26/08/2022 - 15:48

التجمّع... عن المراجعة وخريطة الرجوع

لا يعني التجمع في طريقه أو خياره الثالث الذي يقترحه مؤخرا، طرح الـ"الجديد" على الناس، بقدر ما يعني تفعيل ما يمكن تفعيله في الناس ومعهم، أي التنظم والنضال على برنامج وطني، لمواجهة المرحلة بكامل نواياها ضدنا

التجمّع... عن المراجعة وخريطة الرجوع

(Getty Images)

يلتقط التجمع الوطني الديمقراطي أنفاسه السياسية، التي كاد أن يلفظها في ظل تجربة القائمة المشتركة منذ سنوات، بعد أن جرى خنقه في ظلها، والأهم خنق "السياسي" على مستوى المجتمع العربي في الداخل عمومًا. ففي خطابه الأخير عبر فيديو نُشِر في شبكات التواصل، قدّم النائب سامي أبو شحادة، ممثّل التجمع في القائمة المشتركة، مراجعة وتقييمًا باسم الحزب ومؤسساته وكوادره، لتجربة مشروع القائمة المشتركة، والذي كان مشروعًا يسعى إليه التجمع منذ ولادته، من أجل تنظيم "الأقلية" العربية في الداخل، بوصفها جماعة قومية، وجزءا من شعب أصيل قطّعت أوصاله الصهيونية.

لقد أخفقت المشتركة في أن تكون جسمًا سياسيًا تمثيليًا للعرب في الداخل، خصوصًا بعد أن منحتها الجماهير العربية في الداخل ثقة تمثيلها غير مرة. كانت ذروة هذه الثقة في انتخابات الكنيست آذار/ مارس 2020، حينما حصلت القائمة على 15 مقعدًا برلمانيّا. لم يجرِ الاستثمار بهذه الثقة في حينه بقدر ما جرى المساومة بها، وذلك عبر أخذها وطرحها طريحة بين أقدام قيادات المعسكرات الصهيونية. لم تكن نتيجة تلك المساومة بـ"التوصيات" على من يرأس حكومات إسرائيل من زعماء معسكراتها، إنما تلك كانت البداية، فيما الذي ترتب عليها كان انشقاقَ مركّب من مركّبات المشتركة عنها، ليتجرأ عليها، وبتذكرة منها ومن خطابها -التأثير في اللعبة السياسية الإسرائيلية- والذهاب خطوة أخطر وأبعد، إلى حيث أن أصبح العرب (القائمة الموحدة) جزءًا من الائتلاف الحكومي وسلطتها التنفيذية لسياسات القهر الصهيونية.

والنتيجة في المحصلة، كانت في أمرين؛ الأول، تبخُّر ثقة الناس بمشروع المشتركة التي لم تعد مشتركة أصلا، والثاني، كان في تشريعها للأسْرَلة السياسية. فإذا كان النائب أبو شحادة في خطابه الأخير قد استخدم متسامحًا تعبير "خطأ أو أخطاء" ارتكبتها المشتركة، فإننا نعرف أن ذلك كان "خطيّة أو خطايا" قد اقترفتها المشتركة، بحقّ ثقة جماهيرها التاريخية فيها.

رميًا وليس رجمًا

لم يرجُم التجمع القائمة المشتركة، كما لم يعلن عن نهاية مشروعها، ولا الانشقاق عنها؛ غير أن خطابه على لسان نائبه أبو شحادة، جاء رميًا لحجر موقفه السياسي في ركود مياه التعثر والتخبط، والأسرلة، وفقدان ثقة الناس بالممكن السياسي من ما تبقى من المشتركة.

وهذا ما كان على التجمع فعله منذ سنوات تجاه دوره الوطني والتاريخي، ومسؤوليته عن ترحيل النقاش من "الانتخابي" الذي ينظر إلى الناس كأرقام وكائنات انتخابية، إلى "السياسي" الذي يرى بجماهيره جماعة تاريخية أصيلة، وجزءًا من شعب يتعرّض لشتى أشكال القهر والتنكيل.

