في ظلال الانتفاضة... التعليم العالي لا يحل أزمة مجتمع

بما أن الأحزاب والحركات السياسية تسيطر على مشهد الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية، فإنها تُعد أيضًا بمثابة حيّز ضروري لإفراز قيادات سياسية جديدة. أي أن الانهيار الحاصل فيها يؤثر أيضًا على سيرورة تطوّر الحركات والأحزاب السياسية الفعّالة.

في ظلال الانتفاضة... التعليم العالي لا يحل أزمة مجتمع

من تظاهرات هبّة القدس والأقصى (أرشيف "عدالة")

يسرد تقرير "لجنة أور" في أحد بنوده واقعة اقتحام شبان في سخنين شاركوا بمظاهرة لإحياء يوم الأرض عام 2000، أي قبل الهبّة الشعبية بنحو نصف عام، لمنشأة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي محاذية للمدينة، ورفع العلم الفلسطيني فيها. وفي عدّة مواضع، يتعامل التقرير (متفاجئًا) مع جزئية رفع المحتجين الذي ملأوا شوارع قرى وبلدات الداخل الفلسطيني في بدايات الانتفاضة الثانية للعلم الفلسطيني، ضمن سرده لـ"تفاصيل" هذه الاحتجاجات، موليًا أهمية واضحة لهذا "التفصيل"، قبل أن يحذّر بشكل واضح في التوصيات من التكامل الفلسطيني - الفلسطيني على جانبيّ الخطّ الأخضر.

وحاول التقرير أيضًا في السياق ذاته أن يعلّم فلسطينيي الداخل "ماهية" المواطنة في دولة تستعمرهم، قائلًا إن "المضامين التي نُقلت قبل وأثناء أحداث أكتوبر شوّشت، وأحيانًا محت، التمييز بين المواطنين العرب في البلاد، ونضالهم المشروع من أجل الحقوق داخلها، والنضال المسلح ضد الدولة الذي تخوضه المنظمات والأفراد في يهودا والسامرة وقطاع غزة. وأكثر من مرة، طرح القادة في الوسط العربي النضالين على أنهما صراع واحد، ضد خصم، وأحيانًا، ضد عدو واحد. إن مفهوم المواطنة بمعناه الجوهري لا يتوافق مع تصوير الدولة كعدو. فهو لا يتصالح مع الممارسات التي تعتبر الدولة وسلطاتها الشرعية عدوًا. إنه لا يتصالح مع التعبيرات عن المديح لأعمال العنف التي يرتكبها أعداء الدولة ضدها وضد مواطنيها. نحن ندرك مدى التعقيد العاطفي لمواطني إسرائيل العرب، وأنهم يعتبرون أنفسهم إخوة الفلسطينيين في المناطق (المحتلة). ومع ذلك، فمن الواجب ألا تشوش قيادة عرب إسرائيل الخط الفاصل بين هذا التقارب وبين اتخاذ الإجراءات ونقل الرسائل التي لا تتفق مع الولاء الذي يدين به كل مواطن في كل دولة لبلده. ويبدو أن أحداث أكتوبر تعكس أيضًا المخاطر الكامنة في مثل هذه الرسائل، وينبغي النظر إلى الأحداث على أنها إشارة تحذير من استمرار السير على هذا الطريق الخطير".

إذن، أراد التقرير بأسلوبه الأبوي الوصائي الذي يصل حدّ التهديد المبطن في بند "التوصيات" هذا وغيره، أن يُخبرنا بأنه ممنوع على فلسطينيي الداخل أن يستعدوا دولة تستعديهم ولا مؤسسّاتها، وألّا يروا أنفسهم ضمن نضال فلسطيني أوسع من أجل التحرر، وأن كلّ شيء غير الاندماج التام بها، أي قبول المؤسسة التي بُنيت على أنقاض شعب دون استشارته بالطبع، ولا إشراكه في مأسسة أو حتى صياغة بنود عقدها الاجتماعي، هو بمثابة "طريق خطرة". ووفقًا لروح التقرير، فمن المرجح أن تحمل مفردة "الخطورة" هنا تفسيرين؛ الأول، هو رفع المؤسسة السبّابة للمجتمع الفلسطيني في الداخل تهديدًا؛ والثاني، تحذيره من أن طموحاته لا تنسجم مع رؤية المؤسسة الاستعمارية. وباستخدام معجم المؤسسة ذاتها، فإن "تحييد" هذا "الخطر"، يشكّل خطرًا على المجتمع الفلسطيني بالضرورة.

