العودة للمدارس على الأبواب: هل حقيبة ابني مناسبة؟ طبيب مختصّ يجيب

تشير المعطيات المحلية والعالمية إلى تفاقُم ظاهرة معاناة الطلاب من مشاكل في العظام، وتشوّهات واعوجاج في العمود الفقريّ والكتفين، حتى في سنّ الطفولة، وذلك بسبب الحقيبة المدرسيّة.

العودة للمدارس على الأبواب: هل حقيبة ابني مناسبة؟ طبيب مختصّ يجيب

(توضيحية - Getty Images)

تشير المعطيات المحلية والعالمية إلى تفاقُم ظاهرة معاناة الطلاب من مشاكل في العظام، وتشوّهات واعوجاج في العمود الفقريّ والكتفين، حتى في سنّ الطفولة، وذلك بسبب الحقيبة المدرسيّة التي يحملها الطالب يوميًّا على ظهره، ذهابا وإيابا من وإلى المدرسة، ما أسفر عن مشاكل لدى طلاب صغار في السن، الأمر الذي لم يكن شائعا في الماضي.

وفيما نحن الآن على مشارف افتتاح السنة الدراسية الجديدة، التي من المُقرَّر أن تفتح أبوابها أمام الطلاب يوم الخميس المقبل، أجرى "عرب 48" الحوار التالي مع د. ياسر خطيب، وهو طبيب مختصّ في جراحة العظام، وجراحة عظام الأطفال، وذلك للحديث معه بشأن موضوع حقيبة الطالب، التي باتت تشكّل سببا رئيسيا لمشاكل الظهر والكتفين لدى الأطفال.

د. ياسر خطيب، الطبيب المختصّ في جراحة العظام

"عرب 48": كم ينبغي أن يكون وزن الحقيبة المدرسيّة، مقارنة مع وزن الطالب؟

خطيب: هنالك معايير وشروط محدّدة ومتعارف عليها عالميا، تتعلق بحقيبة الطالب، وهي ألا يتجاوز وزن الحقيبة 10 – 15% من وزن الطالب، وذلك يتعلّق بعمر الطالب، وحجم جسمه وبنيته ووزنه، فالطالب في الصف الأول على سبيل المثال، يكون معدل وزنه بين 20 - 22 كيلوغراما، ولذلك فإن حقيبة الظهر خاصّته، ينبغي ألا يتعدى وزنها حاجز الـ3.5 كيلوغرامات. ونحن هنا نتحدث عن الوزن الشامل؛ أي الحقيبة بما تحتويه من كتب ودفاتر وقرطاسية، وكل ما هو فوق هذا الوزن، فإنه يُعدّ وزنا زائدا، لا ينبغي له أن يكون.

"عرب 48": عندما يكون في الحقيبة وزن زائد –وهو أمر شائع لدى طلابنا– ماذا يمكن أن يُسبّب ذلك، وكيف يؤثّر على صحّة الطالب في المراحل الأولى؟

خطيب: طبعا أي وزن زائد يُجبَر الطفل على حمله، سواء أكان حقيبة أو غير ذلك، فإن ذلك يؤثر على الجهاز الحركي بالنسبة إليه، وما دمنا بصدد الحديث عن حقيبة الطالب، فإن ذلك يؤثر على الأكتاف وعلى العمود الفقري، وقد يسبب آلاما في الظهر وتشنجات في العضلات، وربما يُحدِث التواءً في العمود الفقري، وعدم توازن في العضلات، وقد تظهر لدى الطالب أوجاع في الظهر أو الكتفين، أو في الرجلين أحيانا. والطالب عندما يكون مجهَدًا من حمل الحقيبة، فإنه سيصل إلى المدرسة في حالة تعب، وبالتالي فإنّ هذا يؤثر على حالته النفسية وعلى تركيزه، وصولا إلى التأثر على تحصيله العلميّ كذلك.

