25/10/2020 - 17:38

عن الشعب الفقير المنكوب... وما يلزمه

السؤال هو ما المطلوب اليوم، أو ما القضايا الحارقة الملحقة للشعب الفلسطيني التي يجب معالجتها الآن هنا، لأنه يوفر إجابة لسؤال كيف نعمل ومن ثم ما العمل. غير ذلك، سنبقى نراوح مكاننا.

عن الشعب الفقير المنكوب... وما يلزمه

أبدأ بالأقل أهمية ولكنه الأخطر، وهو الصراع في القائمة المشتركة وحرب البيانات والتغريدات والتدوينات، وكأن الحديث عن صراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على رئاسة الإمبراطورية الأكبر في التاريخ؛ أو صراع على قيادة أوروبا والاتحاد الأوروبي. إنه في الحقيقة صراع شخصي ليس على تحقيق الإنجازات للشعب، فالإنجاز أمر جيد جدًا بحد ذاته، إلا أن "الإنجازات" ليست في الحقيقة لخدمة الشعب وقلقًا على مصيره، بل إنها أداة تُستخدم في صراع على الزعامة، لأن لو كان الهدف الحقيقي هو حقوق وكرامة الشعب، والتشديد على كرامة، فإن الأولوية كانت للتصرف الوحدوي الجماعي أمام المؤسسة والحكومة، وليس محاولة نيل رضا الحكومة اليمينية المتطرفة بخفض السقف السياسي.

أقرت الحكومة اليوم تمديد الخطة الاقتصادية الخمسية للمجتمع العربي، وصدرت بيانات وتغريدات مختلفة لنواب المشتركة، بدلًا أن تتصرف ككتلة واحدة وموحدة وتصدر موقفًا موحدًا، لكن نقديًا أيضًا تجاه الخطة ونقاط ضعفها. قد تُصدر بيانًا مشتركًا كهذا، لكنه سيكون متأخرًا، لأن حرب البيانات في الأيام الأخيرة كشفت نوايا نواب في المشتركة وهمهم الأساسي، وهو تصدر المشهد والزعامة، ولكن زعامة ماذا ومن؟ تخيلوا أن الصراع على زعامة شعب فقير ومنكوب، مع كورونا ومن دونها، تفوق فيه نسبة الفقر الخمسين في المئة؛ صراع على زعامة شعب تنخره الجريمة وباتت حياة أفراده على كف عفريت. صراع على زعامة شعب تصل نسبة البطالة في "عاصمته" الناصرة إلى خمسين في المئة نتيجة أزمة كورونا، وعشرات آلاف المصالح التجارية الصغيرة المهددة بالإفلاس. الفقراء والمضطهدون آخر ما يهمهم الزعامة، وإنما همهم من يرفع صوتهم ويوحده وينظمه ويقود معهم نضالهم، لا أن يتعامل معهم بعقلية الوساطة البالية، أو بلغة "بلاغ إلى الشعب".

إنه مشهد مثير للشفقة؛ مشهد الصراع على زعامة الفقراء والمضطهدين، ليس حبًا فيهم، بل لأن قضاياهم هي الأداة لتحقيق الزعامة. من تهمه قضايا الناس حقًا يسعى إلى تنظيمهم وتحويل قضاياهم الفردية إلى جماعية، أي تسييس قضاياهم، ويحثهم على النضال بدلًا من غرس عقلية التفويض أمام السلطات.

حان الوقت لتنتهي هذه المهزلة، لأن المشتركة ستدفع ثمن هذه الاستهتار بأكثر من 600 ألف صوت حصلت عليها القائمة في الانتخابات الأخيرة. فالناس صوتت بالنهاية للمشتركة ليس إعجابًا بهذا المرشح أو ذاك، بل صوتت لفكرة الوحدة في مواجهة اليمين المتطرف، ولإسقاط بنيامين نتنياهو، فهل يعقل أن نتحالف معه لتحقيق فتات ورهن الحقوق بالمواقف السياسية وحسن السيرة والسلوك؟ إنه تصرف غير قيادي بكل تأكيد وقصير النظر.

ما يلزم الشعب

بات سؤال ما العمل فلسطينيًا هو السؤال الشاغل لكثر من الناشطين والسياسيين والمثقفين، وتعقد حوله الأيام الدراسية والندوات، وتصدر شهريًا عشرات وربما مئات المقالات في محاولة للإجابة عليه. والسؤال الآخر هو ما وجهة المشروع الوطني الفلسطيني المقبل، وما هي أهدافه وإلى أين يصوب؟ لا أحد يملك جوابًا وافيًا على ذلك، لأن الواقع شديد التعقيد وموازين القوى شديدة الاختلال.

لذا، قد يكون من الأجدى التوجه بدايةً إلى سؤال ما المطلوب قبل سؤال ما العمل، أي ما القضايا الحارقة والملحة في حياة الفلسطيني، في مختلف أماكن تواجده، وليس بالضرورة أن تكون واحدة ومشتركة، لأن هناك قضايا مشتركة كثيرة، مثل خطر الضم في الضفة الغربية واستمرار حصار غزة والأوضاع المأساوية للاجئين الفلسطينيين وغيرها. لكن إذا أرادت القوى السياسية المختلفة أن تعيد لنفسها الحيوية، وأن تسهم في تطوير أو تأسيس مشروع وطني فلسطيني شامل، عليها أن تجيب على سؤال ما المطلوب، أو ماذا يلزم الشعب الآن واليوم؟ لأن ألف باء تحديد الإستراتيجيات يكون بتحديد الاحتياجات وليس العكس، وإلا لتحولت الإستراتيجية لمحاولة التحايل على الواقع.

أتجنب تحديد قائمة القضايا الملحة لأنها كثيرة (سأتطرق في مقال خلال الأسبوع المقبل لآليات معالجة هذه القضايا كجزء من عملية تكامل فلسطيني)، لكن أي تطلع أو استشراف للمستقبل والمحاولة للإجابة على أسئلته دون الوقوف على الأرض، لن يكون سوى تمرين ذهني أو انفصال عن الواقع.

السؤال إذًا هو ما المطلوب اليوم، أو ما القضايا الحارقة الملحة للشعب الفلسطيني التي يجب معالجتها الآن هنا، لأنه يوفر إجابة لسؤال كيف نعمل ومن ثم ما العمل. غير ذلك، سنبقى نراوح مكاننا.

اقرأ/ي أيضًا | في التشتت الفلسطيني

التعليقات