26/02/2023 - 13:50

تشكّل وبناء فلاديمير بوتين: الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية

هذا المقال المترجم عن صحيفة نيويورك تايمز، يستعرض قصّة صعود بوتين إلى السلطة، خلال 22 عامًا، وكيف تحوّل من رجل سلطة إلى طاغية، مرورًا بخمسة رؤساء أميركيّين وصعود الصين كقوّة جديدة، وخوض أميركا وخسارتها لحربين طويلتين في العراق وأفغانستان

تشكّل وبناء فلاديمير بوتين: الانزلاق من رجل دولة إلى طاغية

(Getty)

ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابًا أمام المجلس البرلماني الألماني في 25 أيلول/ سبتمبر 2001، وتحدث عمَّا أسماه "لغة غوته وشيلر وكانط" والذي تعلمهم خلال فترة عمله كضابط في المخابرات السوفياتية في دريسدن، وأعلن أن "روسيا دولة أوروبية صديقة، وأن السلام المستقر في القارة هو الهدف الأسمى لأمتنا".

واصل الرئيس الروسي، الذي انتخب قبلها بعام عن عمر يناهز 47 عامًا بعد صعود سريع من الغموض إلى السلطة، وصف "الحقوق والحريات الديمقراطية" بأنها "الهدف الرئيسي لسياسة روسيا الداخلية"، وأبدى أعضاء البوندستاغ[1] ترحيبًا حارًا، متأثرين بالمصالحة التي بدا أن بوتين يجسدها في مدينة برلين التي رمزت دائمًا للانقسام بين الغرب والعالم السوفييتي الشمولي.

كان نوربرت روتجن، ممثل اليمين الوسط ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لعدة سنوات، من بين الذين وقفوا تشجيعًا، وقال "لقد أسرنا بوتين، وكان صوته رقيقًا جدًا باللغة الألمانية وهو صوت يغريك بتصديق ما قِيلَ. كان لدينا سبب للاعتقاد بوجودِ منظورٍ قابلٍ للتطبيق للعمل الجماعي".

تمزقت اليوم كل تلك "الجماعية"، واحترقت أوكرانيا، وضربها جيش السيد بوتين ليثبت قناعته بأن القومية الأوكرانية ليست إلا أسطورة، وصار أكثر من 3.7 مليون أوكراني لاجئًا، وتكوم القتلى، وتحول صوت السيد بوتين الخرخريّ الرقيق إلى غرغرة رجلٍ عجوزٍ ساخط يرفض أي روسي يُعارض عنف ديكتاتوريته الشديدة مُعتبرًا إياهم "حثالة وخونة".

وتوَّعد بوتين أن يواجه خصومه، أي "الطابور الخامس" الذين يتلاعب الغرب بهم، بمصير بشع، حيث لم تسر حربه على أوكرانيا كما كان مخططًا لها بأن تكون خاطفة، وقال إن الروس الحقيقيين "سيبصقونهم مثل البعوض الذي يطير بطريق الخطأ في أفواههم"، ويحققون بذلك "التطهير الذاتي الضروري للمجتمع".

لم تكن هذه لغة كانط بقدر ما كانت لغة تمجيد قومي فاشي مرتبط بشباب بوتين القاسي في سان بطرسبرغ.

بين صوتي العقل والتحريض، بين هذين الرجلين اللذين يبدوان مختلفين، توجد قصة 22 عامًا من السلطة وخمسة رؤساء أميركيين وصعود الصين كقوة جديدة، وخوض أميركا وخسارتها لحربين طويلتين في العراق وأفغانستان، وربط التكنولوجيا للعالم وتشكّل لغزٍ روسي جديد في الكرملين.

هل أخطأت الولايات المتحدة وحلفاؤها، من خلال الإفراط في التفاؤل أو السذاجة، في فهم بوتين منذ البداية؟ أم أنه تحول بمرور الوقت إلى داعية حرب انتقامي اليوم، سواء كان ذلك بسبب الاستفزاز الغربي المُتخيل، أو المظالم المتزايدة، أو لأثر ثمالة البقاء الممتد في السلطة؟

السيد بوتين لغز، لكنه أيضًا أكثر الشخصيات العامة انفتاحًا. من منظور مقامرته الطائشة في أوكرانيا، تظهر صورة لرجل استغل كل خطوة يقوم بها الغرب تقريبًا على أنها استهزاء بروسيا، وبه شخصيًا أيضًا. ومع تزايد المظالم، المرة تلو الأخرى، وسنة بعد سنة، كان التمييز غير واضح، ومع مرور الوقت صار بوتين هو الدولة، واندمج مع روسيا، وانصهرت مصائرهم في رؤية مسيانية[2] متزايدة للمجد الإمبراطوري المستعاد.

من رماد الإمبراطورية

بوريس يلتسين (Getty)

قالت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والتي اجتمعت ببوتين عدة مرات خلال المرحلة الأولى من حكمه، إنه "كان دائمًا مهووسًا بـ25 مليون روسي محاصرين خارج روسيا الأم؛ بسبب تفكك الاتحاد السوفيتي. أثار هذا الأمر مرارًا وتكرارًا. كانت نهاية الإمبراطورية السوفيتية بالنسبة له أكبر كارثة في القرن العشرين لهذا السبب".

ولكن إذا كان الاستياء الوحدوي كامنًا، جنبًا إلى جنب مع شكوك الجاسوس السوفيتي بالولايات المتحدة، فقد كان لدى بوتين أولويات أولية أخرى، إذ كان خادمًا وطنيًا لدولته. انهارت روسيا ما بعد الشيوعية في التسعينيات بقيادة بوريس إن يلتسين، أول زعيم منتخب بحرية في البلاد.

أمر يلتسين في عام 1993 البرلمان بقمع التمردات، وقُتل 147 شخصًا. كان على الغرب أن يمد روسيا بالمساعدات الإنسانية، وكان الانهيار الاقتصادي مروعًا للغاية، وانتشر الفقر المدقع، حيث بيعت قطاعات كبيرة من الصناعة مقابل ظهور طبقة ناشئة من الأوليغارشية. مثَّل كل هذا بالنسبة لبوتين حالة من الفوضى والإذلال.

قال كريستوف هيوسجن، كبير المستشارين الدبلوماسيين للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بين عامي 2005 و2017، إنه "كره ما حدث لروسيا، وكره فكرة أن الغرب سيساعدها". كان أول بيان سياسي لبوتين في الحملة الرئاسية عام 2000 يدور حول الجهود الغربية لنقل السلطة من الدولة إلى السوق، وكتب: "بالنسبة للروس، فإن الدولة القوية ليست حالة شاذة يجب محاربتها"، بل على العكس تمامًا، "فهي مصدر النظام والضامن والبادئ والقوة الدافعة الرئيسة لأي تغيير".

لكن بوتين لم يكن ماركسيًا، حتى لو أحيا النشيد الوطني الستاليني، فقد شهد بأم عينيه كارثة الاقتصاد المركزي المخطط في كل من روسيا وألمانيا الشرقية، حيث كان يعمل وكيلاً للاستخبارات السوفياتية بين عامي 1985 و1990.

عمل بوتين فور تسلمه مهام الرئيس الجديد مع الأوليغارشية التي أوجدتها الرأسمالية الفوضوية والسوق الحرة والمحسوبية، طالما أظهروا ولاءهم المطلق له، وإذا تعذر عليهم ذلك، فسيمحوهم. إذًا كانت هذه هي الديمقراطية، فقد كانت "ديمقراطية سيادية"، وهي عبارة تبناها كبار الإستراتيجيين السياسيين لبوتين، مع التأكيد على الكلمة الثانية.

