23/09/2022 - 15:06

هذا أوان التجمع... معركة بين تيارين

من الضروري إنجاح التجمع، لأنه يمثل الخطاب الأول، الوطني والوحدوي، والذي لا يقبل أن يكون العرب مرتزقة عند حكومات إسرائيل. هذا أوان التجمع وحركتنا الوطنية التي يجب ألا تُبتز بأنه "معك خمس دقائق لتوقع".

هذا أوان التجمع... معركة بين تيارين

(gettyimages)

"معلم يمكن أنا ’غلطت’ بس هذا الموجود، معكو 5 دقايق يا بتمضوا يا على جثتي انتو برا المشتركة". هذه العربدة ليست لجابي خاوة، بل هذا ما قاله سكرتير الجبهة للنائب سامي أبو شحادة يوم تسليم القوائم للجنة الانتخابات، يوم الخميس من الأسبوع الماضي. رغم ذلك، وافق التجمع وسامي أبو شحادة على الشروط الجديدة التي طرحتها الجبهة حفاظًا على المشتركة، لكن حصل ما حصل، لأن المسألة ليست مقاعد، بل موقف التجمع السياسي من التوصية. لم يعد الغدر بالتجمع في الدقيقة التسعين هو الموضوع الأهم. الأهم الآن هو الفرز الذي حصل بعد تفكك المشتركة؛ فرز بين تيار سياسي وطني عريق يمثله برلمانيًا التجمع الوطني الديمقراطي، وبين تيار يقوده منصور عباس والتحق إليه أيمن عودة وأحمد طيبي، ويسعى إلى الاندماج بالإجماع الصهيوني.

والتيار الوطني لا ينحصر بالتجمع، بل هو الخطاب الوطني الأوسع الذي يشدد أولا على الحقوق الجماعية (وليس الفردية فقط) للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، ويؤكد أن المساواة مستحيلة، حتى على المستوى الفردي، طالما تُعرّف إسرائيل نفسها على أنها دولة لليهود فقط، كما جاء في قانون القومية العنصري. والدولة تمتد من البحر للنهر كما ينص القانون، ولليهود الحق التاريخي والقومي الحصري في هذه المنطقة، أي الضفة وغزة أيضًا. وهذا يعني، أنه، حتى لو أراد الفلسطيني في إسرائيل فك ارتباطه بمصير الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والسعي للاندماج في إسرائيل، فإن الدولة بتعريفها لنفسها ترفض ذلك.

وأهمية التجمع واستمراره ونجاحه تأتي في هذا السياق، إذ استشرف منذ تأسيسه في أواسط تسعينيات القرن الماضي، مصير هذه البلاد، بأن تعريف إسرائيل لنفسها كدولة يهودية تنفي فكرة المواطنة المتساوية حتى لو عرفت نفسها ديمقراطية، لذلك شدد على فكرة الهوية القومية، ليس حفاظًا على التراث أو الهوية التراثية، بل أولا حفاظا على الجماعة القومية في الداخل في وجه مشاريع الاندماج الفردي في دولة اليهود؛ وثانيًا، كهوية عربية مضادة للمشروع الصهيوني الذي لا يعترف بالفلسطينيين من البحر للنهر كجماعة قومية لها حق وأصول في هذه البلاد. أي هوية قومية تحررية وليست انعزالية أو متعصبة. في موازاة ذلك، شدد على فكرة المواطنة الكاملة كتحدي لجوهر الدولة اليهودية ، بأن المساواة الحقيقية، الجماعية والفردية، لا يمكن أن تتحقق في ظل دولة اليهود وإنما فقط في دولة لجميع مواطنيها؛ وأن هذه المواطنة ليست رغبة في الاندماج على هامش الدولة، بل تنبع من أن العرب هم أصحاب البلاد الأصليين، أي أن مواطنتهم تنبع من وطنيتهم، فهم لم يهاجروا إليها، بل هم أصحاب البلاد. وهذا طرح ديمقراطي.