لم يكن ما جاء على لسان سامي أبو شحادة من ذِكره لأخطاء وخطايا القائمة المشتركة اكتشافًا يكتشفه التجمع اليوم، بقدر ما أنه استرداد للحدّ الأدنى من إرادته السياسية، لمكاشَفة شركائه في المشتركة بها، فقاعدته الحزبية كانت تعرف تمام المعرفة، أنه لا أفقَ سياسيّا يمكن أن تجترحه المشتركة في ظلّ مثل هذا الخطاب والأداء السياسييْن، منذ سنوات.

كما يعرف الحزب بحكم تربيته السياسية، أنّ فِعْل "التوصية" المتكرر، كان تأسيسًا للأسرلة؛ ولم يفاجِئ بعض أبنائه قَفْزُ أحد التيارات السياسية (الموحدة) والارتماء في حضن حكومة صهيونية. ويعرف أن الإشكال ليس في حكومة نتنياهو أو تلك الحكومة، إنما الإشكال في المنظومة ذاتها، التي تعمل الأحزاب الإسرائيلية على مسطرة إيقاعها ووفقها، أي الصهيونية. كما انتبه كثيرون من أبناء حزب التجمع مع باقي أبناء شعبهم مبكرًا، إلى أن خطاب بعض قياديي القائمة المشتركة، لا يجعل منهم ممثلين عن أبناء شعبهم، بقدر ما جعل منهم دبلوماسيين ارتَأوا لأنفسهم دور "الوساطة" بين حكومات الدولة العبرية وأبناء شعبهم. وعلى ذلك، فإن الفقدان السياسي للثقة، والقائم اليوم جماهيريّا من أحزاب المشتركة والسياسة عمومًا، يشبه إلى حدٍّ بعيد، شكل خيبة الأمل من الوساطة والوسطاء.

الرجوع إلى وعلى ماذا؟

ليس المهم في ما يملكه التجمع من خيارات للانتخابات المُقبلة. وقد لا يملك التجمع خيارات كبيرة خارج إطار المشتركة بتركيبتها التي هي عليها اليوم؛ غير أن ما يملكه الحزب على قلة تمثيله فيها، هو إرادته تجاه مراجعته وخياره السياسيين، نحو الشكل والمضمون الذي يجب أن تكون عليه وفيه القائمة المشتركة سياسيًّا، بعيدًا عن المناورات وحسابات المقاعد وترتيبها، التي لم تعد تعني الحزب وأبناءه كثيرا.

وبالتالي، وخلف هذا الخيار الذي يُعيد الاعتبار للسياسي على برنامج وطني نضالي للعرب في الداخل، فلا "توصية" على من يرأس حكومات دولة إسرائيل، ولا مداومة على خلق "يسار" إسرائيلي في ظل صهيونية ويهودية الدولة، ولا اختزال للسياسي في سباق "ما يطلبه المصوتون" من إنجازات وميزانيات وهمية، يمكن حتى لرؤساء السطات المحلية إنجازها بأجندة مهنية - وطنية. ولا لتغرير الجماهير بإمكانية "التأثير والتغيير" الذي يغيّرنا قبل أن تتغير إسرائيل. والأهم من كل ذلك، أن يكون بقاء القائمة المشتركة مشروطا ببرنامج سياسي - نضالي، قادر على استرداد ثقة الناس بجدوى العمل السياسي، ويجعل من نهجٍ مثل نهج القائمة الموحدة سقوطًا سياسيًّا، لا أن يصبح تقليدا تتطلع إليه بعض الأحزاب الأخرى داخل مركبات المشتركة مستقبلا.

لا تقدم الأحزاب السياسية حلولا وصفية لجماهيرها، بقدر ما أن مهمتها هي تنظيم جماهيرها ضمن برنامج نضالي، يقدم وعدًا يمكن الحفاظ عليه من أجل خلق ممكنات للحياة في الأرض وعليها. ولا يعني التجمع في طريقه أو خياره الثالث الذي يقترحه مؤخرا، طرح الـ"الجديد" على الناس، بقدر ما يعني تفعيل ما يمكن تفعيله في الناس ومعهم، أي التنظم والنضال على برنامج وطني، لمواجهة المرحلة بكامل نواياها ضدنا.

التعليقات