إزالة النصب التذكاريّ من اللجون المهجّرة... سعي لسرقة الذاكرة الفلسطينيّة

غضب واستنكار بسبب إزالة النصب التذكاري الذي يخلد شهداء اللجون المهجرة، والذي أُزيل في محاولة "لسرقة المعنى والذاكرة" بحسب ما رأى نازح من القرية.

إزالة النصب التذكاريّ من اللجون المهجّرة... سعي لسرقة الذاكرة الفلسطينيّة

النصب التذكاريّ قبيل تثبيته في اللجون ("عرب 48")

أثارت إزالة النصب التذكاريّ الذي يُخلّد شهداء اللّجون المهجرة في منطقة الروحة قضاء مدينة حيفا، في خطوة تمّت بعد نصبه بنحو أسبوعين؛ غضب المواطنين في مدينة أم الفحم، ولا سيّما لدى المهجّرين من اللجون، والذين نزحوا إلى المدينة، ومناطقها المجاورة.

وكان النصب التذكاري قد وُضع خلال فعالية تخليد شهداء أم الفحم واللّجون المهجرة التي أقيمت يوم 26 آب/ أغسطس الماضي. وعمل على وضع النصب التذكاري، لجنة شهداء اللّجون وأم الفحم، وذلك بالتعاون مع نشطاء وقيادات من مدينة أم الفحم.

خلال فعالية نصْب النصب التذكاريّ ("عرب 48")

ويتمثّل النصب التذكاريّ بصخرة كبيرة تزن نحو طنّين ونصف الطن، نُحتت عليها أسماء شهداء اللجون، بالإضافة إلى آية من القرآن الكريم، وبيت من الشِّعر، وعلم فلسطين، ونقوشات جمالية؛ عمل على نحتها الفنان والشاعر عادل خليفة ابن مدينة أم الفحم.

وأُزيل النصب من قِبل ما تُسمّى بـ"دائرة أراضي إسرائيل"، وذلك بحجّة أن المكان محميّ من قبل الدولة، ويُمنع تنفيذ أي نشاط يتعلّق بالمبنى والمنطقة المحيطة به، بحسب لافتة عمَد مُزيلو النصب التذكاريّ إلى تثبيتها في المكان، بعد إزالة النصب.

وتمّ التخطيط لتنظيم مظاهرة غدا السبت على مفرق اللجون المهجرة (مفرق مجيدو)، احتجاجا على عملية إزالة النصب التذكاري من المقبرة.

("عرب 48")

وفي حديث لـ"عرب 48"، قال خليفة الذي عمل على نحت النصب التذكاريّ، إن "الفكرة نبعت من مجموعة من النشطاء والمهجرين الذين قرروا تخليد ذكرى الشهداء، والعنوان الأول شهداء ثورة عام 1936، وذلك لتخليد وترسيخ ذكرى الشهداء، خاصة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة".

وأضاف خليفة أن "فكرة الصخرة جاءت لتخليد ورفع أسماء الشهداء منذ لحظة استشهادهم وحتى يومنا هذا، والصخرة بالتحديد لرفع أسماء الشهداء من الأرض إلى الأعلى، وخاصة أن الصخرة جزء لا يتجزأ من الأرض، وأن حضور الشهداء كان كالصخرة أمام الاحتلال والاستعمار الذي كان آنذاك، ومحاولات اغتصاب اللجون، فالشهداء قدّموا أغلى شيء وهي الروح، ولذلك رأينا أنه من المهم تخليد أسمائهم ومقاومتهم، إذ أن الصخرة كالعظام في الجسد".

"ليست إزالة، إنما سرقة"

وفي سياق تعقيبه على بيان أصدرته "دائرة أراضي إسرائيل" بشأن إزالتها النصب التذكاريّ، قال خليفة: "بكل وقاحة سرقوا الأرض وزيّفوا التاريخ وشردوا أهلها، ويريدون الآن سرقة الذاكرة الفلسطينية. الردّ الذي تلقيناه من ’دائرة أراضي إسرائيل’ مضحك، لأنها خلال البيان تتحدث عن أنها هي الحامية للمكان المقدس، وهي تنتهك بالمقابل كل المقدسات في الأراضي المقدسة، وبكل وقاحة يكبتون أنه على الزائر أن يحترم المكان، ونحن لن نحتاج إلى إذن للحفاظ على المقبرة وترميمها، سندخل متى نشاء لأن هذه المقبرة والأرض لنا".

من المكان بعد إزالة النصب التذكاريّ ("عرب 48")

وأضاف خليفة أن ما حدث "ليس إزالة إنما سرقة، خاصة أن المقبرة إسلامية، والأرض أرض عربية، ومن اقتحَم وتسلّل وسرق الصخرة (النصب التذكاري) تمامًا كالذي سرق الأرض في عام 1936، وكأننا في مرحلة الشهداء والدفاع عن الأرض وحمايتها من السرقة، إذ أن سرقة الصخرة أعادنا إلى تلك السنوات وعمليات السرقة... والآن أسماء الشهداء تقود المعركة من جديد، لذلك تم سرقتها".