في المقابل، طُرحت طيلة عقود مشاريع مساواة اندماجية في الدولة اليهودية، وفي أحسن الأحوال قيل إن لا فرصة للمساواة بين العرب واليهود طالما لم تقم الدولة الفلسطينية وينتهي الاحتلال، لكن هذا الخطاب لم يتطرق إلى تعريف إسرائيل لنفسها كدولة يهودية، وتعامل مع الهوية القومية مرة كأنها رجعية ومرة كأنها تراثية وحفاظا على اللغة العربية. وكذلك الحال بالنسبة للمواطنة، لم يجر التعامل معها كتحد ديمقراطي ووطني للمشروع الصهيوني الذي يدعي أن لليهود الحق القومي الحصري في البلاد من النهر للبحر، كما أكد قانون القومية في السنوات الأخيرة. وتلخص ذلك في شعار دولتين لشعبين، دولة إسرائيل (يهودية ديمقراطية) ودولة فلسطينية. النتيجة اليوم معروفة ولا داعي للإطالة. ما حصل أن إسرائيل وسعت سيادتها على كل البلاد.

وأمس الخميس زعم يائير لبيد في الأمم المتحدة أنه يؤيد شعار دولتين لشعبين، أي إسرائيل دولة يهودية وكيان سياسي إلى جوارها للفلسطينيين، بحيث يبقى الفلسطيني في إسرائيل مواطن درجة ثانية وثالثة في دولة اليهود. لكن سرعان ما أصدرت الجبهة والطيبي بيانا بالعبرية تدعو فيه الناس إلى "التدفق بكثافة للصناديق" لإلزام لبيد بتصريحاته، أي للتوصية عليه. هذا يؤكد أن التخلص من التجمع كان بسبب موضوع التوصية على لبيد. لكن دعاية لبيد في الأمم المتحدة لا تهدف إلى حل الدولتين، بل لاعتبارات سياسية دولية (أميركا) وانتخابية داخلية (التمايز عن حزب بيني غانتس وجدعون ساعر، وسحب أصوات من حزبي العمل وميرتس، بحيث يسعى لبيد ليكون هو المنافس الرئيسي لنتنياهو، وليس غانتس، من خلال تحصيل أكبر عدد من المقاعد، وحاليا هو الكتلة الثانية بعد الليكود بحسب استطلاعات الرأي).

عميت سيغل والوشاية المغرضة

نشر الصحافي عميت سيغل، اليوم الجمعة، مقالا تحريضيًا ضد الدكتور عزمي بشارة والتجمع، يزعم فيه أنه هو السبب في تفكك المشتركة. وهذه الأساطير والأكاذيب مصدرها عربي كما يؤكد سيغل نفسه، بأن تيارًا "ألترا قوميًا" في التجمع يؤيد بشارة ويسعى لإسقاط جميع الأحزاب العربية لـ"تفجير الجسور" بين المواطنين العرب والدولة الصهيونية، بتعبيره. هذا الكلام يشبه تماما أساطير "برتوكولات حكماء صهيون"، أو أن جماعة يهودية صغيرة وسرية تمسك بخيوط العالم وتحركه، ويمكن تفنيده بسهولة.