"قد تظهر لدى الطالب أوجاع في الظهر أو الكتفين" (Gettyimages)

"عرب 48": هل هنالك طريقة مُثلى لحمل الحقيبة؟

خطيب: نعم، هنالك إرشادات ونصائح تتعلق في حمل الحقيبة المدرسية. بداية، يجب أن لا يتعدى وزن الحقيبة فارغةً، حاجز نصف كيلوغرام، ثم هنالك مواصفات للحقيبة الجيدة، إذ أنها يجب أن تكون مبطَّنة بالإسفنج من الجزء الخلفي الملاصق لظهر الطالب، لكي لا تسبِّب الضغط على أجزاء من ظهر الطالب، دون غيرها. وألا تكون الحقيبة أكبر من ظهر الطالب. ويجب أن تُحمَل بين أسفل العنق إلى فوق منطقة الحوض، وأن لا تكون إلى أعلى أو أسفل من ذلك، ولا أن تكون مائلة إلى اليمين أو إلى اليسار، بالإضافة إلى تثبيتها بحزامين على الكتفين، وأن يتمّ شدّ الحزامين بشكل متساو ومتواز، ويُفضَّل أن يكون حزام ثالث يشدّ على بطن الطالب، بحيث تصبح الحقيبة وجسم الطالب كتلةً واحدة.

هذا من حيث الشكل، وهنالك إرشادات أيضا حول تقسيم الكتب والدفاتر داخل الحقيبة، إذ يُفضَّل أن تحتوي الحقيبة على أكبر عدد من الجيوب بداخلها، ليتمّ تقسيم الكتب بشكل متساو، على أن تكون الكتب الثقيلة في الجيوب الملاصقة لظهر الطالب، وأن تكون متوازية من ناحيتَي اليمين واليسار.

طول الطرق إلى المدارس تسبب معاناة للطلاب (Gettyimages)

"عرب 48": في الحقيقة، أنت تتحدث عن الطريقة المثالية لوزن وطريقة حمل الحقيبة، لكن واقع الطلاب في المجتمع يختلف عن ذلك، ونلاحظ أن وزن الحقيبة في معظم الأحيان، يكون أعلى -وربما بكثير- من المعدّل الذي تحدثتَ عنه، فهل هنالك بدائل كاستخدام الحقيبة التي تُجرّ أو تُسحَب على عجلات مثلا؟

خطيب: هنالك بالطبع بدائل عن حِمل الحقيبة التي تحتوي وزنا زائدا، ولكن هنالك إشكالية بحسب رأيي، فبالنسبة لموضوع حمل الحقيبة على عجلات، يُشار إلى أن حقيبة العجلات غير ملائمة لكل ظرف وكل طريق، وربما تكون ملائمة للطالب الذي يسير على طريق مستوية من البيت إلى المدرسة، بدون صعود أو انحدار، وكذلك الأمر داخل المدرسة، فإذا كان الصف الذي يتعلم فيه الطالب في الطابق الثاني أو الثالث، ولا يوجد هنالك مصعد، فإنه سيتكبد المشقة في حملها ورفعها إلى الطوابق العليا، بالنظر إلى أنها ستكون أكثر وزنا من حقيبة الكتفين.

"حقيبة العجلات غير ملائمة لكل ظرف وكل طريق" (Gettyimages)

"عرب 48": هل تلحظون حدوث مشاكل صحية لدى الطلاب بسبب الحقيبة المدرسية، أكثر من ذي قبل؟

خطيب: نعم، ظاهرة الحقيبة الثقيلة وأوجاع الظهر هي ظاهرة متزايدة ومتفاقمة من حيث المشاكل، ومن حيث الوضع الذي يصل فيه الطالب مع والديه إلى العيادة، بسبب وزن الحقيبة، وهذه التوجهات يومية، وللأسف مشاكل الظهر والعضلات لدى الأطفال في تزايد، وأحد أسبابها الحقيبة المدرسية، بالإضافة إلى أسباب أخرى نحن لسنا في صدد الحديث عنها الآن.

