المدارس العربية: التغيير بالمناهج التعليمية تكريس لعوامل القوة والسيطرة

رفض مربون وناشطون سياسيون من المجتمع العربي المنهاج الجديد في المدنيات، والذي يبرز الجوانب اليهودية لإسرائيل وقوة السلطة فيها، ويقلص التعامل مع قضايا مثل حقوق الإنسان والمواطن ومكانة الأقلية العربية وميزاتها والمساواة في الحقوق وغيرها.

المدارس العربية: التغيير بالمناهج التعليمية تكريس لعوامل القوة والسيطرة

طالبات أحد الصفوف في أم الفحم (عرب 48)

أثارت مصادقة وزيرة التربية والتعليم الإسرائيلية المنتهية ولايتها، ييفعات شاشا - بيطون، يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، على المنهاج الجديد لمادة المدنيات للصف التاسع، والذي يولي أهمية كبيرة للجوانب اليهودية لإسرائيل، ويقلص التعامل مع مواضيع مثل حقوق الإنسان والمواطن ومكانة الأقلية العربية والمساواة في الحقوق ودور القضاء وجوانب ديمقراطية أخرى، استياء المجتمع العربي في البلاد.

وترافق ذلك مع دعوات لرفض المنهاج الجديد الذي اعتبروه بأنه استمرار للتوجهات المهيمنة وللتغييرات في المناهج لتكريس عوامل القوة والسيطرة، داعين إلى التصدي لهذه المحاولات، كما دعت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي لوقف ما اعتبرته محاولات متكررة بهدف غسل أدمغة الطلاب العرب.

وقالت الناشطة السياسية والمربية نيفين أبو رحمون لـ"عرب 48" إن "إسرائيل جعلت من مدارسنا أداة من أجل السّيطرة المُحكمة على الأجيال الفلسطينيّة الصاعدة وعلى منسوب الانتماء والولاء لها".

وأضافت أن "إسرائيل تعرف أيضا أن اختراق المدارس ومحاولة إقحام منهاج إسرائيلي ضمن سياسة الترغيب والترهيب هي الوسيلة من أجل ضرب العمل التربوي المنظّم على أساس الكلّ الفلسطيني ومحاصرة العمل الوطني، والتي تعتبر المدارس جزءا أصيلا منه".

الناشطة السياسية والمربية نيفين أبو رحمون

وأكدت أن "لموضوع المدنيّات خاصته التي تستغلها إسرائيل كل مرّة من جديد من أجل تمرير روايتها الصهيونية للأجيال، وتعمل على تغييب الرّواية الفلسطينية. الآن ما يحدث هو تقليص الجانب الديمقراطي في المادة وتوسيع مادة اليهودية، وهذا فعليا يعكس الصراع القائم بين أقطاب المجتمع الإسرائيلي حول هوية الدولة ومكانتها، وكذلك انعكاس هذا الانزياح الكامل لليمين الاستيطاني، والذي تحول لثقافة عامّة تجاوزت السياسات. ولكن من جهة أخرى هذا يعكس التحصيل العلمي المتدني للطالب الفلسطيني الذي يشعر بغربة تجاه هذا المنهاج. وما حدث مؤخرا أيضا هو تحويل موضوع المدنيات إلى جانب مواضيع العلوم الاجتماعية والإنسانية خارج دائرة امتحانات البجروت يمسّ بمكانة المادّة ومكانة المعلّم إلى جانب الساعات الممنوحة وأهميّتها في خلق جيل واعٍ ومدرك لأهميّة الهويّة المدنيّة إلى جانب الوطنيّة".

وختمت أبو رحمون بالقول إن "دورنا كناشطين وناشطات، قيادات، معلّمين، ومعلّمات، أن تكون صرختنا عالية في وجه من يدّعي المهنيّة المزيّفة وأن نكشف زيف هذه المناهج الملّوثة في مدارسنا، وأن يكون نضالنا منظّم ضمن النضال الفلسطيني العام في وجه كل سياسات فرض المناهج الإسرائيليّة".

واستعرض رئيس المنتدى التربوي العربي، بروفيسور محمود ميعاري، المخاطر حول منهاج المدنيات الجديد، وقال لـ"عرب 48" إنه "من قراءة سريعة لمنهاج المدنيات الجديد للصف التاسع في المدارس الحكومية، اليهودية والعربية، يظهر جليا أن هذا المنهاج قد أكد على ما جاء في المنهاج السابق من أن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وشدد على ضرورة تعزيز الانتماء لهذه الدولة والالتزام بقوانينها. فقد جاء في المنهاج الجديد أن الهدف الأعلى لتعليم المدنيات هو (تنشئة مواطنين جيدين في إسرائيل - محافظين على القانون ومخلصين للدولة، مُكترثين، مسؤولين، يفكرون بشكل مستقل ونقدي، ملتزمين بالقيم الأساسية لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية). من ناحية أخرى، فإن مقارنة المنهاج الجديد مع المنهاج السابق تظهر أن المنهاج الجديد أكثر يمينية وعنصرية وأكثر تجاهلا لقضايا الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل. ففي حين أن المنهاج السابق تطرق بشكل أو بآخر إلى قضايا المساواة وحقوق الإنسان والأقليات، فقد تجاهلها المنهاج الحالي لدرجة أنه لم يذكر قانون كرامة الإنسان وحريته وقانون حرية العمل، بينما تناول قانون القومية بالتفصيل. كما يفتقر المنهاج إلى مقاربات نقدية، وبخاصة في تناوله للديمقراطية وتجاهله لمبدأ (حماية الأقلية من طغيان الأكثرية). وهكذا فإن المنهاج الجديد الذي كتبته لجنة تتكون من خمسة يهود يمينيين متطرفين، يهدف إلى ترسيخ الفوقية اليهودية والديمقراطية الإثنية الزائفة وطمس الهوية الوطنية للأقلية الفلسطينية في الدولة".

