حرب روسيا وأوكرانيا: عام على الغزو | ملفّ

لا يمكن لأي أحد أن يفهم ما يحصل في أوكرانيا، دون الاطلاع على تاريخ الصراع بينها وبين روسيا، فالحرب بينهما، هي حربٌ على السرديّات، وحرب من يمتلك أساطير التأسيس

حرب روسيا وأوكرانيا: عام على الغزو | ملفّ

(Getty)

تقوم الدول القومية على أساطير مؤسِّسَة، وترتبط هذه الأساطير بوعي شعوبها في ذاكرة جمعية، تتشكل فيها روح القومية، وقد اعتنت الدول والقادة السياسيون والأحزاب بالذاكرة ودورها في تشكيل الهُوية القومية لدى المواطنين، وسعت لبناء تلك الهُوية بناءً على وعي، سواء بالعودة إلى التاريخ، أو باللجوء إلى اللغة، أو على خلق الأساطير الجديدة/القديمة، والتي تُساعد على وضع أساسات قوية، بمرجعيات ثقافية متماسكة، للبناء الهوياتي المطلوب، وقد سهَّلت الحداثة وأدواتها وانتشار التعليم والطباعة والمدارس في القرن التاسع عشر من صعود الحِس القومي في أوروبا، وبعدها في العالم أجمع.

يقول أوتو فون بسمارك، موحد الولايات الألمانية ومؤسس الإمبراطورية الألمانية (الرايخ الألماني الثاني)، «لا يتحقق الانتصار في الحرب بالجنرالات، وإنما بمعلمي المدارس ورُهبان الكنائس»، لأنه وعبر معلمي المدارس ورهبان الكنائس يجري تعليم ونقل الذاكرة الجماعية وتاريخها المشترك.

لا يمكن لأي أحد أن يفهم ما يحصل في أوكرانيا، دون الاطلاع على تاريخ الصراع بينها وبين روسيا، فالحرب بينهما، هي حربٌ على السرديّات، وحرب من يمتلك أساطير التأسيس، خصوصًا، وأن البلدين يشتركان في أغلبها، وكل واحدٍ منهما، يدّعي أنه الأصل، وأنه من يملك الأسطورة. وكيف يمكن لدولة مثل رُوسيا أن تُسلم بأن تكون أسطورة تأسيسها ملكًا لدولة أخرى؟

نشر الرئيس الروسي فلاديمر بوتين مقالًا في عام 2021، يؤكد فيه على الوحدة التاريخية لروسيا وأوكرانيا مؤكدًا ألّا فرق يوجد بين الشعبين، وأنهما يتشاركان التاريخ نفسه، والثقافة نفسها، بل وحتى نجد الأمر نفسه في أدبيات المُفكرين الروس من أمثال ألكسندر دوغين، والذي يقول عن أن روسيا وأوكرانيا يتشابهان لغويًا وثقافيًا ودينيًا وعرقيًا، وأن هناك خوفًا من الانفصال بين البلدين كما روِّج له في أوكرانيا «منذ بداية سيادتها الأخيرة».

مرّ عامٌ على بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، حربٌ كان لها تأثيرات مدوية على العالم أجمع، إذ أدت إلى إيجاد أزمة تصديرٍ للقمح والحبوب أولًا، وكانت دول العالم الثالث الأكثر تأثرًا بها، ثم أزمة في الطاقة، أعادت ترتيب النظام العالميّ لها، وكانت دول أوروبا الأكثر تأثرًا بها، نظرًا للعقوبات المفروضة على روسيا، والتي قيدت استيراد الغاز الروسيّ، ثم أزمة في الفضاء، حيث أعلنت روسيا انسحابها من محطة الفضاء الدولية، ثم أزمة نووية، تنسحب فيها روسيا من الاتفاقات النووية واحدة تلو الأخرى.

مقابر فارغة في منطقة خاركيف (Getty)

مرَّ عامٌ على الحرب، ومات آلاف الجنود من الطرفيين، وهُجّر فيها أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني إلى خارجها. مرّ عامٌ على الحرب التي هزت كيان أوروبا، وأخرجت بعض دولها عن الحياد، وأعادت حِلف الناتو مرة أخرى إلى الواجهة. مرّ عامٌ على الحرب التي كشف نِفاق الإعلام الأوروبي والأميركي في تغطية الحرب، وفي تقسيمه للعالم إلى ضحايا يستحقون التعاطف وآخرين لا يستحقونه.

مرّ عامٌ على حربٍ لا يبدو أنّ لها أفق حلٍ قريب، فلكي تخرج روسيا منتصرة أمام تاريخها وحاضرها، عليها أن تستعيد مجدها باستعادة «كييف روس»، وأن تستعيد أسطورتها المؤسسة، وعلى أوكرانيا، لكي تخرج منتصرة، أن تؤكد حقها في امتلاك أسطورتها، وأن تحقق مصيرها، بمعزل عن روسيا، وأن يكون لها لغتها وتاريخها وتقاليدها الخاصة، أو القريبة من أوروبا الغربية، أكثر منها إلى أوروبا الشرقية.

تستمر الحرب، ويستمر تأثرها على العالم، إذ أحدثت مرحلة انتقالية لم تنته بعد، فأعادت سباق التسلح في أوروبا، وأعادت توزيع الأحلاف ومواطن القوة، وظهرت قوى جديدة تأتمر بمصالحها بعيدًا عن أوروبا وأميركا، واتجه العديد من الكُتاب والأكاديميين للتفكير في العالم الجديد من ناحية الأقلمة بدلًا من العالميّة، فهل انتهت العولمة؟ وهل انتهى عصر السِلم وسلاسل الإمداد الدولية؟

كثير من هذه الأسئلة تبقى مفتوحة، ويتناولها الباحثون والمحللون أولًا بأول، ويناقشون أثرها وتأثيرها على العالم على المديين القصير والطويل. نضع بين أيديكم في هذا الملفّ مقالات ننشرها لأول مرة ومقالات نشرناها مُسبقًا تحاول الإجابة عن الأسئلة الكثيرة حول الحرب الروسية على أوكرانيا.

من هُنا، يمكنكم الاطّلاع على موادّ الملفّ، والتي تُنشر تباعًا:

التعليقات