يقترح تقرير "لجنة أور" العديد من "الحلول" للجم المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتقويض الروح الفلسطينية الواحدة التي نشأت في الانتفاضة الثانية، وقد يكون أهمّها التركيز على تعزيز إدماج الفلسطينيين في المواطنة الإسرائيلية، بمعزل عن هويّتهم الوطنيّة بالطبع.

كان من الواضح لإسرائيل بعد سقوط أول شهيد في الانتفاضة الثانية في الدّاخل، ومع تجربتها الطويلة في مختلف هبّات وثورات الفلسطينيين، أنّ الوحشية والقتل لن يُثبطا عزيمة شعب يسعى للتحرّر، ولكن إفراغ هذا السعي من مضمونه بكل الوسائل المتاحة، هو ما يجديها نفعًا في مسعاها هذا، وهو منطق نجد أصداء له في تقرير "لجنة أور" التي، ورغم تحذيرها من التعاضد الفلسطيني - الفلسطيني، ذكرت أنه "يجب على السلطات الحكومية إيجاد السبل التي تمكّن المواطنين العرب من التعبير عن ثقافتهم وهويتهم في الحياة العامة بطريقة لائقة وكريمة"، أي أنها قد تسمح لهذا المجتمع المهمش داخل دولتها أن يعبّر عن فلسطينيته، ولكن كنوع من "التّعبير عن الهويّة" الفولكلورية فقط، وليس كفعل سياسي يرى فيه وكالته الاجتماعية والسياسية جزءًا منسجمًا مع كل ما هو فلسطيني.

محاولات طمس النَّفَسْ الفلسطيني الموحّد في التقرير جاءت عبر تشويه أسباب انتفاض الداخل الفلسطيني عام 2000، والتركيز على محاور حياتية تعزلها السلطات الاستعمارية عن بُعدها السياسي. أما عن "الحل"، والمقصود به تفتيت النسيج الوطني الفلسطيني الذي ظهر في الهبّة، فيقول التقرير إنه على "الدولة أن تبادر وتطوّر وتطبّق برامج لسد الفجوات، مع التركيز على مجالات الميزانية، في ما يتعلق بالتعليم والإسكان والتنمية الصناعية والتوظيف والخدمات".

الشرطة الإسرائيلية تستعدّ لقمع التظاهرات داخل الخط الأخضر (أرشيف "عدالة")
الشرطة الإسرائيلية تستعدّ لقمع التظاهرات داخل الخط الأخضر (أرشيف "عدالة")

وهو، بالفعل، ما شرعت المؤسسات الحكومية الرسمية وغير الرسمية، بتطبيق بعض تفاصيله على أرض الواقع، مستثنية بالطبع "الإسكان والتنمية الصناعية"، فهذان عاملان يُمكنهما أن يسهما في مأسسة مجتمع لا تزال تعتبره عدوًا، ناهيك عن أن الحديث عن الإسكان لا بدّ أن يصطدم بالسرديّة الاستعمارية الصهيونية التي فرضت وتفرض هيمنتها بسرقتها الأرض. أمّا جزئيّتا "التعليم والتوظيف" المتكاملتان، فتتماشيان أيضًا مع روح فردانية تعززها نيوليبرالية اقتصادية عالمية بدأت الحكومات الإسرائيلية تتبنى أشدّ نسخها تطرفًا قُبيل مطلع الألفية، وتُسهمان في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي والذي سيحظى "بشرف" الانضمام لمنظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) في العام 2010.