وبتركيز كبير على مدينته سان بطرسبرغ، التي بناها بطرس الأكبر في أوائل القرن الثامن عشر لتكون "النافذة إلى أوروبا"، ومن خلال تجربته السياسية الأولية هناك منذ عام 1991، حيث عمل في مكتب رئيس البلدية لجذب الأجانب بهدف الاستثمار، يبدو أن السيد بوتين كان منفتحًا بحذر على الغرب في وقت مبكر من حكمه.

وذكر إمكانية عضوية روسيا في الناتو للرئيس بيل كلينتون في عام 2000، وهي فكرة لم يطرحها مجددا من يومها. حافظ على اتفاقية الشراكة الروسية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في عام 1994، كما أنشأ مجلس الناتو وروسيا في عام 2002، وبذلك تنافس رجل بطرسبورغ مع الإنسان السوفيتي في داخله.

كان هذا فعل موازنة دقيق، وكان بوتين المنضبط مستعدًا له. إذ قال للمخرج السينمائي الأميركي أوليفر ستون في السلسلة الوثائقية "مقابلات بوتين" لعام 2017: "يجب ألا تفقد التحكم بنفسك أبدًا". وصف نفسه ذات مرة بأنه "خبير في العلاقات الإنسانية". لم يكن المشرّعون الألمان وحدهم الذين أغواهم هذا الرجل ذو السمات غير العاطفية والنيات العنيفة، والذي نُحت بوصفهِ عميلًا استخباراتيًا.

قالت سيلفي بيرمان، السفيرة الفرنسية في موسكو من عام 2017 إلى عام 2020، إنه "يجب أن تفهم أنه من المخابرات السوفيتية، الكذب مهنته ولا خطيئة في ذلك. يتعامل بوتين مثل المرآة، يتكيف مع ما يراه، وبالطريقة التي تدرب عليها".

قبل بضعة أشهر من خطاب البوندستاغ، تمكَّن بوتين من الرئيس جورج دبليو بوش، الذي قال بعد اجتماعهما الأول في حزيران/ يونيو 2001، إنه نظر في عيني الرئيس الروسي وتوصل إلى "إحساس بروحه" ووجده "واضحًا جدًا وجديرًا بالثقة." قام يلتسين، الذي تأثر بالمثل، بتعيين بوتين خلفًا له بعد ثلاث سنوات فقط من وصوله إلى موسكو في عام 1996.

وقال ميخائيل خودوركوفسكي، أغنى رجل في روسيا قبل أن يقضي عقدًا في مستعمرة عقابية[3] في سيبيريا وتفكيك شركته بالقوة، في مقابلة في عام 2016 في واشنطن، إن "بوتين يوجه تركيزه بدقة متفحصة إلى شخص ما، وإذا كان يريدك أن تحبه، فسوف تحبه".

كانت المرة السابقة التي رأيت فيها السيد خودوركوفسكي، في موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 2003، قبل أيام فقط من اعتقاله على يد عملاء مسلحين بتهم الاختلاس. كان يتحدث معي في ذلك الوقت عن طموحاته السياسية الجريئة، وهو ما اُعتبر إهانة لا يقبلها بوتين.

صعود استبدادي

(Getty)

كان القصر الرئاسي المشجر خارج موسكو مريحًا، ولكنه لم يكن كافيًا. في عام 2003، لم تكن ذائقة بوتين الشخصية قد وصلت بعد إلى مستوى العظمة. استرخى حراس الأمن في الأرجاء، وهم ينظرون إلى أجهزة التلفزيون التي تعرض عارضات الأزياء على مدارج ميلانو وباريس.

جعلنا بوتين، كما يحب أن يفعل، ننتظر لساعات طويلة. بدا ذلك عرضًا صغيرًا لمهارة واحدة، فظاظة طفيفة كان يلحقها حتى بالسيدة رايس، على غرار إحضار كلبه إلى اجتماع مع السيدة ميركل في عام 2007 عندما كان يعلم أنها تخاف من الكلاب.

قالت السيدة ميركل: "إنني أتفهم سبب قيامه بذلك.. يريد أن يثبت أنه رجل".

عندما بدأت المقابلة مع ثلاثة من صحفيي نيويورك تايمز، كان بوتين وديًا ومركّزًا ومرتاحًا في تحكمه القوي بالتفاصيل، وقال: "إننا نقف بحزم على طريق تطوير الديمقراطية واقتصاد السوق"، وأضاف أن "الشعب الروسي شعب أوروبيّ، ويتمثل ذلك في عقليتهم وثقافتهم". وتحدث عن "علاقات جيدة ووثيقة" مع إدارة بوش، على الرغم من حرب العراق، وقال إن "المبادئ الأساسية للإنسانية وحقوق الإنسان وحرية التعبير تظل أساسية للبلدان جميعها"، وأردفَ بأن أعظم درس تعلمه هو "احترام القانون".

في هذا الوقت، كان بوتين قد قام بالفعل بقمع وسائل الإعلام المستقلة، وخاض حربًا وحشية في الشيشان تضمنت تسوية عاصمتها غروزني بالأرض ووضع المسؤولين الأمنيين، المعروفين باسم السيلوفيكيين، في المقدمة والوسط في حكمه، والذين كانوا في كثير من الأحيان رفاقًا قدامى له في سان بطرسبرغ، مثل نيكولاي باتروشيف، الذي يشغل الآن منصب أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي لبوتين. كانت أول قاعدة يلتزم بها ضابط المخابرات السابق هي الشك، ولذلك أحاط نفسه بأصدقائهِ.

وعندما سئل عن أساليبه، انزعج، مشيرًا إلى أن أميركا لا يمكنها أن تدّعي أي أساس أخلاقي، وأوضح: "لدينا مثل في روسيا: لا ينبغي للمرءِ أن ينتقد المرآة إذا كان وجهه معوجَّا".

كان الانطباع السائد عنه كالآتي: وجود رجل منقسم وراء نظراته الثابتة. قال ميشيل إلتشانينوف، المؤلف الفرنسي لكتاب "داخل عقل فلاديمير بوتين"، إن للرجل "واجهة خارجية من الليبرالية في خطابه منذ بداية العقد الماضي"، لكن جاذبية استعادة القوة الإمبريالية الروسية، وبالتالي الانتقام من تراجع روسيا المتخيل إلى ما كان الرئيس باراك أوباما يسميه "قوة إقليمية"، كانت دائمًا الدافع العميق للسيد بوتين.

ولد بوتين عام 1952 في مدينة كانت تُدعى آنذاك لينينغراد، ونشأ بعد حرب السوفييت ضد ألمانيا النازية، والمعروفة لدى الروس باسم الحرب الوطنية العظمى[4]. أصيب والده بجروح بالغة، وتوفي شقيقه الأكبر خلال الحصار الألماني الوحشي للمدينة الذي استمر 872 يومًا، وعمل جده لدى ستالين طبَّاخًا. لم تكن التضحيات الهائلة التي قدمها الجيش الأحمر[5] في هزيمة النازية نظرية، ولكنها ملموسة في عائلته المتواضعة، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الروس من جيله. لقد تعلم بوتين الشاب، على حد تعبيره، أن "الضعفاء يهزمون".

قال السيد إلتشانينوف، الذي كان جميع أجداده روسيين، "لم يأخذ الغرب في الحسبان قوة الأسطورة السوفيتية وقيمة التضحية العسكرية والانتقام لدى بوتين، إذ يُصدّق بشدة أن الرجل الروسي مستعد للتضحية بنفسه من أجل فكرة، بينما الرجل الغربي يحب النجاح والراحة".

