19/08/2020 - 19:30

لا للتطبيع مع الاحتلال ولا للوقوف مع الاستبداد...

في هذه الأجواء التطبيعية، يحاول المطبّعون أن يدخلوا إلى وعي الناس معادلة، إن لم تكن معنا، فأنت مع إيران التي تسعى لابتلاع الخليج العربي، أو مع تركيا ذات المطامع الإمبراطورية العثمانية، أو أنك مع داعش التي تجز الرّقاب!

لا للتطبيع مع الاحتلال ولا للوقوف مع الاستبداد...

غزيّات شاركن في مظاهرة مناوئة للتطبيع (أ ب أ)

في الوقت الذي ينظر فيه كثير من العرب وخصوصًا الفلسطينيين إلى خطوة الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل (التحالف الإسرائيلي - الإماراتي الذي تُوّج بإعلان اتّفاق ’سلام’) على أنها "خيانة للقدس والأقصى"، في محاولة للّعب على المشاعر الدينية، ويرى فيها قادة ما يسمى المحور الإيراني في المنطقة خيانة عظمى، ردّ (رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين) نتنياهو بدعوة الإماراتيين إلى زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، أي أنه يدحض حجّة الفلسطينيين بأن المطبّعين تخلوا عن الأقصى، والدليل أن أبواب الأقصى مفتوحة لمن يريد زيارته من الدول المطبّعة، مختصِرًا القضية الفلسطينية كلها، بالسّماح أو عدم السماح للعرب وغير العرب في الوصول إلى مقدساتهم في القدس، تحت حراب الاحتلال.

في الوقت ذاته، وكي لا يُتّهم هو بـ"الخيانة"، من قِبل اليمين الأكثر تطرفًا منه، يؤكد نتنياهو أن الضم آت، وأنه أجّله بطلب من صديقه (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب، وهذا يعني أن كل ما يجري من ضم ومصادرات وهدم وقتل ودوس لحقوق الفلسطينيين لا أهمية له، ما دام أن إسرائيل تسمح بالصلاة في القدس للراغبين في ذلك.

ويروّج البعض، بأن التطبيع جرى خوفًا من إيران، وطمعًا في الحماية الإسرائيلية، وهذا أيضًا بعيد عن المصداقية.

التطبيع بكل بساطة ثمرة لأوامر ترامب لا غير، فهم يرون بأنه يحميهم ليس فقط من الخطر الإيراني أو غيره، بل من مخاطر وقلاقل داخلية قد تحدث لسبب أو لآخر، قد تصلهم في موجة الغضب العربي، ويرى هؤلاء الحكّام في الموساد الإسرائيلي جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية الدفاعية عنهم كأفراد وكسلطة.

بعد هدية نقل السفارة الأميركية إلى القدس، يقدم ترامب خدمة أخرى لبيبي نتنياهو، وهو تطبيع دولة عربية غنية، ويمهّد الطريق أمام دول أخرى لهذا التطبيع، وهذا مكسب سياسي لكليهما.

يظهر نتنياهو الآن لدى الإسرائيليين كنجم دبلوماسي كبير، أخرج إسرائيل من عزلتها مع الدول العربية، وأخرج التطبيع من السّر إلى العلن، كما أنه يعِدُ الإسرائيليين بالمزيد، وباستثمارات خليجية كبيرة في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، إن التطبيع مكسب لترامب في أوساط الأميركيين المتحمّسين لإسرائيل وهم كُثر، من الجمهوريين والديمقراطيين على حدٍّ سواء.

من جهة أخرى، وبناء على طلب ترامب، أجّل بيبي عملية ضمّ أراض فلسطينية من الضفة الغربية المحتلّة، وجاء طلبه هذا نتيجة اعتراض بعض الدول الأوروبية على الضم، وبعض القيادات الأميركية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يرون أن الضم "يعرقل عملية السلام"، وهذا أيضًا يدخل في حسابات ترامب الانتخابية، أي أنه أجَّل الضم إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. أما الزعم بأن التطبيع يخدم السّلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، فهذا افتراء واضح للجميع، وما يجري على أرض الواقع أبعد ما يكون عن أي نيّة في السّلام من قِبل إسرائيل، والعكس هو الصحيح، فكلما تراجع العرب خطوة أمام عدوانية إسرائيل وطلبوا ودّها ورضاها، وتهربوا من مواجهة حقيقتها، تفاقمت العنجهية وزاد التطرّف وقوِيَ دُعاة "أرض إسرائيل الكبرى" على حساب القوى المتعقلة التي باتت قليلة جدًا، وتكاد "تنقرض"، فقد ترسّخت القناعة لدى أوسع القطاعات بأن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، وجاء ذلك إثر كل هذه التنازلات بلا أي مقابل.

الأنظمة المعتمدة على أميركا لحمايتها، لا تستطيع رفض أي طلب لترامب، وهي مستعدة للتحالف مع أيٍ كان سواء مع دولة الاحتلال أو مع "داعش"، على حساب أي قضية، وليس على حساب القضية الفلسطينية فقط، وذلك في سبيل ضمان البقاء في سدّة الحكم.

في هذه الأجواء التطبيعية، يحاول المطبّعون أن يدخلوا إلى وعي الناس معادلة، إن لم تكن معنا، فأنت مع إيران التي تسعى لابتلاع الخليج العربي، أو مع تركيا ذات المطامع الإمبراطورية العثمانية، أو أنك مع داعش التي تجزُّ الرّقاب!

من جهة أخرى، إن الحقيقة أن نظام إيران يدعو إلى تحرير القدس والمقدسات ولكنه نظام ديني مذهبي متخلف ورجعي استبدادي، قامع للحرّيات، ومتحالف ونصير لنظام يحكم شعبه بالحديد والنار ويغتال كل صوت مختلف ينادي بالحرية والديمقراطية وبوضع قيمة الإنسان فوق المذاهب والأحزاب والسّلطة.

وبهذا يضعون الإنسان العربي أمام خيارين، فإما أن يكون مع جبهة الإمارات و(الرئيس المصري، عبد الفتاح) السيسي، و(ولي العهد السعوديّ) محمد بن سلمان، والتطبيع باسم السلام، أو مع إيران والدكتاتورية والقمع، باسم المقاومة وشعارات التحرير. الضحايا في الحالتين هم شعوب المنطقة العربية التي تُسحق سواء كانت تحت إمرة حكام التطبيع مع إسرائيل والاحتلال، أم تحت حراب من يدعون إلى التطبيع والتسليم والاعتراف بشرعية الدكتاتورية والقمع.

الشعوب العربية تجاوزت هذه الثنائية التي حاول الأعداء فرضها على مدار عقود، وهي على وعي تام بأن الاحتلال وممارساته الهمجية والدكتاتورية وممارساتها؛ وجهان لعملة واحدة، وأنّ قدر هذه الشعوب هو أن تقاوم الاحتلال والاستبداد في الآن ذاته، لأن الحرّية والوطنية والإنسانية لا تتجزأ، ولن تستطيع هذه الشعوب التوقف في منتصف الطريق، وعليها مواصلة صراعها التحرري وتضحياتها حتى تدحر الاحتلال والدكتاتورية وتنال حريتها وتتخلص من هذا الظلم المزدوج.

التعليقات