ثماني لقطات: أيّ صورة غيّرت مفاهيمك مؤخّرًا؟!

الطفل عمران

الصورة هي الدليل الذي يجد مكانًا في الذاكره ويساهم في نسج أفكارك عن الناس والحياة، يساهم في صياغة المواقف، واتخاذ الضدّ أو المع. تفرض الصورة قوّتها على الأفراد والمجتمعات، القويّة قبل الضعيفة. كما أنّ لها القدرة على تسريع دوران عجلة تغيير المفاهيم؛ يمكن لصورة ما أن تغيّر رأيًا عامًّا قائمًا، أو أن تنتج آخر جديدًا، وللصورة المدروسة أن تحقن دماء، ولصورة مدروسة أخرى أن تسفك دماء. ربّما تنفض عنّا الصورة غبار فكرة كنّا نعتقد أنّها ماتت، أو تثبّت الوضع القائم وتجعل من الفكرة السائدة عنه خطًّا مستقيمًا، حتّى تأتي صوره أخرى وتصنع تغييرًا. 

الصورة في القصّة الصحافيّة لم تأت لتسند المكتوب، بل عليها تقديم شيء جديد يجعلك تعيد النظر والتفكير، هكذا ببساطة. 

هنا، مجموعة من الصور التقطت في السنوات الأخيرة، ترتبط بأحداث شهدتها منطقة الشرق الأوسط، والتي كان لها أثر في الذاكرة والرأي العام. تجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة الصور التالية التُقِطَتْ في إطار توثيق أحداث إخباريّة، واختيرت وفقًا لإجابات عيّنة من الناس على سؤال 'أيّ صوره غيّرت مفاهيمك مؤخّرًا'؟!

إيلان وعمران

عدّ كثيرون صورة الطفل إيلان من أهمّ صور عام 2016، والتي أصبحت في ما بعد رمزًا للجوء الإنسان. مثّلت هذه الصورة مرحلة من مراحل الثورة السوريّة، وهي لم تسهم، فقط، في تسليط الضوء على معاناة اللاجئين وزيادة المتعاطفين معهم والاهتمام بمسألة اللجوء ككلّ، بل ساهمت في تفعيل الاتّحاد الأوروبيّ نظام حصص، تتقاسم دول الاتّحاد بموجبه استقبال اللاجئين. 

الطفل إيلان

في أعقاب قصف أحد مباني مدينة حلب السوريّة من قبل الطيران الروسيّ، خرجت هذه النظرة، نظرة 'عمران الذي لا يبكي'. لم أر في حياتي نظرة تحمل فهمًا للواقع وهدوءًا غير مُتَقَبّل، والأهمّ أنّها تحمل التساؤلات البريئة ذاتها التي يسألها الصغار والكبار؛ ما هو شكل المستقبل بعد صورة عمران هذه؟

الصورة المقتطعة من فيديو، يظهر بعدها الطفل عمران وهو يتحسّس وجهه، ينظر إلى يده فيجد دمه وغبار انهيار غرفته الذي ملأ وجهه المشدوه، الوجه الذي كان ينظر إليه العالم، ويضغط share

داعش

صورة مهرجان تدمر الدوليّ بمدرّجه ومسرحه ذي الأعمدة الشامخة والإضاءة البهيّة، وعروضه الغنائيّة والراقصة الجميلة، استبدلت فجأة بصورة لعناصر من تنظيم داعش، يقفون على نحو منتظم إلى الجانب الأيسر من المسرح، الذي توسّطه علم كبير للتنظيم، وأمامه 25 جنديًّا سوريًّا في حالة انتظار وانكسار، تشبه لحظات ما قبل الإعدام. المثير في هذا المشهد الذي بات يتربّع في الذاكرة كلّما ذُكِرَت تدمر، أنّ من صنع داعش يعلم جيّدًا قدرة الصورة على التأثير، ولا يظهر ذلك من زاوية التقاط الصورة فقط، التي تركّز على الشكل الهندسيّ، والذي يُعَدّ أيسر عوامل الحفظ في الذاكرة، إنّما وجود الجمهور في الصورة، كي تبدو كأنّها حدث عاديّ؛ مسرحيّة تُعْرَضُ ولها جمهور، كأنّها صورة اللعب بمعيار الإنسان. 

داعش على مسرح تدمر


امرأة سعيدة لتحرّرها من داعش. هؤلاء السيّدات يمثّلننا جميعًا، ذكورًا وإناثًا، في مجتمعات تسيطر عليها لغة الفرض، تغيّر لونها الأسود إلى رماديّ إن تفاءلت. الألوان في الصورة تحكي فكرة الانتصار الغريب عنّا، الذي لا نعايشه جماعات وشعوبًا، هذه الصورة العابرة للحدود العربيّة تتحدّث في آنٍ واحد عن تحدّي الأيديولوجيا، وعن القدرة، وعن الفعل، وعن الحرّيّة. هذه المصطلحات التي تلخّص حياتنا اليوميّة وتاريخنا.  