جلب السيد بوتين قدرًا من هذا الراحة إلى روسيا في السنوات الثمانية الأولى من رئاسته، حيث تقدّم الاقتصاد إلى الأمام، وتدفق الاستثمار الأجنبي. قال ألكسندر جابيف، الزميل البارز في مركز كارنيجي في موسكو: "لعل هذا كان أسعد وقت في حياة البلاد، مع قدر من الازدهار ومستوى حرية لم يسبق له مثيل في التاريخ الروسي".

وأضاف السيد غابوييف، الذي فر، مثل الآلاف من الروس الليبراليين إلى إسطنبول منذ بدء الحرب على أوكرانيا، "كان الفساد متفشيًا وتركزت الثروة نعم، ولكن أيضًا تزايدت أعداد القوارب. وتذكر، في التسعينيات، كان الجميع فقراء مثل فأر الكنيسة". الآن يمكن للطبقة الوسطى قضاء إجازتها في تركيا أو فيتنام.

كانت الإشكالية أمام السيد بوتين أن عليه الالتزام بحكم القانون وإقامته ليتمكن من تنويع الاقتصاد، وهو ما دفعه لدراسة القانون في جامعة سان بطرسبرغ وادعى أنه يحترمه، في حين أن القوة والسلطة كانا هما الحجران الأساسيان لفترة حكمه. كان يخفي ازدراءه للمجاملات القانونية. "لماذا يتقاسم السلطة في حين أنه يستطيع العيش على النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى وإعادة التوزيع الكافية لإرضاء الناس؟" شرح السيد غابوييف.

وشرح تيموثي سنايدر، المؤرخ البارز عن الفاشية، الأمر على هذا النحو: "بعد أن لعب مع دولة حكم القانون الاستبدادية، أصبح ببساطة رئيس الأوليغارشية، وحوّل الدولة إلى الآلية المنفذة لجماعته الأوليغارشية".

ومع ذلك، احتاجت أكبر دولة على وجه الأرض، والتي تمتد عبر 11 منطقة زمنية، إلى أكثر من مجرد انتعاش اقتصادي لتقف شامخة مرة أخرى. نشأ السيد بوتين في عالم سوفيتي كان يرى أن روسيا ليست قوة عظمى ما لم تهيمن على جيرانها، وقد تحدى هدير الغرب على أعتاب بلاده هذا المبدأ.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2003، وضعت ثورة الزهور[6] في جورجيا البلد بثبات على المسار الغربي. في عام 2004، العام الذي شهد توسع الناتو الثاني بعد الحرب الباردة، والذي ضمَّ إستونيا وليتوانيا ولاتفيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، اندلعت احتجاجات ضخمة عُرفت بثورة البرتقال[7] في أوكرانيا، والتي انطلقت من باب رفض موسكو واعتناق المستقبل الغربي.

وهنا بدأ تحول السيد بوتين من التعاون مع الغرب إلى مواجهته. صحيح أن هذا التحول سيكون بطيئًا، ولكنه سيحدد اتجاهه العام. وقد سألت السيدة ميركل بوتين ذات مرة عن أكبر خطأ ارتكبه، فأجابها: «أن أثق بكِ».

صراع مع الغرب

بوتين وميركل (Getty)

أصبح من الواضح وجود تصلب واضح لروسيا بوتين منذ عام 2004 وبعدها كما وصفته السيدة رايس، وزيرة الخارجية السابقة "بحملة بدأوا فيها بتدوير حكايات الضعف والعدوى الديمقراطية".

ألغى بوتين انتخابات حكام المناطق في أواخر عام 2004، وصار الكرملين هو من يعينهم، وتحول التلفزيون الروسي بشكل متزايد ليصير شبيهًا للتلفزيون السوفيتي في دعايته الثقيلة. وقتلت في عام 2006 آنا بوليتكوفسكايا، الصحفية الاستقصائية التي انتقدت انتهاكات الحقوق في الشيشان، في موسكو في عيد ميلاد السيد بوتين. كما قُتل أحد منتقدي الكرملين الآخرين في لندن، وتسمم بمادة مشعة، وهو ألكسندر ليتفينينكو، عميل المخابرات السابق، والذي أطلق على روسيا لقب "دولة المافيا".

كان توسع الناتو في البلدان التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، أو في إمبراطوريته في أوروبا الشرقية بعد الحرب بالنسبة للسيد بوتين يمثل خيانة أميركية، وقد تطور تهديد الديمقراطية الغربية الناجحة على أعتاب بلادهِ إلى تهديد محسوسٍ لنظامه القمعي المتزايد.

قال يوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني السابق الذي التقى بوتين عدة مرات: "كابوس بوتين ليس الناتو، بل الديمقراطية، والثورات الملونة، والآلاف من الناس في شوارع كييف. وبمجرد اعتناقه لأيديولوجية إمبريالية عسكرية كأساس لروسيا بوصفها قوة عالمية، لم يعد قادرًا على تحمل ذلك".

على الرغم من أن السيد بوتين قد تصور أوكرانيا ذات الميول الغربية على أنها تهديد للأمن الروسي، إلا أنها كانت تشكل تهديدًا فوريًا لنظام بوتين الاستبدادي نفسه، ويقول راديك سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي السابق: "بوتين محق بالطبع في أن أوكرانيا الديمقراطية المتكاملة مع أوروبا والناجحة ستكون تهديدًا مميتًا للبوتينية. القضية أكبر من عضوية الناتو".

لا يتقبل الرئيس الروسي التهديدات المميتة الحقيقية منها والمتخيلة. إذا كان أي شخص قد شك في قسوة السيد بوتين، فقد أُثبتت وجهة نظره بحلول عام 2006. أملت عليه كراهيته للضعف ميلا إلى العنف، وعلى الرغم من وحشيته، كانت الديمقراطيات الغربية بطيئة في استيعاب هذا الدرس القاسي.

لقد احتاجوا إلى روسيا، وليس فقط من أجل النفط والغاز. كان الرئيس الروسي، الذي كان أول من اتصل بالرئيس بوش بعد 11 سبتمبر، حليفًا محتملاً مهمًا فيما أصبح يسمى الحرب العالمية على الإرهاب. لقد انسجم مع حربه في الشيشان ومع ميله لرؤية نفسه كجزء من معركة حضارية لصالح المسيحية.

لكن السيد بوتين كان أقل ارتياحًا تجاه "أجندة الحرية" التي أعلنها بوش في حفل تنصيبه الثاني في كانون الثاني/ يناير 2005، وهو التزام أميركا بتعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم سعيًا وراء رؤية المحافظين الجدد. في كل حركة من أجل الحرية، رأى السيد بوتين اليد الخفية للولايات المتحدة. ولماذا لا يدرج السيد بوش روسيا في برنامجه الطموح؟

عند وصوله إلى موسكو سفيرًا للولايات المتحدة في عام 2005، أرسل ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية حاليًا، برقية رصينة تبدد التفاؤل كله بعد الحرب الباردة. وكتب يقول: "إن روسيا كبيرة جدًا وفخورة جدًا ومدركة تمامًا لتاريخها الخاص بحيث لا يمكن أن تتناسب بدقة مع "أوروبا كاملة وحرة". كما أشار في مذكراته، "القناة الخلفية"، أضاف السيد بيرنز أن "الاهتمام الروسي بلعب دور هام بوصفها قوة العظمى "من شأنه أن "يتسبب في بعض الأحيان بمشاكل كبيرة".