بروفيسور محمود ميعاري

وشدد على أنه "علينا التصدّي لهذا المنهاج، وعدم الاكتفاء بالاستنكار والمعارضة الكلامية، بل يجب القيام بخطوات عملية تهدف إلى توصيل المعلومات الحقيقية وغير المشوهة للطالب العربي. وقد قامت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي والمجلس التربوي العربي، المنبثق عنها، في الفترة الأخيرة بخطوات متواضعة في هذا الاتجاه، أهمها تنظيم معلمي المدنيات في منتديات وتوفير مواد مكملة تطرح وجهة نظرنا حول القضايا المشوهة في المنهاج. ولكن هل هذا يكفي؟ بالتأكيد لا، لا سيما أن منهاج المدنيات، الجديد والسابق، ليس المنهاج الوحيد الذي يهدف إلى ترسيخ الفوقية اليهودية وخلق إنسان عربي جديد ومُشوَّه، إنسان مُقتلَع من جذوره التاريخية والثقافية".

وختم ميعاري بالقول إن "مناهج التعليم الأخرى للمدارس العربية، وبخاصة اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، تعمل في نفس الاتجاه، كما يتضح من دراسات نقدية أجراها المجلس التربوي العربي في عامي 2014 و2015 لمناهج التعليم في المدارس العربية، الأمر الذي يُحتِّم علينا، كأقلية وطنية أصلية في هذه البلاد، المطالبة باستقلالية التعليم العربي، أو على الأقل ببناء إدارة ذاتية ضمن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، تشرف على التعليم العربي، وتضع مناهج التعليم المناسبة له. أعتقد بضرورة تبني هذا المطلب والنضال بكل الوسائل القانونية لتحقيقه".

وقال الناشط السياسي د. عمر سعيد لـ"عرب 48" إنه "لا شك أن التغييرات المشمولة في مادة المدنيات للمرحلة الإعدادية، لصالح تعزيز عملية إفساد عقول المراهقين بمقولات التفوق اليهودي، والإمعان بتجاهل حقوق وتاريخ شعبنا ومميزاته الثقافية، وإعادة تأويل ومحاصرة مواضيع تتعلق بالحقوق والديمقراطية والقضاء، وهي تمثل انعكاسا طبيعيا لتعاظم دور الأوساط الدينية المتطرفة في المؤسسات التعليمية والأمنية من جهة، وللتحولات العنصرية العميقة التي تجري بتسارع في المجتمع الإسرائيلي نفسه".

الناشط السياسي د. عمر سعيد

وأضاف أنه "بمعنى آخر، هذه التغييرات ضرورية ومستوجبة، من ناحيتهم، وسيتبعها المزيد بالتأكيد، كونها تشكل الضمان الأوثق لوحدة موقف القطيع الصهيوني حول روايتهم، بصفته مجتمع محتلين يبحث عن اختلاق شرعية لممارساته وكيانه من خلال هندسة ملائمة لعقلية أجياله الصاعدة، بحيث تؤمن الاستمرار في الهيمنة المطلقة وسحق الإنسان الفلسطيني وحقوقه وتشويه حضوره".

وختم سعيد بالقول إنه "هذه الخطوة توضح من جديد أن جبهة الرواية والذاكرة والوعي تشكل الميدان الأخطر والأهم لوجودنا الحر الكريم على أرضنا. وفيما يبدو الطرف الآخر مدركا تماما لفعاليتها في بلورة مشروعهم وطموحاته القمعية، يتأكد من جديد ضعف هيئاتنا القيادية والمجتمعية، وغياب محزن للقدرة الفعلية على مواجهتها على أوسع نطاق. بطبيعة الحال، نحن لا نجدد إذا ما أكدنا أن الإذعان وقبول تجرع أبنائنا لتلك السموم، دونما تحرك منظم ومهني وموحد لكل الجهات ذات الصلة، وتحت مظلة جامعة، يعتبر خطيئة كبرى وتخليا طوعيا عن أبسط واجباتنا الوطنية والأخلاقية".

التعليقات