على تعامل المواطنين ويعيق الهدف بقطع سلسلة العدوى.

واعتبر أن "الغالبية العظمى من التعليمات والإجراءات والقوانين المعمول بها بموجب حالة الطوارئ والمتعلقة بالحجر الصحي على سبيل المثال لا تنطبق على طلاب المدارس"، لافتا إلى أن "التعليمات الوقائية التي تسمح لطلاب الصفوف الأولى والثانية في المرحلة الابتدائية تتناقض وتتعارض مع تعليمات الحجر الصحي، بحيث يتم إلزام هذه الشريحة الطلابية بالحجر الصحي بحال خالطوا مصابا بكورونا، علما بأنه لا يوجد ما يلزمهم بوضع الكمامة".

ورأى غرة أن التناقض الحكومي في معالجة أزمة كورونا، لا يعفي المجتمع العربي من المسؤولية وشدد على ضرورة العمل الوحدوي والتنسيق والتصرف بمسؤولية دون الاستهتار كما دعا إلى الخروج من حالة اللا مبالاة، محذرا من تفاقم الأزمة بعد رفع الحظر الليلي في ظل تعامل الحكومة مع البلدات العربية، خصوصا مع استئناف العام الدراسي وعودة الطلاب لمقاعد الدراسة.

التعليقات