عندما التقى فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي السابق، بالسيد بوتين بعد عدة سنوات، تفاجأ عندما وجده يشير إلى الأميركيين باسم "اليانكيز[8]" وبعبارات لاذعة، وقال له السيد بوتين إن هؤلاء اليانكيز "أذلونا، ووضعونا في كرسي المُتفرّج"، وأضاف بأن الناتو منظمة "عدوانية بطبيعتها" استخدمتها الولايات المتحدة لممارسة الضغط على روسيا، حتى لتحريك الحركات الديمقراطية.

قال هولاند: "لقد عبر عن نفسه بطريقة باردة وحساسة. إنه رجل يريد دائمًا إظهار نوع من العزيمة العنيفة، ولكنها تأتي على شكل إغواء، وبوداعة. تتناوب نبرته المقبولة مع انفجارات صوته الوحشية، وهو ما يجعلها أكثر فعالية".

كلما زادت ثقته في سلطته، بدا أن السيد بوتين قد عاد إلى العداء تجاه الولايات المتحدة، أي تمامًا كما الوسط الذي نشأ وتشكل فيهِ. إن قصف الناتو لبلغراد في عام 1999 أثناء حرب كوسوفو، وغزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، قد منحه بالفعل شكوكًا صحية في التذرع الأميركي بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. واقتناعا منه باستثنائية روسيا، ومصيرها الحتمي في أن تكون قوة عظمى، لم يستطع تحمل الاستثنائية الأميركية، وتصور أميركا عن نفسها وهي ترمي بقوتها ملوحة بتحقيق مصير فريد للشعوب على أنها مهمة أصلية في كينونتها لنشر الحرية في عالم تكون هي القوة الوحيدة المُهيمنة.

وصلت هذه الضغائن إلى ذروتها في خطاب السيد بوتين الشرس في عام 2007 أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، وصرح لجمهور مصدوم: "لقد تجاوزت الولايات المتحدة وحدها أولاً وقبل كل شيء، حدودها الوطنية بكل الطرق"، وفُرض "عالم أحادي القطب" بعد الحرب الباردة مع "مركز واحد للسلطة، ومركز واحد للقوة، ومركز واحد لصنع القرار". وكانت النتيجة عالمًا "فيه سيد واحد، وملك واحد، ويكون هذا في النهاية ضارًا." أكثر من كونه خبيثًا، كان "خطيرًا للغاية"، مما أدى إلى "حقيقة أن لا أحد يشعر بالأمان".

تهديد توسع الناتو

وصول بوتين إلى ميونخ الألمانيّة عام 2007 (Getty)

بعد خطاب ميونيخ، كانت ألمانيا ما تزال تعلق آمالاً على السيد بوتين. السيدة ميركل، التي نشأت في ألمانيا الشرقية، وهي متحدثة بالروسية، تشكلت فيما بينهما علاقة من نوع ما. وضع السيد بوتين طفليه في مدرسة موسكو الألمانية بعد عودته من دريسدن. كان يحب الاقتباس من القصائد الألمانية. قال السيد هيوسجن، كبير مستشاريها الدبلوماسيين: "كان هناك تقارب بينهما... أو تفاهم".

ومع ذلك، فإن العمل مع السيد بوتين لا يمكن أن يعني الإملاء عليه. قال السيد هيوسغن: "لقد اعتقدنا بشدة أنه لن يكون من الجيد ضم جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، لأنها ستحفز عدم الاستقرار". تنص المادة 10 من معاهدة الناتو، كما أشار السيد هيوسجن، على أن أي عضو جديد يجب أن يكون في وضع يسمح له "بالمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي"، ولم يتضح لميركل كيف ستفعل الدولتان المتنازعان ذلك.

لكن الولايات المتحدة، برئاسة بوش قبلها بعام، لم تكن في حالة مزاجية لتقديم تنازلات. أراد السيد بوش تجهيز "خطة عمل العضوية" لأوكرانيا وجورجيا، وهو التزام محدد بإدخال البلدين في الحلف، ليتم الإعلان عنه في قمة الناتو في أبريل 2008 في بوخارست. كان توسع الناتو قد ضمن أمن وحرية 100 مليون أوروبي تحرروا من الاستبداد السوفييتي، ولا ينبغي أن يتوقف ذلك.

وعارض ذلك السيد بيرنز، بصفته سفيرا. في رسالة سرية إلى السيدة رايس آنذاك، وكتب: "إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو أصعب الخطوط الحمراء عند النخبة الروسية (وليس بوتين فقط). خلال أكثر من عامين ونصف العام من المحادثات مع الفاعلين الروس الرئيسيين، بدءًا من المتعصبين في استراحات الكرملين المظلمة وحتى أشد النقاد الليبراليين لبوتين، لم أجد بعد أي شخص ينظر إلى أوكرانيا في الناتو على أنها تحدٍ مباشر للمصالح الروسية".

اعترفت الولايات المتحدة والعديد من حلفائها بالفعل في فبراير 2008 باستقلال كوسوفو عن صربيا، وهو إعلان أحادي الجانب رفضته روسيا باعتباره غير قانوني، واعتبرته إهانة لدولة سلافية زميلة. واستدعى سيرجي لافروف، وزيرة الخارجية الروسي، السيدة بيرمان، السفيرة الفرنسية السابقة في موسكو، محذرًا إياها حينئذ: "كوني حذرة، فهذا سابقة، وستستخدم ضدك".

انضمت فرنسا إلى ألمانيا في بوخارست في معارضة خطة عضوية جورجيا وأوكرانيا. تتذكر رايس: "لم ترد ألمانيا شيئاً، وقالت إنه لا يمكنكم إدخال بلد به نزاع متجمد مثل جورجيا إلى الناتو"، في إشارة إلى المواجهة المتوترة بين جورجيا والجمهوريات الانفصالية المدعومة من روسيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المعلنة من طرف واحد.

ورد عليها السيد سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي: "لقد كنتم أنتم أنفسكم في حالة نزاع متجمّد لمدة 45 عامًا!".

كان الحل الوسط فوضويًا. جاء في إعلان قادة الناتو أن أوكرانيا وجورجيا "ستصبحان عضوين في الناتو". لكنهما لم تصلا إلى حد المصادقة على خطة عمل من شأنها أن تجعل هذه العضوية ممكنة. لقد تُركت أوكرانيا وجورجيا بوعدٍ أجوف، وسلمتا للانجراف إلى أجل غير مسمى ولتصيرا منطقة مُحرمة استراتيجية لا يملكها أحد، بينما كانت روسيا غاضبة وقدم لها لمحة عن الانقسام الذي يمكن أن تستغله لاحقًا.

قال توماس باغر، المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس الألماني: "ننظر اليوم إلى البيان ونعتقد أنه كان الأسوأ على الإطلاق". جاء السيد بوتين إلى بوخارست وألقى ما وصفته السيدة رايس بأنه "خطاب عاطفي"، مشيرًا إلى أن أوكرانيا بلد مختلق، ومشيرًا إلى وجود 17 مليون روسي هناك، ووصف كييف بأنها أم جميع المدن الروسية، وهو ادعاء كان من شأنه أن يتطور إلى هوس.

بالنسبة إلى السيد سيكورسكي، لم يكن خطاب بوتين مفاجئًا. كان قد تلقى رسالة في ذلك العام من فلاديمير جيرينوفسكي، وهو قومي روسي شرس كان آنذاك نائب رئيس مجلس الدوما، يشير إلى أنه يجب على بولندا وروسيا أن تقسما أوكرانيا ببساطة فيما بينهما، وقال السيد سيكورسكي: "لم أردّ عليهِ، فنحن لسنا في مجال تغيير الحدود".