امرأة تتحرّر من داعش

 

انقلاب

كثيرة هي الصور التي انتشرت من تركيا في ساعات الانقلاب، لكنّ أقواها في رأيي، والتي ستعلق في أذهاننا وأذهان الأتراك جيّدًا، مجسّدة معنى مصطلح 'انقلاب عسكريّ' في ذاكرة الجيل، هي صورة المدرّعات العسكريّة التركيّة تعترض منتصف جسر البوسفور في مدينة إستنبول، ومن حولها الجنود في حالة استسلام، وقد أسميتها 'السطوة'.

على الجسر فوق البوسفور

الصورة ذات الزاوية العبقريّة تحمل الكثير من المعاني والرسائل والأسئلة حول نهاية كلّ من يقوم بعمل عسكريّ: الاستسلام، أمّا الرسالة الأكثر رومانسيّة فيها، فهي قوّة حكم الشعب.

أب يمزّق قميصه

ظهرت صورة الأب الثاكل الذي يمزّق قميصه في الحرب على غزّة عام 2014، وهي للمصوّر حسام سالم. برزت من بين كمّ مهول من صور الموت والجثث والدمار المتداولة في النشرات الإخباريّة من غزّة وسوريا، وصور الرؤوس المقطّعة على يد داعش، التي ملأت ذاكرة الناس الصوريّة، وحفاظًا على ما بقي من إنسانيّة، يغمض الناس أعينهم عند رؤية تلك المشاهد.

أب ثاكل في غزّة

لو نظرنا نظرة مبسّطة، نفهم أنّ لا أحد يتضامن مع جثّه مضرجة بالدماء لا ملامح لها، فالأمر مخيف، والخوف لا يصنع متضامنين، الناس تبحث عمّا يشبهها؛ يبحث اللا وعي عن تفاصيل تعلق في الذاكرة. صورة ملامح الأطفال الغزّيّين المليئة بالرعب عند رؤيتهم جثث أصحابهم الأربعة في مجزرة الشاطئ، أثارت حفيظة الناس وحرّكت مشاعرهم أكثر من صور الجثث نفسها، أمّا صورة الأب الثاكل العبقريّة هذه، التي تمثّل ردّ الفعل الإنسانيّ الحيّ على كلّ الجنون الذي يحدث، والتي خرجت لنا من بين مئات الجثث، فقد مثّلت صرخة على ركود المشاعر والإحباط العامّ.

قدمتان ملقوبتان

كان أحمد مناصرة يبلغ 13 عامًا، فقط، حين التُقطت له هذه الصورة، وهي مقتطعة من فيديو صوّره أحد المستوطنين في 'بسغات زئيف' قضاء القدس، خلال هبّة القدس الأخيرة، والتي تُعرف بــ 'هبّة السكاكين' أو 'هبّة الأفراد'. الصورة التي سلّطت الضوء المحلّيّ الخافت على قضيّة اعتقال الأطفال القاصرين، وسلّطت الضوء الإسرائيليّ الأزرق على اقتراح مشروع قانون يخفض بموجبه الحدّ الأدنى لسجن القاصرين من 14 إلى 12 عامًا، والذي أقرّه الكنيست الصيف الماضي.  

الطفل أحمد مناصرة

الألم كلمة مخفّفة لوصف صورة مناصرة الذي يتنفّس بصعوبة وهو محاط بالدماء، أمّا وضعيّة القدمين المقلوبتين على نحو غير طبيعيّ، فتختصر حالنا. 

عدميّة

صورة اليوم الآخِر، آخر يومٍ في حلب، أو صورة ما بعد المجزرة، التي أعادت التضامن العالميّ مع القضيّة السوريّة إلى الواجهة، وأصبح الإعلام، ولو لفترة، يركّز على قصص تهجير الناس وتفاصيل لجوئهم، بدلًا من تصريحات زعماء الدول ذات المصالح المتنازعة، والتي كانت تلتهم ثلاثة أرباع الخبر السوري. تظهر في الصورة قافلة الحافلات الخضراء، التي نقلت الناس من شرق حلب إلى الريف الغربيّ، عبر طريق الموت هذه والدمار من حولها.

الحافلات الخضراء  - حلب

جسّدت الصورة في الذهن فكرة القيامة، فكرة الظلم وتحكّم القوّة، إضافة إلى مفهوم انتظار اللا شيء. ثقل الصورة على العقل والقلب يجبر مخيّلتنا على التفكير بكمّ المجازر والخراب في حياة الناس. تظهر الطريق أمام القافلة طويلة، يحيطها الخراب. لهذه الصورة، ولحلب، وقع مهمّ في تاريخ الثورة السوريّة، وعلى عقول الناس التي لم تعد تحتمل مشاهد الدمار، فتنقلهم هذه الصورة إلى مشهد العدميّة.

 

منى عمري

 

من مواليد صندلة - مرج ابن عامر في فلسطين. صحافيّة، تعمل معدّة ومقدّمة أخبار إذاعيّة، بالإضافة إلى العمل مراسلة للتلفزيون الفرنسيّ  (France 24)من الضفّة الغربيّة. مصوّرة ومهتمّة بمجال نقد الصورة وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. حازت على العديد من الجوائز في مجال التصوير، أبرزها المرتبة الثالثة في مسابقة 'داسك'، بتنظيم من الـ UPI . تعمل بشكل مستقلّ في كتابة السيناريو وتصوير الأفلام القصيرة.