عمال في زمن كورونا: حقوق معدومة وانتهاكات حاضرة

لم تتوقف الانتهاكات عند من تسجلوا للبطالة في مكاتب العمل، إذ انعدمت الحقوق لدى شرائح واسعة من المستخدمين والعمال، وتم أيضا انتهاك حقوق من سمح له بالعودة للعمل بوظيفة جزئية، والاقتصار على دفع 67% من المعاش، وليس أجرا كاملا.

عمال في زمن كورونا: حقوق معدومة وانتهاكات حاضرة

ورش بناء ببلدات يهودية تعتمد على الأيدي العاملة العربية (عرب 48)

لا يعني قرار الحكومة الإسرائيلية فتح سوق العمل في البلاد، عقب الإغلاق الشامل لشهرين لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد، بالضرورة عودة نحو مليون و300 ألف عاطل عن العمل أو ممن أخرجوا إلى إجازة بدون راتب إلى وظائفهم ومهنهم، مع استمرار الانتهاكات الحقوقية للعمال، الأمر الذي يتسبب بتعميق الأزمة الاقتصادية لعشرات آلاف العائلات في البلاد، وخصوصا الشرائح الفقيرة وغالبيتها عربية.

وتمثلت الانتهاكات الحقوقية بعدم احتساب وعدم دفع أيام العطلة كإجازة مرضية لمن دخل بالحجر الصحي المنزلي لمدة 14 يوما، ودفع مخصصات مؤسسة التأمين الوطني عن البطالة بنسب أقل من القيمة المالية المتعارف عليها قبل حالة الطوارئ، في ظل كورونا.

السوق الشعبي في عكا القديمة (عرب 48)

لم تتوقف الانتهاكات عند من تسجلوا للبطالة في مكاتب العمل، إذ انعدمت الحقوق لدى شرائح واسعة من المستخدمين والعمال، وتم أيضا انتهاك حقوق من سمح له بالعودة للعمل بوظيفة جزئية، والاقتصار على دفع 67% من المعاش، وليس أجرا كاملا بنسبة 100% من الوظيفة.

كما أن هناك نحو 150 ألف مستخدم من مستخدمي السلطات المحلية سيعودون للعمل بأجور منقوصة ووظائف جزئية، ما يعني تراجع بقيمة المعاش وما يشمله من حقوق ومخصصات ضمان تقاعد، وهي الانتهاكات التي تمارسها الوزارات الحكومية ذات الصلة، ووزارة الداخلية على وجه الخصوص.

ويأتي ذلك، فيما يحصل 15% من القوى العاملة في البلاد على الحد الأدنى من الأجور وقدره 5,300 شيكل، علما أن إحصائيات مؤسسة التأمين أشارت إلى أن 44% من القوى العاملة العربية، والتي فصلت بغالبيتها العظمى من مكان عملها أو أخرجت لإجازة بدون راتب، تتلقى حتى الحد الأدنى من الأجور.

انتقادات وانتهاكات

ووجه النقابي في نقابة العمال العامة (الهستدروت) جهاد عقل، انتقادات شديدة اللهجة للحكومة بكل ما يتعلق بالتعامل مع قضية العمال في ظل أزمة كورونا، واتهمها بانتهاك حقوق العمال دون أن تتحمل أي مسؤولية، ودون توفير أي خطة أو خارطة طريق لضمان نيل حقوقهم، والاكتفاء بالاعتماد على مخصصات التأمين التي يدفعها أصلا العمال على مدار العام لضمان حقوقهم في حال فصلوا من أماكن العمل.

النقابي جهاد عقل

وأوضح عقل في حديثه لـ"عرب 48" أن "التداعيات الأولية لأزمة كورونا تشير إلى تسجيل معدلات بطالة عالية جدا، بلغت نحو 27% من القوى العاملة في البلاد عامة وحوالي 35% من القوى العاملة في المجتمع العربي، علما أن مخصصات البطالة التي يدفعها التأمين الوطني تتراوح بين 50% إلى 60% من معدل الأجور".

وأعرب عن اعتقاده أن "فتح سوق العمل من قبل الحكومة، في ظل حالة الطوارئ المعلنة، لم يوفر شبكة الأمن والأمان، لضمان عودة منظمة ومنتظمة للعمال والعاملات لأماكن العمل بالقطاعين الخاص والعام"، مؤكدا أن "سوق العمل لن يعود، في هذه المرحلة، كما كان قبل جائحة كورونا، وسيستغرق فترة طويلة حتى يتعافى من الأزمة".

حقوق ومستحقات

وإلى حين أن يتعافى سوق العمل ويعاود الانتعاش مجددا، قال عقل إن "وضع العمال حاليا في مهب الريح، إذ لا يوجد أي اهتمام حكومي رسمي بحقوقهم ومستحقاتهم التي تتعرض لانتهاكات رسمية، فيما تصب الحكومة جل اهتمامها وتكرس وقتها من أجل تخصيص المنح والدعم المالي للمشغلين وأصحاب العمل".

وأوضح أنه "كان الأجدر بالحكومة، ومع العودة المتدرجة لسوق العمل ورفع التقييدات والإعلان عن التسهيلات، أن تهتم بضمان حقوق ومستحقات العمال والمستخدمين وعودتهم بوظائف كاملة وغير منقوصة، وذلك عبر قوننة حقوقهم ومستحقاتهم وقيمة المعاشات والأجور من خلال الدعم والمساعدات التي ترصدها لأرباب العمل والمشغلين".