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الاختلافات، لم يكن السيد بوتين قد تحول بعد إلى العداء الصريح. انتقل الرئيس بوش والسيدة رايس إلى منتجع بوتين المفضل في سوتشي على ساحل البحر الأسود. وعرض السيد بوتين المواقع المخطط لها لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014. قدمهم إلى ديمتري أ.ميدفيديف، مساعده منذ فترة طويلة والذي سيصبح رئيسًا في أيّار/ مايو، كجزء من مناورة مصممة لاحترام حدود الولاية الدستورية الروسية مع السماح للسيد بوتين بالعودة إلى الكرملين في عام 2012 بعد فترة كرئيس للوزراء.

كان هناك راقصون من القوزاق. رقص بعض الأميركين وكان المزاج جيدًا جدًا هنا، وبعد ثلاثة أشهر، اندلعت حرب استمرت خمسة أيام في جورجيا. ووصفتها روسيا بأنها عملية "فرض سلام"، وبعد أن تسببت روسيا في هجوم جورجي متهور على قواتها العميلة في أوسيتيا الجنوبية، قامت بغزو جورجيا. كان هدفها الاستراتيجي تحييد أي طموحات لعضوية جورجيا في الناتو. تحقق هذا الهدف إلى حد كبير، واعترفت موسكو باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ودمجتهما في روسيا.

لقد رسم بوتين، بأسلوبه المتعمد، خطاً أولاً في الرمال، دون أي رد غربي ذي مغزى.

نحن ضدهم

مظاهرات في موسكو ضد بوتين عام 2012 (Getty)

في 7 مايو/ أيار 2012، عندما تردد صدى 30 طلقة تحية في موسكو واعتقال ضباط شرطة مكافحة الشغب المتظاهرين بملابس مموهة، عاد السيد بوتين إلى الرئاسة الروسية. كان خشنًا ومقتنعًا بشكل متزايد بالغدر والانحطاط الغربيين، فقد كان رجلاً متغيرًا في كثير من النواحي.

أدى اندلاع الاحتجاجات الكبيرة في الشوارع قبل خمسة أشهر، حيث حمل المتظاهرون لافتات تقول "بوتين لص"، إلى ترسيخ قناعته بأن الولايات المتحدة مصممة على إحداث ثورة ملونة في روسيا. اندلعت التظاهرات بعد الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 2011 التي اعتبرها المراقبون المحليون والدوليون على نطاق واسع مزورة. وسُحقت الاضطرابات في نهاية المطاف.

واتهم بوتين وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون بأنها المحرض الأساسي، وقال: "لقد عبَّأت بعض الممثلين في بلدنا وأعطتهم إشارة". وردّت السيدة كلينتون قائلة، تماشيًا مع القيم الأميركية، "عبّرنا عن مخاوفٍ نعتقد أنها تستند إلى أسس جيدة بشأن إجراء الانتخابات".

تأزمت للعلاقة للدرجة التي دفعت إدارة أوباما لمحاولة "لإعادة ضبط" العلاقات مع روسيا على مدى السنوات الأربع التي قضاها ميدفيديف الأكثر اعتدالًا رئيسًا، والذي كان دائمًا مدينًا لبوتين لوصوله إلى هذا المنصب.

ومع ذلك، فإن فكرة أن السيد بوتين يشكل أي تهديد خطير للمصالح الأميركية قد رُفضت إلى حد كبير في واشنطن التي كانت تركز على هزيمة القاعدة، وبعد أن قال السيناتور ميت رومني إن أكبر تهديد جيوسياسي يواجه الولايات المتحدة هو روسيا، سخر منه الرئيس أوباما، وقال مزدريًا خصمه خلال مناظرة رئاسية عام 2012: "لقد انتهت الحرب الباردة منذ 20 عامًا".

امتنعت روسيا ، تحت الضغط الأميركي، عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2011 على التدخل العسكري في ليبيا، والذي سمح بـ "جميع التدابير اللازمة" لحماية المدنيين. عندما تحولت هذه المهمة، حسب تصور السيد بوتين، إلى السعي للإطاحة بالعقيد معمر القذافي الذي قتلته القوات الليبية غضب الرئيس الروسي. كان هذا تأكيدًا آخر على خروج أميركا على القانون الدولي.

قال مارك ميديش، المدير الأول للشؤون الروسية والأوكرانية والأوراسية في مجلس الأمن القومي خلال رئاسة كلينتون: "لقد ارتعب بطريقة قتل القذافي الوحشية. قيل لي إنه أعاد مشاهدة مقاطع الفيديو مرارًا وتكرارًا". كان القضاء على الديكتاتور أمرًا شخصيًا بالنسبة له.

وضع كل هذا حسب ميشيل دوكلوس، السفير الفرنسي السابق في سوريا والمستشار الخاص الآن لمركز الأبحاث التابع لمعهد مونتين في باريس، "اختيار بوتين النهائي لإعادة الاستقطاب" في عام 2012 معقولًا، فقد نهضت الصين، وعرضت خيارات استراتيجية جديدة. قال دوكلوس: "لقد صار بوتين مقتنعًا بأن الغرب في حالة تدهور بعد الأزمة المالية لعام 2008، وأن الوقت مواتٍ للمواجهة".

سلح السيد بوتين نفسه في هذه المواجهة بتعزيزات ثقافية ودينية. نصَّب نفسه التجسيد الذكوري للقيم المسيحية الأرثوذكسية المحافظة ضد مبادئ الغرب غير الدينية للزواج من نفس الجنس، والنسوية الراديكالية، والمثلية الجنسية، والهجرة الجماعية وغيرها من مظاهر "الانحطاط".

كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها، على حد قول السيد بوتين، عازمين على عولمة هذه القيم التخريبية تحت غطاء تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. ستقف القديسة روسيا ضد هذا التجانس المشين. وقفت البوتينية، كما تجسدت الآن، ضد الغرب الكافر والمُوسوس. صار لدى موسكو أيديولوجية مرة أخرى. لقد كانت مقاومة محافظة، وناشدت قادة اليمين في جميع أنحاء أوروبا وخارجها.

ويبدو أن ما حصل كان أيضًا انعكاسا لأمر آخر، فعندما سُئل بوتين في الفيلم الوثائقي لأوليفر ستون عما إذا كان يمر "بأيام سيئة"، كان رده: "أنا لست امرأة، ولا أقضي أيامًا سيئة". بعد الضغط عليه قليلاً من قبل السيد ستون المراعي بشكل عام، يرى الرئيس الروسي أن "هذه فقط طبيعة حياته".

في وقت لاحق، يسأل السيد ستون بوتين عن المثليين والجيش. "إذا كنت تستحم في غواصة مع رجل وتعلم أنه مثلي، هل لديك مشكلة في ذلك؟" يرد السيد بوتين: "حسنًا، أفضل عدم الذهاب للاستحمام معه. لماذا ألجأ إلى استثارته؟ لكنك كما تعلم، فأنا أستاذ في الجودو".

كان هذا على ما يبدو مزحة من بوتين.

لكن السيد بوتين لم يكن يمزح بشأن تحديه المحافظ للثقافة الغربية، حيث سمح له الأمر بتطوير دعمٍ لتياره في أوروبا بين الأحزاب اليمينية المتشددة مثل التجمع الوطني الفرنسي أو الجبهة الوطنية سابقًا، التي تلقت قرضًا من بنك روسي. أعادت القومية الأوتوقراطية إحياء جاذبيتها، متحدية الليبرالية الديمقراطية التي سيعلن الزعيم الروسي أنها "عفا عليها الزمن" في عام 2019.