حاولوا "سرقة المعنى"

وذكر خليفة أن "هذه السرقة سطو على أرض عربية ومقبرة إسلامية لها كرامتها وقدسيتها... بكل وقاحة تم تدنيس المقبرة والقدسية بالسطو وسرقة الصخرة، إذ أنهم بهذه الطريقة فكروا بسرقة المعنى، لأن المعنى هنا ثلاثيّ: الأرض، وتاريخها، وذاكرة الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض".

الفنان عادل خليفة ("عرب 48")

وأشار إلى أن "الفعل الذي قاموا به (السلطات الإسرائيلية) يؤكد أن النكبة ما تزال مستمرة من خلال السرقات والاغتصاب والاحتلال لكل ما هو حقّ، ولم يكتفوا بذلك بل اغتصبوا المشاعر من خلال هذا الفعل المشين، وكل ذلك تحت غطاء القانون".

وشدّد على "عمل المؤسسة الإسرائيلية على جعلنا الحاضر الغائب على أرضنا، فهم صادروا الأرض رغم أننا هنا".

وأضاف خليفة: "مستمرون كلجنة لتخليد ذكرى الشهداء. لقد جئنا بعد يومين من سرقة الصخرة و أكدنا أن المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، ولن ننسى ولن نغفر... سنبقى نرمِّم المقابر، مهما فعلوا".

عن قرية مهجّرة لي فيها ذكريات...

من جانبه، قال زياد أمين محاجنة، النازح من اللجون المهجّرة، وعضو لجنة تخليد شهدائها: "نزحنا من اللجون إلى أم الفحم، وحينها كنت ابن خمسة أعوام. آنذاك استيقظنا على أصوات الصراخ فجرًا، وكان الكثير من الصراخ والبكاء وصوت كثيف لأزيز الرصاص من حولنا، وكان الجميع يتساءل عن الذي يجري. صحيح أننا كنا نعلم أن هناك معارك تجري، ولكن كانت في مناطق بعيدة، ولم نكن نتوقع أن المعارك اقتربت ووصلت بلدتنا اللجون المهجرة، وبعد اقتراب الخطر منا، بدأ الجميع يهرب من الاعتداءات، خاصة النساء".

وأضاف محاجنة مستعيدا ما في ذاكرته عن التهجير: "بعد اقتراب العصابات، بدأت النساء تهرب خوفًا منها لأنها كانت تعتدي على الجميع. أخذت والدتي شقيقي الأصغر ونسيتني داخل المنزل أبكي وحدي، حتى سمعتني إحدى جارتنا أبكي في المنزل، وهي شقيقة الشهيد يوسف حمدان طميش، وبعدها قامت بأخذي معها حتى وصلنا مكانا آمنا واعتلينا حصانا و نزحنا إلى مدينة أم الفحم، وذلك عام 1948".

زياد أمين محاجنة، النازح من اللجون المهجّرة، وعضو لجنة تخليد شهدائها ("عرب 48")

وقال محاجنة: "صحيح أنني كنت صغيرا حينها، ولكنني أتذكر منزلنا في اللجون بكل تفاصيله"، فيما كانت ذكريات القتل والإجرام (المُرتبكة بحق القرية وأهلها) صعبة، خاصةً أننا خرجنا من اللجون وكنا نتوقع أن نعود بعد مدة قصيرة، لكننا عندما عدنا إلى اللجون بعد بضعة شهور، وجدنا كل شيء مهدوما، ولا يوجد للمنازل أثر سوى الركام".

وحول إزالة النصب التذكاري الذي يخلِّد الشهداء، عقّب محاجنة بالقول: "لا يوجد أي كلام يعبّر عن سرقة النصب، أتعجب ما الذي يخيفهم من صخرة نُحتت عليها أسماء الشهداء، وآية قرآنية وبيت شِعر".

وأضاف: "باعتقادي، إنهم يريدون سرقة الذاكرة منا، حتى لا تصل إلى الأجيال، ولكننا سنبقى نعمل لإحياء ذكرى الشهداء، لأننا إذا نسينا الشهداء سننى أنفسنا، وردًّا على كل هذه المحاولات، سنبقى نعمل على تخليد الشهداء".

ضريح الشهيد يوسف حمدان طميش في مقبرة اللجون المهجرة ("عرب 48")

وتطرّق محاجنة إلى منع السلطات الإسرائيلية من تسمية الشوارع والمؤسسات في البلدات العربية على أسماء شهداء، وقال إن "السبب ذاته الذي جعل السلطات الإسرائيلية تسرق النصب التذكاري الذي وُضع في اللجون -وهو محاولة محو الذاكرة وتخليد الشهداء- يجعلها تمنع السلطات المحلية العربية من تسمية الشوارع على أسماء الشهداء، والبلدات العربية، وذلك حتى تسلبنا الذاكرة والتاريخ، وحتى لا ينتقل هذا التاريخ إلى الأجيال".

وتابع محاجنة: "الأهم أن نستمر في الطريق وهو الدفاع عن التاريخ والمقدسات والذاكرة الجماعية لنا، ونحن كلجنة تخليد للشهداء، سننظم السبت القريب مظاهرة جبارة، للرد على سرقة النصب التذكاري من مقبرة اللجون المهجرة، وذلك على مفرق اللجون (مجيدو) للرد على كل هذه المحاولات لطمس الحقيقة ومحوها".

جانب من سهول اللجون ("عرب 48")

التعليقات