وبسبب طبيعة النيولبرالية التي ترسخ سلطة الاحتكار لشركات كبرى قليلة في السوق (رغم معارضتها النظرية للاحتكارات)، والتي تتفاقم في ظلّ الدعم الذي تتلقاه من مركزية التخطيط والتوجيه الاقتصادي الإسرائيلي، المصحوبة بالطبيعة الاستعمارية للنظام الإسرائيلي والذي يرفض تطوير قطاع فلسطيني اقتصادي مستقل عنه في الدّاخل، وفي فلسطين عمومًا، يُصبح الاقتصاد الفلسطيني في الداخل مُشوّهًا ومُستغلًا ومتعلقًا بشكل تام بالاقتصاد الإسرائيلي.[1] وبالتالي، تُصبح "التنمية الاقتصادية" للمجتمع الفلسطيني في الداخل مقتصرة على إدماج أبنائه وبناته في سوق العمل الإسرائيلية كموظفين وعمال بشكل أساسي، ويكفي في هذا السياق النيولبرالي الذي يؤمن بسوق "حرّة" حتى من الانتماءات العرقيّة والهوياتيّة (فرضًا)، أن نلقي نظرة إلى عدد الشركات العربية في بورصة تل أبيب.

وهكذا بدأت المؤسسة الإسرائيلية الاستعمارية تولي أهميّة خاصة لإدماج الفلسطيني (وليس في الداخل فحسب) بالاقتصاد الإسرائيلي تدريجيًا، ولكن كفرد مُنعزل عن الجماعة، أي دون إتاحة السبيل لهذا المجتمع بالتمركز حول مصلحة اقتصادية مشتركة في ما بينه، بل المصلحة الاقتصادية الفردانية التي تربط الأفراد بالاقتصاد الإسرائيلي فقط. وازداد طرديًا التطبيع مع مقولات تشجع أنماط "حكم الجدارة"؛ أي أن "الارتقاء" أو "التراجع" الاجتماعي والاقتصادي هو علاقة مرتبطة بمهارة الفرد ومجهوده الشخصي فقط، بمعزل عن السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سلبته هذه المهارة أو منحته إياها.[2]

ومع تبني الاقتصاد الإسرائيلي نهج تعزيز الصناعات التي تساهم في زيادة التصدير الذي يرتكز إليه نهجه النيولبرالي، والذي يهدف إلى تقليل العجز التجاري عبر تكبير فائض الإنتاج، وزيادة تدفق العملات الأجنبية،[3] أصبحت إسرائيل بحاجة أكثر لـ"رأس مال بشري" أعلى، أي إلى العمالة الماهرة، خاصّة وسط توجّهها المتسارع نحو "الأتمتة"، والتي يؤكد مركز "طاوب لبحث السياسات الاجتماعية في إسرائيل"، أنها ستشكل خطرًا خاصًّا على المجتمع الفلسطيني في الداخل، والذي حتى عام 2019 كان 47% منه فقط، يستخدم الحاسوب في عمله.[4] هذه العوامل وغيرها، جعلت الاقتصاد الإسرائيلي أكثر حاجة إلى حملة الشهادات العلمية لإدماجهم في سوق العمل.

حاجة مزدوجة

التقت حاجة المجتمع الفلسطيني في الداخل، الاضطرارية، لرفع مكانة أفراده اقتصاديًا واجتماعيًا عبر التعليم العالي، وهو السبيل الوحيد لذلك في واقع لا يسيطر فيه على موارده، بالرغبة الإسرائيلية بدمج أكبر للعرب في الاقتصاد، فبينما يلجأ الأول بشكل طبيعي نحو زيادة تمثيله في مؤسسات التعليم العالي، تتعاظم محاولات المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية في تأهيل عدد أكبر من الفلسطينيين للاقتصاد الإسرائيلي عبر الجامعات والكليات والبرامج السابقة لها.

ومثلًا، شدّد تقرير لجنة "فحص منظومة التعليم العالي في إسرائيل" (شوحاط)، والذي نُشر عام 2007، على ضرورة "تكثيف الجهود المبذولة لتقريب خريجي المدارس الثانوية من القطاعين العربي والمتدينين" للتعليم العالي، مشددًا على ضرورة هذا الإدماج لـ"التنمية الاقتصادية".

ويُضاف إلى ذلك، القرار الحكومي "4193" الذي صدر عام 2012، وينص على رفع نسب تشغيل أبناء المجتمع العربي (و"الأقليّات")، من أجل نمو السوق الإسرائيلية و"تقليص مستوى عدم المساواة والفجوات الاجتماعية"، والذي أدار برامج مخصصة لدمج العرب في صناعة "الهايتك" أيضًا. ناهيك عن سلسلة من القرارات والخطط الحكومية التي تركّز إلى التّشغيل فيما تتجاهل عمدًا تقديم أي علاج حقيقي لأهم القضايا التي يعاني منها فلسطينيو الداخل، كالأرض والمسكن.