أعداد قليلة جدا سوق عكا القديمة (عرب 48)

وحث عقل مختلف النقابات العمالية على "طرح حقوق ومستحقات العمال في مختلف القطاعات على أجندتها ومعالجتها قبالة الوزارات الحكومية، علما أن صوت النقابات لم يكن عاليا بما فيه الكفاية لدعم العمال والمستخدمين، وأقتصر على التوصل لتفاهمات بين الحكومة والمشغلين مع تغييب حقوق العمال عن التفاهمات".

مخاوف وأعباء

وأوضح النقابي العمالي بأنه "على الرغم من معدلات البطالة المرتفعة في البلاد، إلا أن أكثر المتضررين هم العمال والمستخدمين من المجتمع العربي"، مبينا أن "هناك مئات الآلاف من العمال، وغالبيتهم من العرب الذين يعملون بمهن مؤقتة ووظائف جزئية وحتى بدون اتفاقيات أجور، باتوا ضحية لإجراءات الفصل والتوقيف عن العمل، إذ أن مستحقات البطالة التي حصلوا عليها ليست ذات قيمة وقد تصل إلى مئات الشواكل عن الشهر الواحد".

ودعا عقل الوزارات الحكومية والنقابات في البلاد، إلى "تبني نموذج العديد من النقابات الأوروبية التي ضمنت حقوق العمال كاملة حتى خلال الإغلاق والعطلة القسرية عن العمل، وذلك من خلال اشتراط الدعم الحكومي ودفع المساعدات المالية للمشغلين بدفع الأجور كاملة لجميع المستخدمين والعمال الذين تم إيقافهم عن العمل".

وأبدى مخاوفه من أن "العودة المنقوصة للعمال والمستخدمين بوظائف جزئية من شأنه أن يعمق الأزمة المالية للعائلات وترك ترسبات سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، الأمر الذي من شأنه أن يوسع دائرة الفقر في المجتمع العربي ويرفع معدلات العنف والجريمة، في ظل توجه الكثير من العائلات التي تعاني أعباء مالية للاقتراض من السوق السوداء".

ظلم وحرمان

وفي الجانب القانوني، أعربت المحامية وفاء ميعاري، المختصة في قضايا مؤسسة التأمين الوطني وقضايا التعويض للأضرار الجسدية، عن اعتقادها بأن "الكثير من الظلم والانتهاكات الحقوقية وقعت على العمال والمستخدمين ممن فصلوا من أماكن العمل أو خرجوا لإجازة غير مدفوعة الأجر، سواء كان ذلك من قبل المشغلين أو حتى من قبل مؤسسة التأمين الوطني التي لم تمنحهم مخصصات بطالة كاملة".

المحامية، وفاء ميعاري

واستعرضت المحامية ميعاري لـ"عرب 48" الانتهاكات الحقوقية المتمثلة بامتناع المشغل وصاحب العمل عن تسليم العامل والمستخدم كُتب الفصل أو مستندات التي تثبت إخراجه لإجازة غير مدفوعة الأجر، ما يعني حرمانه من التسجيل لدى مؤسسة التأمين الوطني، وكذلك عدم احتساب ودفع أيام الحجر الصحي المنزلي كإجازة مرضية لمن طلب منهم التزام الحجر الصحي، بحسب وزارة الصحة".

وأوضحت بأن "الكثير من المشغلين لم يهتموا بضمان الحقوق العمال، وكان همهم الوحيد الحصول على هبات الدعم الحكومية، فيما لوحظ ظاهرة قسائم رواتب لا تشمل على كافة المدفوعات والحقوق ومخصصات التقاعد للعامل، إذ أن الأجر المسجلة بالقسائم كانت أقل من الأجر الذي يدفعه المشغل للعامل، ما يعني خسارة لقيمة المخصصات التي يجب أن يحصل عليها العامل من مؤسسة التأمين الوطني، والذي يدفع أصلا نسبة قليلة من قيمة المعاش والأجر الذي كان يحصل عليه العامل".

تسهيلات وتداعيات

وأعربت المحامية ميعاري عن اعتقادها بأنه "على الرغم من فتح سوق العمل والتسهيلات والدعم الحكومي للمشغلين، فإن الانتهاكات الحقوقية ستتواصل خاصة في صفوف النساء العاملات، وهن الأكثر تضررا من أزمة كورونا، إذ أن العديد من المشغلين الذين تكبدوا خسائر من جراء الإغلاق ليس لديهم أي استعداد لتشغيل العامل بأجر كامل، بل يشترطون عودة العامل بوظيفة جزئية، وهناك عدد من أماكن العمل عادت لنشاط جزئي واستغنت عن الكثير من العمال".

ميعاري: تفعيل جهاز رقابي لضمان حصول العمال على حقوقهم

وحثت الحقوقية العمال والمستخدمين ممن واجهوا الانتهاكات على "الحصول على الاستشارة القانونية من المحامي أو المحاسب لضمان حقوقهم"، كما دعت أصحاب العمل إلى "ضمان كافة حقوق العمال"، وطالبت الوزارات الحكومية بـ"تفعيل جهاز رقابي ولوائح وتعليمات جديدة تضمن حصول العمال على كامل حقوقهم، ودفع كامل قيمة الأجور عن مخصصات البطالة، إلى حين يتعافى سوق العمل من تداعيات أزمة كورونا التي ستتواصل، على ما يبدو، لفترة طويلة".

التعليقات