19/05/2023 - 11:06

النائب عودة... موجز مشوار

أعلن النائب أيمن عودة هذا الأسبوع عن عدم ترشحه في انتخابات الكنيست المقبلة، بعد 8 أعوام من دخوله البرلمان رئيسًا للقائمة المشتركة… فماذا حقق وأي أثر ترك في مشواره؟

النائب عودة... موجز مشوار

(تصميم: عرب 48)

أعلن رئيس قائمة الجبهة – العربية للتغيير، النائب أيمن عودة، أواسط الأسبوع الجاري، عن عدم ترشحه في الانتخابات المقبلة للكنيست، واستمراره في منصبه حتى انتهاء الدورة الحالية للكنيست. ولم يكن هذا الإعلان مفاجئًا، بل متوقعًا، لكن توقيته هو الذي فاجأ قيادات وكوادر الجبهة، إذ جاء قبل ثلاثة أعوام ونيف من انتهاء دورة الكنيست الحالية، فيما اعتبرت كوادر في الجبهة أن هذا الإعلان هو رسالة داخلية لأعضاء وقيادات الجبهة أكثر من كونه رسالة لعامة الناس، خصوصًا بعد نتائج مؤتمر الجبهة الأخير، التي يبدو أنها لم تكن مرضية لعودة، بحسب كوادر في الجبهة، والحديث عن انشقاق حينها وسعيه لتشكيل "معسكر ديمقراطي" مع قوى صهيونية ليبرالية، لكنه أكد في إعلانه أن الجبهة ستبقى بيته السياسي الوحيد.

وبمعزل عن دوافع عودة إعلان عدم الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن مراجعة نهجه وأثره على السياسة العربية في الداخل مطلوبة، كونه تولى رئاسة قائمة عربية وحدوية جمعت لأول مرة الأحزاب العربية، وحققت نتائج غير مسبوقة سواءً لجهة عدد المقاعد في الكنيست، أو لجهة الرغبة في الاندماج في الإجماع الصهيوني، كما عبر عن ذلك عودة نفسه في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" حين أبدى استعداده فيها دعم حكومة "وسط – يسار"، وصولا إلى مسلسل التوصيات دون مقابل سوى الرغبة في "البقاء في اللعبة".

القائمة المشتركة بقيادة عودة: من الذروة إلى الحضيض... والتفكك

دخل النائب عودة الكنيست للمرة الأولى عام 2015 وترأس القائمة العربية المشتركة التي حصلت حينها على 13 مقعدًا، لتتفكك بعد نحو أربعة أعوام، وتتشكل مجددًا في العام نفسه، في أيلول/ سبتمبر العام 2019، ومن ثم انشقت عنها القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس لتهبط المشتركة بقيادة عودة إلى 6 مقاعد فقط، فيما حققت الموحدة 4 مقاعد، وهذه هي المرة الأولى التي تخوض فيها هذه القائمة الانتخابات البرلمانية بشكل مستقل أو منفردة.

يتحمل النائب عودة الجزء الأكبر والرئيسي من مصير القائمة المشتركة؛ أولا بحكم منصبه رئيسا للقائمة (كان من المفترض أن يحمل لقب المرشح الأول بحسب الاتفاق بين الأحزاب، لكنه تحوّل إلى "رئيس القائمة" لاحقًا)؛ وثانيًا، إخفاقه في إدارة أزماتها الداخلية، مثل أزمة التناوب، وتفضيله المصلحة الفئوية الحزبية على الوطنية أو الوحدوية في أكثر من مرة، وكذلك غرقه في "لعبة المعسكرات" الصهيونية (معسكر لبيد - غانتس مقابل معسكر نتنياهو) وتفضيله "مصلحة المعسكر" (معسكر لبيد – غانتس) على مصالح القائمة المشتركة ووحدتها، كما حصل في الانتخابات الأخيرة، عندما قرر مع النائب طيبي إقصاء التجمع من القائمة دقائق قبل إغلاق باب تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، وذلك بسبب رفض التجمع المسبق للتوصية على لبيد أو غانتس. وقد ارتد تفضيل النائب عودة مصلحة "المعسكر – الغوش" عليه وعلى معسكره، إذ تسبب بخسارة التجمع لأول مرة في تاريخه لتمثيله البرلماني، رغم تحقيقه إنجازا خلال شهر باقترابه من نسبة الحسم وحصد نحو 140 ألف صوت. لكن إقصاء التجمع من المشتركة من قبل عودة – طيبي بإيحاء من لبيد، ارتد عليهم بخسارة العرب 4 مقاعد في الكنيست، كانت ستحرم نتنياهو من الحكم (حصل ائتلافه على 64 مقعدًا).