أولا، كان بشارة والتجمع أول المنظرين والداعين لفكرة قائمة مشتركة للأحزاب العربية، وكتب ذلك قبل أن يُخلق سيغل، ابن الإرهابي والمستوطن حغاي سيغل، الذي أدين في الثمانينيات بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، ضمن مجموعة سرية عرفت باسم "همحتريت هيوهوديت". ثانيًا، الإعلام الإسرائيلي بما فيه يديعوت أحرونوت وهآرتس احتفوا وهللوا لتفكك المشتركة وأشادوا بخطوة أيمن عودة وأحمد طيبي بإقصاء التجمع، باعتبار أن ذلك سوف يقضي على التيار الوطني فيها، وأن عودة طيبي يسيران على درب منصور عباس "البرغماتية النفعية"، بحسب مقال باحث إسرائيلي في يديعوت. ثالثا، التجمع وافق على شروط الجبهة والطيبي بالدقيقة التسعين، لكن الطيبي رفض وغضب و"خبط على الطاولة" عندما سمع رد التجمع الإيجابي، لأنه لم يتوقع أن يقبل التجمع بالشروط الجديدة. رابعا، بالإضافة إلى الدافع السياسي بالتخلص من التجمع، فإن الدوافع الشخصية تُفسر ما حصل، إذ إن هدف الطيبي وعودة هو إسقاط سامي أبو شحادة بسبب صعود نجمه. وأحدهما "يغار" من الآخر وكلاهما يغاران من سامي. وأخيرًا، من شق المشتركة في الانتخابات الأخيرة في العام الماضي هو منصور عباس، وهما الآن يسيران في طريقه، وهو ما اعتبره الباحث بمقاله في يديعوت انتصارا للمشروع الصهيوني.

الدوافع الشخصية تُفسر ما حصل: هدف الطيبي وعودة هو إسقاط سامي أبو شحادة بسبب صعود نجمه. وأحدهما "يغار" من الآخر وكلاهما يغاران من سامي. (gettyimages)

من المعيب والمخزي أن يقوم سياسي عربي بالتحريض وقلب الحقائق للحفاظ على علاقة وثيقة مع صحافي إسرائيلي يميني متطرف وابن إرهابي، وللتخلص من شريك سياسي، أي للتخلص من سامي أبو شحادة والتجمع.

من المسؤول عن فشل المشتركة؟ من 15 مقعدًا إلى التفكك

منذ العام 2015، استبشر الناس خيرًا بتشكيل القائمة المشتركة، واعتبروها إنجازًا وتعبيرًا عن الوحدة لتكون ممثلة للعرب كجماعة قومية، تناضل بشكل موحد ضد الاحتلال والعنصرية والتمييز وهدم المنازل وتهجير الناس في النقب وإلخ... وقد منحوها الثقة الواسعة لتحقق 13 مقعدًا. وفي العام 2019 منحوها نصف مليون صوت وحققت إنجازا انتخابيا غير مسبوق، 15 مقعدًا، لتصبح مشتركة العرب الكتلة الثالثة في الكنيست. لكن ما حصل كان مأساويا؛ أخذت القائمة المشتركة برئاسة أيمن عودة النصف مليون صوت عربي ومنحتها لبيني غانتس بالتوصية عليه لتشكيل الحكومة (باستثناء التجمع الوطني الديمقراطي)، لكن غانتس أخذ توصية المشتركة وشكل حكومة مع بنيامين نتنياهو، الذي ادعت المشتركة بقيادة عودة أنها تريد إسقاطه من الحكم.

وتكرر هذا الخطأ مرة أخرى، إذ أوصت المشتركة بقيادة عودة على يائير لبيد لتشكيل الحكومة، لكنه أخذ هذه التوصية وشكل حكومة برئاسة اليميني شريك نتنياهو حتى وقت قريب، نفتالي بينيت، أي استمر اليمين في الحكم من خلال بينيت وليبرمان وغدعون ساعر. لم يسقط اليمين، بل اتبعت هذه الحكومة سياسة أشد تطرفا من سياسة نتنياهو، إذ زادت من الاستيطان واقتحامات المسجد الأقصى، وشنت حربًا على قطاع غزة، لكن هذه المرة باعتماد الحكومة على قائمة عربية وهي القائمة الموحدة، أي أن جرائم الحكومة في غزة وفي سورية، واقتحامات الأقصى، والاستيطان وغيرها، جرت في ظل دعم الموحدة لهذه الحكومة. أي تأثير هذا، سواء من جهة المشتركة بقيادة عودة، إذ أوصت على غانتس ليتحالف مع نتنياهو، وأوصت على لبيد لينصب نفتالي بينيت رئيسًا للحكومة، وأي تأثير هذا الذي تمارسه الموحدة؟ لم تمنع اقتحاما واحدا للأقصى، ولا حربًا على غزة، ولم تمنع هدم منزل واحد في النقب تحديدًا، فقانون القومية وكذلك قانون الهدم (كامينتس) لا يزالان على قيد الحياة، تمارسهما إسرائيل كل يوم بظل وجود الموحدة بالحكومة، وبظل نهج توصيات أيمن عودة.