أثر عدد من الكتاب والمؤرخين الفاشيين أو القوميين أصحاب الأفكار الروحانية عن مصير روسيا، ومن أبرزهم إيفان إيلين، على تفكير بوتين بشكل متزايد. رأى إيلين أن الجندي الروسي هو "إرادة الدولة الروسية وقوتها وشرفها" وكتب: "صلاتي مثل السيف. وسيفي مثل الصلاة". اعتاد السيد بوتين على الاستشهاد به بشكل متكرر.

قال المؤرخ سنايدر: "بحلول الوقت الذي يعود فيه بوتين إلى الكرملين، ستكون لديه أيديولوجية، وغطاء روحي لحكمه الفاسد، وتمتد يد روسيا الآن إلى أي مدى يقرر زعيمها. الأمر كله يتعلق بروسيا الأبدية، وهي مزيج من الألف عام الماضية. أوكرانيا لنا، وطالما كانت لنا، لأن الله يقول ذلك، ولا نهتم بالحقائق".

عندما سافر السيد بوتين إلى كييف في يوليو 2013، في زيارة للاحتفال بالذكرى 1025 لاعتناق المسيحية من قبل الأمير فلاديمير روس كييف، تعهد بحماية "وطننا المشترك، روسيا العظمى". في وقت لاحق، أقيم تمثال لفلاديمير أمام الكرملين.

لكن بالنسبة لأوكرانيا، أصبحت هذه "الحماية" الروسية أكثر من مجرد تهديد مستتر، مهما كانت الروابط الثقافية واللغوية والعائلية الواسعة بين البلدين.

قال السيد سيكورسكي، وزير الخارجية البولندي السابق، "تعرضت بولندا للغزو مرات عديدة من روسيا". لكن تذكر أن روسيا لا تغزو أبدًا. بل تأتي لمساعدة الأقليات الناطقة بالروسية والمهددة بالانقراض".

قائد جريء

(Getty)

إن تطور شخصية بوتين الذي دام 22 عامًا هو من نواح كثيرة دراسة مُعمَّقة في جرأته المتزايدة. كان عازمًا في البداية على استعادة النظام في روسيا واكتساب الاحترام الدولي، خاصة في الغرب، وأصبح مقتنعًا بأن روسيا غنية بعائدات النفط والأسلحة الجديدة عالية التقنية والتي من شأنها أن تملأ العالم وأن تنشر القوة العسكرية بأدنى قدرٍ من المقاومة.

"القوة بالنسبة للروس هي السلاح، وليست الاقتصاد"، قالت السيدة بيرمان، السفيرة الفرنسية السابقة، والتي تابعت عن كثب عسكرة السيد بوتين المستمرة للمجتمع الروسي خلال فترة وجودها في موسكو، وقد صُدمت بشكل خاص بعرض الفيديو الفخم للأسلحة النووية المتطورة والأسرع من سرعة الصوت ويرافقها الرئيس في خطاب ألقاه إلى الأمة في مارس 2018.

صرح السيد بوتين قائلاً: "لم يستمع إلينا أحد... استمعوا إلينا الآن". وقال أيضًا: "باءت جهود احتواء روسيا بالفشل".

إذا كان السيد بوتين، كما يبدو أنه يعتقد الآن، تجسيدًا لمصير القوة العظمى الشرقية لروسيا، فلم يعد ما يمكن إخفاءه. قالت السيدة رايس، وزيرة الخارجية السابقة: "عندما التقيت به لأول مرة، كان على المرء أن يميل قليلاً لفهم ما كان يقوله. لقد رأيت بوتين ينتقل من إنسانٍ خجول جدًا، إلى خجول قليلًا، إلى متعجرفٍ، والآن إلى شخص مصاب بجنون العظمة".

يبدو أن لحظة مهمة في هذا التطور قد جاءت مع قرار السيد أوباما في اللحظة الأخيرة في 2013 بعدم قصف سوريا بعد أن تجاوز الرئيس السوري بشار الأسد "الخط الأحمر" الأميركي ضد استخدام الأسلحة الكيماوية. نقل السيد أوباما قضية الحرب إلى الكونجرس المتردد بدلاً من ذلك، وتحت التهديد الأميركي المستمر والضغط من موسكو، وافق السيد الأسد على تدمير الأسلحة.

يبدو أن التردد ترك انطباعًا ما لدى بوتين. قال السيد هولاند، الرئيس الفرنسي الأسبق، الذي كان قد جهَّز الطائرات الحربية للمشاركة في الضربة العسكرية المخطط لها: "لقد كان أمرًا حاسمًا، على ما أعتقد". كان الأمر حاسمًا بالنسبة للمصداقية الأميركية، وكان لذلك عواقب. اعتبر السيد بوتين السيد أوباما ضعيفًا بعد ذلك الموقف على ما اعتقد".

من المؤكد أن السيد بوتين كثف جهوده بسرعة لتوسيع القوة الروسية.

إن أوكرانيا كانت قد ارتكبت ما لا يغتفر بإطاحتها بزعيمها المدعوم من موسكو في انتفاضة شعبية دموية في فبراير/شباط 2014، وبالتالي رفضها بحكم الأمر الواقع لإغراءات السيد بوتين التي تقدر بمليارات الدولارات للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي[9] بدلا من السعي إلى إبرام اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكان هذا، بالنسبة لبوتين، هو الشبح الملتهب لثورة الألوان الذي صار حقيقة الآن. وأصر على أنه كان "انقلابًا" مدعومًا من أميركا. تبع ذلك ضم بوتين لشبه جزيرة القرم وتنسيق الصراع العسكري في شرق أوكرانيا الذي أدى إلى إنشاء منطقتين انفصاليتين تدعمهما روسيا.

وقعت روسيا قبل عقدين من الزمان في عام 1994 اتفاقية تُعرف باسم مذكرة بودابست، والتي بموجبها تخلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية الضخمة مقابل وعد باحترام سيادتها وحدودها الحالية، ولكن السيد بوتين لم يكن لديه مصلحة في هذا الالتزام. وقال هيوسغن إن نقطة الانهيار بالنسبة لميركل كانت عندما سألت بوتين عن "الرجال الخضر الصغار" — الجنود الروس الملثمين — الذين ظهروا في شبه جزيرة القرم قبل الضم الروسي في مارس 2014، وأجاب بوتين بشكل غير مقنع: "لا علاقة لي بهم".

قال السيد هيوسغن: "لقد كذب عليها وأخبرها بالأكاذيب مرارًا وتكرارًا، ومنذ ذلك الحين، صارت أكثر تشككًا في السيد بوتين"، وكانت تخبر السيد أوباما أن الزعيم الروسي "يعيش في عالم آخر".

في وقت لاحق، عندما أمر بوتين القوات الروسية بالدخول إلى سوريا، وفي عام 2016، شرع في قصف شرس على حلب، أخبرته السيدة ميركل أن القصف يجب أن يتوقف. لكن الزعيم الروسي لم يستمع. وقال السيد هيوسغن: "قال إن هناك بعض المقاتلين والإرهابيين الشيشان هناك، وأنه لا يريدهم أن يعودوا، وسوف يقصف حلب بأكملها للتخلص منهم. لقد كانت وحشية مطلقة. إلى أي مدى يمكن أن تكون وحشيًا؟"

الأكاذيب والوحشية: كانت الأساليب الأساسية لبوتين واضحة بما فيه الكفاية. بالنسبة لأي شخص كان يستمع، فقد أوضح السيد لافروف، وزير الخارجية، ذلك في مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2015.