لا يمكن وصف ذلك إلا بقصر النظر، وانعدام المواصفات القيادات وأولها الرؤية والمشروع السياسيين، وكذلك غدر الشركاء لمصلحة "الغوش" والتوصية على أحد قادته. فبعد توقيع الاتفاق السياسي بين التجمع والجبهة عشية الانتخابات الأخيرة، الذي شمل بندًا يمنع التوصية على أحد المكلفين بتشكيل الحكومة إلا بتحقيق شروط سياسية، أبلغ النائب عودة أحد قيادات التجمع يومها، بأنه لو تعلق الأمر به لما وقع على هذا الاتفاق مع التجمع، إذ كانت "مصلحة الغوش" والتوصية (تحت وهم التأثير) أهم بالنسبة إليه من مصلحة القائمة المشتركة واستمرارها وزيادة تمثيل العرب برلمانيًا.

لا إرث... وإنما أثر

قد يتساءل البعض ما الإرث السياسي الذي خلفه النائب عودة منذ دخوله الكنيست، ولكننا لا نريد الاستعجال والحكم في ذلك، لكن بالإمكان مراجعة أثره في السياسية أو الأثر الذي خلفه؛ ويمكن إيجاز ذلك بأنه حوّل السياسة العربية - النضالية والتمثيلية والمطلبية برلمانيًا - إلى ممارسات لوبي (جماعة ضغط) أو لوبيينغ، مدعوم من جهات وقوى يهودية أميركية، ماديًا وسياسيًا، بهدف منع رجوع نتنياهو للحكم حفاظًا على سمعة إسرائيل في العالم كدولة يهودية وديمقراطية وليبرالية، إذ خشيت هذه القوى من إساءة حكومات نتنياهو المدعومة من قوى يمينية متطرفة لصورة إسرائيل في العالم.

وقد تزامن ذلك مع تشكيل القائمة المشتركة وحصولها على 13 و15 مقعدًا لتصبح "بيضة القبان" بنظرهم وبنظر عودة، التي ستحرم نتنياهو من الحكم. وقد تساوق النائب عودة مع هذا التوجه وغرق فيه حتى النهاية المأساوية للقائمة المشتركة بقيادته.

سياسة اللوبي هذه اعتمدت على نزع المدني أو المطلبي عن الوطني، وعن الجماعي أيضًا، وهذا أخطر ما فيها.

واستطاب للنائب عودة لعب هذا الدور وشارك في مؤتمر "جي ستريت" وغيره، وحوّل العمل السياسي إلى ما هو أشبه بعمل الجمعيات لجهة الاعتماد على التمويل الخارجي – اليهودي الأميركي، ومقايضة الحقوق بالمواقف والسلوك السياسي، أو لجهة إفراغ السياسة والأحزاب من النشطاء وتحويلهم إلى موظفين و"خبراء" في جمعيات "تفرخ" كل يوم، وتقع كلها تحت "لوبي" واحد لا يعرف هدفه حقيقةً.

قدّم النائب عودة الهدايا المجانية للبيد وغانتس بالتوصية وغيرها، لكنه شق الطريق أمام الموحدة ومنصور عباس لقبول دعم حكومة نتنياهو – بن غفير – سموتريتش (gettyimages)

كذلك قدّم النائب عودة الهدايا المجانية للبيد وغانتس بالتوصية وغيرها، لكنه فقد الأرضية التي منحته ذلك، فقد خسر قوته البرلمانية، وشق الطريق أمام الموحدة ومنصور عباس لقبول دعم حكومة نتنياهو – بن غفير – سموتريتش (رفض الأخير دعم عباس رغم كل التنازلات التي قدمها للراب دروكمان)، لتدعم لاحقًا حكومة بينيت – لبيد.