ومنذ نهايات العقد الأول من الألفية الحالية، تتصاعد نسب دخول العرب لمؤسسات التعليم العالي الإسرائيلي بمعدّلات هائلة. وبحسب بيانات "مجلس التعليم العالي" الإسرائيلي، ارتفعت نسبة الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية من 10% عام 2008 إلى 18% العام الماضي. ولكن هذا الارتفاع يحصل في العقد الأخير بالتوازي مع ظاهرة أخرى، وهي تراجع الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية، الذي بدأ معلقون كثر يشيرون إلى حدّة تدهورها بعد عام 2014، والذي يرجع إلى عوامل كثيرة متداخلة ببعضها، ولكن ما يعنينا منها هنا، هو القمع الإسرائيلي الأمني والمؤسساتي الممنهج، داخل أسوار الجامعة وخارجها للاحتجاجات المتتالية على مخطط "برافر"، واستشهاد الفتى المقدسي محمد أبو خضير، والحرب على غزة عام 2014، وتراجع مركزية الأحزاب، بالإضافة إلى الأثر النفسي لانهيار ثورات "الربيع العربي" على الداخل الفلسطيني. وقد يكون العنصر الآخر المهم هو هذا التّوجه العام نحو "الخلاص الفردي"، النابع من عنصرين: أوّلهما تغلغل "سياسة الاستخفاف" في صفوف المجتمع الفلسطيني في الداخل، أي "انعدام الثقة بالعمل الجماعي والعزوف عن العمل السياسي وتعظيم المصلحة الشخصية..."[5]؛ وثانيهما، والمكمل لما سبقه، فهو النزوع نحو أفكار "حكم الجدارة" الواردة سابقًا.

ووفقًا لبحث أجراه الباحث الفلسطيني إبراهيم مكاوي عن تطوير الهوية الوطنية لدى الناشطين السياسيين الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية، ونُشر عام 2004[6]، فإن الطلاب الفلسطينيين يقاومون السرديّة والسيرورة التعليمية الاستعمارية الإسرائيلية، من خلال الحركة الطلابية، بتياراتها المختلفة، ناهيك عن أن هذا النشاط الطلابي يُعد بمثابة "حلقة وصل محورية في عملية التنشئة الاجتماعية الوطنية بين الشباب الفلسطيني في إسرائيل"، إضافة إلى أن هذا الانخراط في النشاط الطلّابي كان بمثابة سيرورة للتثقيف الوطني والتطوير الشخصي الأكاديمي والمهني لاحقًا، للناشطين الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية، بخلاف المعتقد السائد.

وبما أن الأحزاب والحركات السياسية تسيطر على مشهد الحركة الطلابية الفلسطينية في الجامعات الإسرائيلية، فإنها تُعد أيضًا بمثابة حيّز ضروري لإفراز قيادات سياسية جديدة. أي أن الانهيار الحاصل فيها يؤثر أيضًا على سيرورة تطوّر الحركات والأحزاب السياسية الفعّالة، مهما كان الخلاف معها.

وهذا التدهور الحاصل في الحركة الطلابية، عزّز حيّز إدماج الطالب العربي، من دون هويّته الوطنية، في الجامعات الإسرائيلية التي بدأت في الأعوام الأخيرة بتفعيل برامج متعددة وعديدة لإدماج الطالب العربي تحت سقف خطاب المهارات الشخصية، و"الاندماج من أجل التقدم"،[7] محققة نجاحات في ملء فراغ الحركة الطلابية الفلسطينية، ما يزيد من تهميش الأخيرة التي كانت بمثابة دفيئة للطلاب العرب.