اتهم لافروف الأوكرانيين في خطاب عنيف مثّل في السيد بوتين في عام 2007بالانخراط في عربدة من "العنف القومي" المتميز بعمليات التطهير العرقي الموجهة ضد اليهود والروس، وزعم أن ضم شبه جزيرة القرم حدث بسبب انتفاضة شعبية طالبت "بحق تقرير المصير" بموجب ميثاق الأمم المتحدة.

كانت الولايات المتحدة، حسب وصف لافروف، مدفوعة برغبة لا تشبع في الهيمنة العالمية. وكان على أوروبا، بمجرد انتهاء الحرب الباردة ، أن تبني "البيت الأوروبي المشترك ومنطقة اقتصادية حرة" من لشبونة إلى فلاديفوستوك، بدلاً من توسيع الناتو باتجاه الشرق.

لكن لم يكن الكثير من الناس يستمعون. الولايات المتحدة ومعظم أوروبا، ناهيك عن الدول الأقرب لروسيا، أخذت في الاعتقاد بأن التهديد الروسي، بينما يتزايد، إلا أنه لا يخيف، وأن السيد بوتين كان رجلاً عقلانيًا ينطوي استخدامه للقوة على تحليل جاد للتكلفة والعوائد، وأن السلام الأوروبي مضمون. واصل الأوليغارشيون جعل "لوندونغراد" موطنهم وكان حزب المحافظين البريطاني سعيدًا بأخذ الأموال منهم. كانت شخصيات بارزة في ألمانيا وفرنسا والنمسا سعيدة بقبول الإجرام الروسي المدفوع الأجر، ومن بينهم جيرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق وفرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي السابق. وتدفق النفط والغاز الروسيين إلى أوروبا.

دافع مفكرون بارزون، بمن فيهم هيلين كارير دي إنكوز، السكرتيرة الدائمة للأكاديمية الفرنسية والمتخصصة في التاريخ الروسي، عن السيد بوتين بقوة، حتى في الفترة التي سبقت الحرب على أوكرانيا، وقالت في مقابلة تلفزيونية فرنسية: "لقد كرست الولايات المتحدة نفسها لإهانة روسيا"، مشيرة إلى أن الحل المتزامن لحلف الناتو وحلف وارسو كان سيخدم العالم بشكل أفضل.

أما بالنسبة للرئيس السابق دونالد ترامب، فلم يكن لديه أبدًا أي كلمة انتقادية للسيد بوتين، مفضلاً تصديقه بدلاً من تصديق أجهزته الاستخباراتية بشأن قضية التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.

يقول باغر، الدبلوماسي الألماني البارز: "بعد فوات الأوان، كان علينا أن نبدأ منذ وقت طويل ما نحتاج إلى القيام به الآن على عجل... تعزيز جيشنا وتنويع إمدادات الطاقة. إلّا أننا بدلاً من ذلك وسَّعنا تدفقات مواردنا من روسيا وجررنا معًا الآن جيشًا أجوف لا يملك صدًا ولا ردًا"، وأضاف: "لم ندرك أن بوتين قد حاكَ نفسه في أساطير تاريخية وأنه كان يفكر في شكل إمبراطورية عمرها ألف عام. لا يمكنك ردع شخص كهذا بالعقوبات".

الحرب في أوكرانيا

(Getty)

ما لا يمكن تصوره صار ممكنًا. حرب روسيا الاختيارية على أوكرانيا دليل على ذلك. قالت لي السيدة بيرمان وهي تشاهد الحرب بأنها ذكرتها بأسطر من فيلم "The Human Stain" لفيليب روث: "إن خطر الكراهية هو أنها وبمجرد أن تبدأ، تتمثل في مئة صورة أكثر مما تريد، وبمجرد أن تبدأ، لا يمكنك ان توقفها".

في عزلة كوفيد-19، التي ضاعفها على ما يبدو رهاب الجراثيم الذي دفع الزعيم الروسي إلى فرض ما أسماه السيد باغر "ترتيبات غير عادية" لأي شخص يقابله، يبدو أن كل هواجس السيد بوتين حول 25 مليون روسي فقدوا في وطنهم الأم عند تفكك الاتحاد السوفيتي قد تخثرت.

قالت السيدة بيرمان، التي استقبلها السيد بوتين المبتسم عندما قدمت أوراق اعتمادها كسفيرة في عام 2017، "حصل شيء ما...فهو يتحدث بغضب وغيظ جديدين، وبنوع من الحماقة".

كما أصيبت السيدة رايس بالدهشة. قالت:" هناك شيء مختلف بالتأكيد، فهو لا يتحكم في عواطفه. ثمة خطأ قد وقع".

بعد أن التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع بوتين على طرفي نقيض من طاولة طولها 20 قدمًا، قال للصحفيين على متن طائرته إنه وجده أكثر صلابة وعزلة وعنادًا أيديولوجيًا مما كان عليه في اجتماعهم السابق في عام 2019. ووصف مساعدو ماكرون بوتين بأنه تغير جسديا ووجهه منتفخ. "جنون العظمة" هي الكلمة التي اختارها كبير المستشارين الدبلوماسيين للرئيس الفرنسي لوصف خطاب السيد بوتين قبل الحرب مباشرة.

لقد استفزت أوكرانيا السيد بوتين بطريقة مقلقة للغاية ويتضح هذا في المقالة المكونة من 5000 كلمة حول "الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين" والتي صاغها في عزلته الصيف الماضي ووزعها على أفراد القوات المسلحة. وفي معرض توجيه الحجج التي تعود إلى القرن التاسع، قال إن "روسيا تعرضت للسرقة بالفعل". صارت أوكرانيا الآن موطناً لـ "الراديكاليين والنازيين الجدد" العازمين على محو أي أثر لروسيا. وكتب: "لن نسمح أبدًا باستخدام أراضينا التاريخية والأشخاص القريبين منا الذين يعيشون هناك ضد روسيا، ولأولئك الذين سيشرعون في مثل هذه المحاولة، أود أن أقول إنهم بهذه الطريقة سيدمرون بلدهم".

كانت نيته، بعد فوات الأوان، واضحة بما فيه الكفاية، قبل عدة أشهر من الغزو. وبدا الأمر كذلك بالنسبة للسيد إلتشانينوف، المؤلف الفرنسي. وقال: "لقد توغل دِينُ الحرب فيه واستبدل الحقيقة بالأسطورة". ولكن لماذا الآن؟ لقد خلص بوتين إلى أن الغرب كان ضعيفًا ومنقسمًا ومنحلًا ومنحطًا وقد صار مشغولًا بالاستهلاك الخاص وبالفحش. كان لألمانيا زعيم جديد، ولفرنسا انتخابات وشيكة. وقد توطدت الشراكة مع الصين. أقنعه ضعف المعلومات الاستخباراتية بأن القوات الروسية سيتم الترحيب بها كمحررين في مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، على الأقل. قال السيد باغر إن كوفيد -19 "أعطاه إحساسًا بالإلحاح، وأن الوقت ينفد منه".

لدى السيد هولاند، الرئيس السابق، تفسير أبسط: "بوتين كان مخمورًا بنجاحه في السنوات الأخيرة، فقد فاز بشكل هائل في القرم وفي سوريا وفي بيلاروسيا وفي إفريقيا وفي كازاخستان. يقول بوتين لنفسه، أنا أتقدم في كل مكان. فإلى أين أتراجع إذن؟ لا مكان!".