النهاية المأساوية للمشتركة: تحولت من تعبير عن الرغبة الشعبية العربية كجماعة قومية بالوحدة إلى قوة احتياط لدى لبيد وغانتس... في الطريق إلى التوصية على غانتس

هذه النهاية المأساوية للمشتركة: لقد تحولت من تعبير عن الرغبة الشعبية العربية كجماعة قومية بالوحدة إلى قوة احتياط لدى لبيد وغانتس، وهبطت بقيادة أيمن عودة من 15 مقعدًا إلى صفر مقاعد في هذه الانتخابات. من يتحمل مسؤولية ذلك؟ من يتحمل مسؤولية شق الطريق أمام منصور عباس للدخول إلى الحكومة سوى نهج التوصيات و"التأثير" الذي فرضه أيمن عودة على المشتركة، والذي حوّل الطموح العربي الجماعي بالوحدة إلى لعبة معسكرات ومحاولة الاندماج بالإجماع الصهيوني؟ لا شك بأن الموحدة انشقت عن المشتركة، لكن الطريق كانت ممهدة أمامها لدعم حكومة يمين برئاسة بينيت، بعدما أوصى عودة مرتين على غانتس ولبيد بحجة التأثير. التأثير كان عكسيًا، بأن الخطاب صار مُأسرلا أكثر؟ ولا يمكن الحديث عن الكرامة طالما يجري تفتيت العرب كجماعة قومية وتحويلها إلى خزان أصوات توصيات. لا كرامة في محاولة الاندماج بالإجماع الصهيوني. لا كرامة بتحويلنا إلى مرتزقة عند غانتس ولبيد وبينيت.

معركة بين تيارين: "الوضع بده تجمع"... من حملة انتخابية سابقة للتجمع

لذا، المعركة الانتخابية الحالية ليست بين 3 قوائم عربية بل بين تيارين، الأول تيار وطني يرى بالعرب جماعة قومية ويشدد على الحقوق الجماعية للعرب في هذه البلاد ولا يساوم على نصف مواطنة أو نصف هوية عربية، ولا يريد للعرب أن يكونوا مرتزقة لدى هذه الحكومة أو تلك، أو قوة احتياط لدى لبيد؛ وتيار آخر، لم يتعلم من التجربة ومن فشل نهج التوصية على غانتس ولبيد ودعم حكومة بينيت بحجة التأثير، ولم يتحمل مسؤولية فشله بقيادة المشتركة وتحطيمها من 15 مقعدًا إلى صفر مقاعد في الانتخابات القريبة، وهي مسؤولية رئيس المشتركة، الذي يتحمل مسؤولية تحويل أصوات العرب إلى قوة داعمة لجرائم حكومة بينيت وسياساته العنصرية (بمقدور الثلاث قوائم أن تنجح وأن تزيد من التثميل العربي من 10 مقاعد حاليًا إلى 12 مقعدًا إذا ما ارتفعت نسبة التصويت وتجاوزت الخمسين في المئة، وهذا واقعي جدا).

من الضروري إنجاح التجمع، لأنه يمثل الخطاب الأول، الوطني والوحدوي، والذي لا يقبل أن يكون العرب مرتزقة عند حكومات إسرائيل. هذا أوان التجمع وحركتنا الوطنية التي يجب ألا تُبتز بأنه "معك خمس دقائق لتوقع". لسنا زعرانا ولا مرتزقة، نحن أصحاب هذه البلاد الأصليين، ويجب معاقبة من فشل بقيادة المشتركة ومن يريد تحويل العرب إلى مرتزقة عند لبيد أو بينيت أو نتنياهو. هذا أوان التجمع.

التعليقات