وقد مهد عودة للموحدة وعباس ذلك منذ استعداده لدعم حكومة "وسط – يسار" والترويج لوهم التأثير ولعبة المعسكرات، والفصل بين الوطني والمدني أو المطلبي.

هذا أثر النائب عودة على السياسة؛ تحويلها إلى لوبيينغ وشق الطريق للموحدة وعباس للدخول لأي ائتلاف حكومي تحت شعار التأثير الذي روّج لها النائب عودة، فيما لم تتحسن مكانة المواطنين العرب السياسية كما يدعي، بل بالعكس، إذ سُن في هذه الفترة قانون القومية العنصري، وازدادت العنصرية حتى بات العرب غير مرحب بهم في الاحتجاجات ضد خطة إضعاف القضاء، التي ينظمها محسوبون على معسكر عودة، معسكر لبيد – غانتس أو "الوسط – يسار".

لم يشرح النائب عودة كيف تحسنت مكانة العرب السياسية، بل لم يذكر في إعلانه الأخير ذلك ولم يتحدث عن "إنجازات التأثير"، ولم يتطرق إلى ذلك مطلقًا. فهو يدرك أن "نهج التأثير" باتت الموحدة تتفوق في ممارسته عليه.

لم يعدد النائب عودة في خطابه وبيانه بعدم الترشح إنجازات حقيقية؛ فقد تحدث بشكل فضفاض عن تحقيق قفزة في العمل الدولي، وهذا غير صحيح موضوعيًا، فلم يشرح كيف حصل ذلك وماذا أنجز تحديدًا. ودور المجتمع المدني والأهلي الفلسطيني في الداخل قبل المشتركة كان أقوى وأوسع دوليًا، لكنه حوصر بالتمويل، وتشكلت بدلا منه في زمن المشتركة بقيادة عودة جمعيات عربية – يهودية تعتبر قضايا فلسطينيي الداخل شأنًا إسرائيليًا داخليًا، وتعتبر التدويل مخالفًا لشروط التمويل.

كذلك عدّ الخطة الاقتصادية 922 إنجازًا له، وهذا غير صحيح أيضًا؛ فقد كانت مصلحة إسرائيلية بدعم الاقتصاد في البلدات العربية وتطوير البنى التحتية بعد انضمامها لمجموعة دول OECD، ورغبتها في تحسين تدريجها الاقتصادي بين هذه الدول من خلال إشراك النساء العربيات واليهود الحريديين في سوق العمل. وقد تشاورت وزارة المالية مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وتفاوضت معها خلال إعداد هذه الخطة دون علاقة للنائب عودة، وقد أقرت لاحقًا عدة خطط اقتصادية استكمالا لهذه الخطة.

كذلك اعتبر تحقيق القائمة المشتركة 15 مقعدًا إنجازًا له، لكنه تجاهل أنه أجهز عليها في الانتخابات الأخيرة بإقصاء التجمع لمصلحة "الغوش" والتوصية، وفككها مرتين، في العام 2019 و2022.

النهاية المأساوية للقائمة المشتركة بقيادة النائب عودة هي نتيجة افتقاده للمشروع السياسي، وانجراره خلف مشاريع آخرين، فمن مواصفات القيادي كما ذكر سابقًا امتلاك المشروع، وليس امتلاك المقاعد.

لقد بدأ النائب عودة مسيرته البرلمانية من النقب، بمسيرة على الأقدام من الجنوب وصولا للقدس لطرح قضايا عرب النقب والقرى غير المعترف بها، ما أوحى بأنه سيقود سياسة شعبية جماهيرية في الميدان، لكن سرعان ما تبيّن أنه يخاطب الناس من العالم الافتراضي، السوشال ميديا.

مسيرة من النقب للقدس في 29 آذار/ مارس 2015 (gettyimages)

لا تبدو وجهة النائب عودة واضحة، لكنه قال إنه سيتسمر بالعضوية بهيئات الجبهة وأنه سيخصص المرحلة المقبلة لإنهاء الاحتلال، وهي كلمات فضفاضة لا تعكس مشروعًا، وهذه هي مشكلة النائب عودة. لا يملك مشروعًا، بل ينقاد خلف مشاريع الآخرين، بوعي أو من دون وعي.

التعليقات