لم يعد الواقع كما كان، فبضربة واحدة، حشد السيد بوتين حلف شمال الأطلسي، وأنهى الحياد السويسري والنزعة السلمية الألمانية بعد الحرب، ووحَّد الاتحاد الأوروبي المجزأ في كثير من الأحيان، وعرقل الاقتصاد الروسي لسنوات قادمة، وأثار هجرة جماعية للروس المتعلمين وعزز الشيء نفسه الذي أنكر وجوده سابقًا بطريقة سوف تثبت أنها لا تمحى: القومية الأوكرانية. لقد تفوق عليه الرئيس الأوكراني المرن والشجاع فولوديمير زيلينسكي، وهو الرجل الذي سخر منه بوتين.

قال السيد غابوييف، كبير زملاء كارنيجي موسكو، والذي انتقل الآن إلى اسطنبول: "لقد تراجع عن إنجازات رئاسته بضربة واحدة". بالنسبة للسيد هولاند " لقد ارتكب السيد بوتين ما لا يمكن علاجه".

وصف الرئيس بايدن السيد بوتين بأنه "متوحش" و"مجرم حرب" و"قاتل"، وقال في بولندا "بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة"، ولكن وعلى الرغم من كل ذلك، يحتفظ الزعيم الروسي باحتياطي كبير من الدعم في روسيا، وبسيطرة مشددة على أجهزته الأمنية.

ومن المعروف جيدا أن السلطة تفسد مرتاديها، ويبدو أن مسافة شاسعة تفصل بين الرجل الذي فاز بقلب البوندستاغ في عام 2001 بخطاب تصالحي وبين الزعيم الصاخب الذي يوبخ "الخونة الوطنيين" الذين أغواهم الغرب الذي "لا يستطيع الاستغناء عن كبد الأوز أو المحار أو ما يسمى "بالحُريات الجندرية" على حد تعبيره في خطاب الحثالة والخونة الذي ألقاه. إذا كانت الحرب النووية بعيدة الاحتمال، فهي أقل بُعدًا بكثير مما كانت عليه قبل شهرين، وصارت موضوع محادثات منتظمة على موائد العشاء في جميع أنحاء أوروبا حيث يسعى بوتين إلى "نزع النازية" عن بلد زعيمه يهودي.

يبدو أن الرئيس بوتين، الذي سيبلغ السبعين بعد عامٍ، وبعد تفكيره الدقيقة بفكرة اندماج روسيا مع الغرب قد عاد إلى شيء أعمق في نفسه: عالم طفولته بعد الحرب الوطنية العظمى. انتصرت روسيا في رأسه مرة أخرى لتحرير الأوكرانيين من النازية، ولاستعادة ستالين مكانته البطولية.

مع استكمال هجومه على وسائل الإعلام المستقلة، وإصراره على أن الغزو ليس "حربًا"، وتصفيته لمنظمة ميموريال إنترناشونال، وهي منظمة حقوقية رائدة تؤرخ الاضطهاد في عهد ستالين، عاد السيد بوتين إلى جذوره في بناء دولة شمولية. قال لي السيد روتجن، الذي وقف يصفق للسيد بوتين قبل 21 عامًا: "أعتقد في هذه المرحلة إما أنه سيفوز أو أنه قد ينتهي. وأقصد هنا أن ينتهي سياسيًا أو جسديًا".


إحالات:

[1] أعلى هيئة دستورية في جمهورية ألمانيا الاتحادية، والهيئة الوحيدة في الدولة التي ينتخبها الشعب مُباشرة، ويشار إليها بأسماء عدة مثل المجلس البرلماني الألماني أو المجلس التشريعي الاتحادي – المُترجم.

[2] تأتي الكلمة من اسم المسيح بالإنجليزية Messiah، وتشير إلى اليهود المتنصرين أو المسيحيين اليهود أو اليهود المؤمنين بالمسيح أو العبرانيين المسيحيين، وهي حركة هي حركة إنجليزية بروتستانتية تؤكد على العنصر اليهود في الدّيانة المسيحية ويعتبر اليهود المسيانيين حركة يهودية عرقيًا مسيحية دينيًا، وترفض المؤسسات اليهودية التقليدية المسانيين، وذلك لتصديقهم بالعقيدة المسيحية، ولربما تأتي إشارة كاتب المقالة إلى بوتين على إنه مسيانيّ في إطار أنه صار يُصدر نفسه المسيحي الأرثوذكسي المثالي، والذي يدافع عن قيم المسيحية ضد الليبرالية الغربية – المُترجم.

[3] مستوطنة نائية (غالبًا ما تكون جزيرة أو مستعمرة بعيدة) تستخدم في نفي السجناء وعزلهم عن بقية المواطنين في مجتمع من المساجين – المُترجم.

[4] مصطلح مُستخدم في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق لوصف الفترة ما بين 22 يونيو 1941 و9 مايو 1945 على الجبهات المختلفة للحملة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية والتي دارت معاركها بين الاتحاد السوفيتي من جهة وألمانيا النازية وحلفائها من جهة أخرى – المُترجم.

[5] الجيش الأحمر او جيش العُمال والفلاحين الحُمر، ويشير اللون هنا إلى الدّم، وقد تشكل الجيش على يد البلاشفة بعد ثورة أكتوبر لمقاومة حركات الجيش الأبيض المدعومة من القوات الأجنبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة وتشيكوسلوفاكيا والولايات المتحدة واليابان، وتغير اسم الجيش للجيش السوفيتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1946 – المُترجم.

[6] ثورة ناعمة أطاحت بنظام الرئيس الجورجي السابق إدوارد شيفردنادزه المدعوم من موسكو، وأوصلت ميخائيل ساكاشفيلي المدعوم غربياً وزعيم المعارضة الجورجية سابقًا إلى سدة الرئاسة الجورجية، وكان ميدان الحرية موقعاً لتلك الثورة، وتعتبر هذه الثورة من الثورات الملونة والتي تطلق على أعمال الحركات والعصيان المدني وأعمال الشغب أو الحركات المطلبية في بعض الدول وخاصة المناوئة منها للغرب كالدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، ولبنان وإيران في بداية القرن الحادي والعشرين – المُترجم.

[7] إحدى الثورات المنونة والتي اندلعت إثر تقاريرٍ من عدة مراقبين محليين وأجانب للانتخابات وكذلك إثر تصوّرٍ شعبي واسع الانتشار بأن نتائج الاقتراع التفضيلي الجاري في 21 نوفمبر 2004 بين المرشحين الرئيسيين فيكتور يوشتشينكو وفيكتور يانوكوفيتش كانت قد زوِّرت من قبل السلطات لمصلحة الأخير. نجحت الاحتجاجات التي عمّت البلاد حينما ألغي الاقتراع الأصلي، وحكمت المحكمة الكرواتية العليا بإعادة التصويت – المُترجم.

[8] مصطلح له عدة استعمالات، يستعمل في بريطانيا وبعض دول العالم للإشارة إلى سكان الولايات المتحدة الأميركية، بينما يستعمل في أميركا للإشارة إلى سكان نيو إنجلاند خصوصا ذوي الاصول الإنجليزية – المُترجم.

[9] اتحاد اقتصادي للدول التي تقع في وسط آسيا وشمالها وفي أوروبا الشرقية. وقّع قادة بيلاروسيا وكازاخستان وروسيا معاهدة الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي في 29 مايو عام 2014، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يناير عام 2015 – المُترجم.

التعليقات