"عرب 48": هل يمكن أن تساهِم المدرسة في حَلّ مثل هذه المشاكل، كأن يتمّ تخصيص خزانة أو رفٍّ داخل خزانة مُغلقة، يضع الطالب فيها كتبه الثقيلة، فضلا عن حملها والتنقُّل بها يوميًّا؟

خطيب: نعم، هنالك عدة طرق وإمكانيات ومسارات لحلّ هذه الإشكالية، كالحلول النوعية والحلول التنفيذية والعملية التي تخصّ إدارات المدارس، سواء من خلال التوعية ومناقشة الموضوع مع لجان أولياء أمور الطلاب، وأن يكون للأهل دور في مراقبة حقيبة طفلهم، وما يُوضع فيها، أو كما ذكرتَ أنت في الجوانب التنفيذية، أن يتم منح الطالب خزانة خاصة، وهو إجراء عملي معمول به في بعض المدارس اليهودية، ويجب السعي من أجل تطبيقه في المدارس العربية أيضا، أو استبدال الكتب بكتب ديجيتالية (عبر الأجهزة الإلكترونية اللوحية) مثلا، أو تقسيم الكتاب الكبير إلى أجزاء أو فصول صغيرة، بدلا من أن يحمل الطالب كتابا من 300 صفحة. كل هذه الحلول يجب أن تكون مطروحة لحلّ أزمة حمل حقيبة مدرسية ثقيلة الوزن.

التعب المتواصل للطالب قد يؤثر على تحصيله العلميّ (Gettyimages)

"عرب 48": نلاحظ أنه في منطقة النقب، حيث القرى مسلوبة الاعتراف، لا تتوفر المدارس، وأحيانا لا تتوفر السفريات، فنلاحظ معاناة الطلاب في حمل الحقيبة المدرسية، ربّما لعشرات الكيلومترات، فما تأثير المسافة التي يقطعها الطالب مشيا على الأقدام في هذا الموضوع؟

خطيب: صحيح، هذه الظاهرة شائعة في قرى النقب، وخاصة القرى غير المعترف بها، والتي تفتقر إلى السفريات المنظمة، ويضطر الطلاب لمشي مسافات طويلة، وبالتالي يضطر الطالب لمشي مسافة 5 – 6 كيلومترات وربما أكثر من ذلك، والمعادلة هنا واضحة، فإذا كان وزن الحقيبة يعادل نصف وزن الطالب، أو ثلث وزن الطالب، والسير لمسافات طويلة في ظروف جويّة غير مريحة كالحر الشديد والبرد القارس؛ فإن النتيجة واضحة وستظهر في تفاقم أوجاع الظهر والمعاناة التي تجعله غير قادر على التعلّم بالشكل الذي ينبغي أن يكون.

"عرب 48": أنت تقول إن النتيجة ستكون سلبيّة، وليس كما يعتقد البعض بأنّ هذه المشقّة تقوّي جسد الطفل وتجعله متينا؟

خطيب: لا، بالطبع فإن النتيجة سلبية لأن هذه ليست رياضة ولا تدريب عضلات، وإنما هو ثِقل زائد على جسم طالب في مراحل النمو، وهذا قد يؤثر سلبا على طريقة النمو وسرعته، ويسبِّب خللا في النمو كذلك.

الطلاب العرب في النقب قد يسيرون عدّة كيلومترات سيرا على الأقدام (Gettyimages)

"عرب 48": هل من نصيحة أخيرة؟

خطيب: أنصح الأهالي بمراقبة أبنائهم قبل المغادرة إلى المدرسة، وأن لا يترددوا في التوجُّه إلى طبيب مختصّ، إذا ما اشتكى الطفل من أوجاع بسبب الحقيبة، وأن يراقبوا جسد الطفل، إذا كانت هنالك علامات أو كدمات على الكتفين، بسبب وزن الحقيبة، أو بسبب شدِّ أحزمتها بشكل مفرِط. كما أن عليهم مراقبة ما يحمله الطالب إلى المدرسة، والتخلُّص من الأشياء غير الضرورية التي تحتويها الحقيبة.

(Gettyimages)

التعليقات