نمط "التدهور" هذا، مصحوبًا بازدياد التراتبية والاستقطاب الاقتصادي الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني في الداخل، قد يشجع توجّهات نحو الحراك الاجتماعي الفردي و/ أو الاندماج أكثر في المجتمع الإسرائيلي، وأظهر استطلاع أوليّ للرأي أجراه "مدى الكرمل" حول "التحصيل العلمي وأنماط المواقف السياسية العامة"، أن 60% من أصحاب التحصيل الجامعي، عبروا عن أنهم يرون أن نهوض المجتمع الفلسطيني في الداخل، يكون عبر التنظيم الجماعي والمشاركة في المؤسسات الوطنية الفلسطينية، في مقابل 40% يؤّيدون النمط الاندماجي في المؤسسات الإسرائيلية كسبيل لنهوض المجتمع (أو التركيز على المصلحة الشخصية والتقدم الشخصي).

وفي حين أن الاستطلاع لم يستعرض الفوارق العمرية في الإجابة عن المسألة أعلاه، إلّا أنه أشار إلى أن 32% من المستطلعة آراؤهم هم من الفئة العمرية 17-29 (18%)، والفئة العمرية 30-39 (14%)، أي أنّه لا يعطينا معطيات بشأن ما إذا كانت نسبة الإيمان بالاندماج أعلى لدى الفئة الشابة أم لا.

ولكن ما يُمكن طرحه في السياق نفسه، أنّ هذا الارتفاع الهائل، والمُبارك، في نسبة التحاق أبناء وبنات المجتمع في مؤسسات التعليم العالي ليس رافعة وطنيّة أو مجتمعية بالضرورة، خصوصًا أن تقلّص العمل الطلابي "التقليدي" (أي من خلال الكتل السياسية)، تراجع دون أن يُطرح بديلٌ يُذكر، وبالتالي نجد أنفسنا في واقع، لا يبدو فيه أن ارتفاع نسبة "حملة الشهادات" يُترجم انخراطًا سياسيا ومجتمعيًا، لا على المستوى الفلسطيني المحلي في الداخل ولا على المستوى العام.

وفي مثال متطرّف على ذلك، تنشأ مؤخرًا ظواهر طفيلية مثل جمعية "عتيدنا" التي تعمل على زيادة الأكاديميين العرب، مركّزة على التأهيل "لعالم الهايتك"، ومعتبرة أن ذلك يصب في "رفعة المجتمع"، لكن أي مجتمع؟ مجتمع "ترفعه" شبيبة "عربيّة صهيونية"، يريد العضو المؤسس في الجمعية، إيرز إيشيل، أن يقيمها. أي أن "رشوة" التعليم العالي في هذه الحالة، تعتزم زيادة تشويه المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومنعه من العمل على طموح مشترك داخله، يجمعه شعبه.

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الفرضية القائلة إن التعليم العالي أساسي لتعزيز أو بناء الحركات السياسية والاجتماعية الوطنية الرامية إلى تمكين المجتمع، ليست صحيحة بالضرورة، فتاريخ البشرية (وتاريخنا الفلسطيني أيضًا) شاهد على عدد لا يُحصى من الحراكات التي أنشأها فلاحون وعمّال غير حاصلين على درجات علمية تُذكر، ولا شكّ أيضًا أن التعليم العالي، في عصرنا اليوم، يتيح مواردَ أكبر للأفراد، ولكنّ هذه الموارد لا تصبّ في إثراء المجتمع وتقويته إلّا بالرّغبة السياسية لذلك. ولا يبدو أن "الطفرة" الحاصلة في زيادة النخب الاقتصادية من خلال التعليم الجامعي، وحدها، كافية لجعل الواقع المجتمعي أفضل برمّته.


[1] عزيز حيدر، "النظام الاقتصاديّ وخيارات المواطنين العرب في إسرائيل".

[2] الجدارة.. حكم يتناقض مع العدالة

[3] المخفي في علاقة النيوليبرالية الإسرائيلية والقضية الفلسطينية. مقالة في مجلة "هزمان هزيه" الصادرة عن معهد فان لير (بالعبرية)

[4] مركز تاوب ( دراسة بالعبرية)

[5] مهنّد مصطفى. التنظيم السياسيّ للفلسطينيّين في إسرائيل: بين سياسات الأمل والاستخفاف. مدى الكرمل (2019)

[6] National Identity Development among Palestinian Student Activists in the Israeli Universities, Ibrahim Makkawi

[7] برامج المرافقة الأكاديميّة الإسرائيليّة... أيّ طالب فلسطينيّ تريد؟

التعليقات